عبدالله المدني

مع قرب حلول الموعد الذي وضعه أوباما لسحب قواته من أفغانستان، وعدم توصل كابول وواشنطن لصيغة مقبولة حول دور ونطاق التواجد العسكري الأميركي في أفغانستان بعد 2014، بسبب إصرار الرئيس الأفغاني حامد كرزاي على الحصول على مزيد من التنازلات من واشنطن، بما في ذلك وقف الغارات على منازل الأفغان، والإفراج عن معتقلي جوانتانامو الأفغان، ومع ما يمثله هذا الإخفاق من تهديد لوجود النظام الأفغاني الحالي على ضوء تزايد أنشطة laquo;الطالبانيينraquo; وأنصارهم، وتأهب دول الجوار للتدخل في شؤون أفغانستان الداخلية كما فعلت طوال العقود الماضية، يبدو كرزاي الذي سيغادر موقعه الرئاسي قريباً حائراً، ومتخبطاً، وغير قادر على اتخاذ القرار الأصوب. نجد تجليات ذلك في زيارة اليوم الواحد التي قام بها إلى طهران في الثامن من ديسمبر 2013، ثم الزيارة التي قام بها إلى نيودلهي للاجتماع برئيس الحكومة الهندية الدكتور مانموهان سينج. في زيارته إلى طهران، والتي وقع خلالها مع روحاني اتفاقية شاملة حول الصداقة والتعاون. حاول كرزاي أن يظهر بمظهر المالك لقراره المستقل، والقادر على مواجهة أي ضغوط أميركية حول الاتفاقية الأمنية المعلقة. ومن جانبه شجعه مضيفه روحاني على الاستمرار في هكذا مواقف بحجة أنّ الاتفاقية التي تروج لها واشنطن ليست في صالح أفغانستان. والحقيقة التي يعرفها الجميع أن طهران تريد إنهاء الوجود الأميركي في أفغانستان تماماً كما حدث في العراق، حتى تتمكن من العبث بهذه البلاد. ويُعتقد أنّ كرزاي توصل إلى قناعة بأن أي صفقة أمنية مع واشنطن لن تحقق الأمن لبلاده إلا على المدى القصير. أما على المدى الطويل، فإنها يجب أنْ تعتمد على تفاهمات مع جاراتها، لاسيما إيران التي تربطها مع أفغانستان روابط روحية وتاريخية ولغوية وغيرها من الروابط التي تسهل التعاون السياسي والاقتصادي. لكن هناك أمرين، ليسا بخافيين على كرزاي وإنْ حاول تجاهلهما الآن بسبب تلهفه على عقد الصفقات والتفاهمات مع دول الجوار. هذان الأمران أولهما أن استتباب الأمن والسلام ومنع انهيار الدولة المركزية الأفغانية الضعيفة أصلاً يتطلب حجماً كبيراً من المساعدات المتنوعة، التي لا تملك إيران تقديمها. وثانيهما هو أنّ المساعدات الإيرانية- إن وجدت بالحجم المطلوب- فعادة ما تحمل معها الترويج المذهبي والتجييش السياسي، تنفيذاً لسياسات طهران المعروفة في تصدير الثورة laquo;الإسلاميةraquo;، والتي تخدم المانح أكثر من المتلقي. وبالعودة إلى الاتفاقية التي وقعها كرزاي مع الإيرانيين، نجد أنّ طهران حاولت الإيحاء بأنها حققت من خلالها نصراً إقليمياً آخر، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار الشكوك التاريخية المتبادلة بين أفغانستان وباكستان من جهة والصراع المذهبي غير المعلن بين طهران وإسلام آباد من جهة أخرى. والمعروف أنّ الإيرانيين لطالما أعربوا عن رغبتهم في عقد شراكة مع الأفغان كون أفغانستان تمثل لهم أهمية خاصة بسبب وجود أقلية شيعية معتبرة فيها، ووجود حدود مشتركة طويلة نسبياً يتم عبرها تهريب الأفيون ويتسلل من خلالها اللاجئون- يوجد حالياً في إيران نحو مليوني لاجئ أفغاني، ويحتمل أن يزيد هذا العدد إذا نجح laquo;الطالبانيونraquo; في العودة إلى السلطة بعد 2014. ومن أجل هذا الهدف استثمر الإيرانيون بلايين الدولارات في إقامة المشاريع الإنشائية ومشاريع الطرق والمواصلات وإنشاء المدارس، لا سيما في المناطق الغربية التي تقطنها أقلية الهزارة الشيعية.

وفي 12 ديسمبر 2013 حلّ كرزاي في نيودلهي في زيارة مفاجئة قيل إنها جاءت بدعوة من الحكومة الهندية التي استجابت بدورها لطلب من واشنطن بهذا الشأن من أجل أن يستثمر رئيس الحكومة الهندية مانموهان سنج علاقاته الجيدة مع كرزاي في إقناعه بضرورة التوقيع على الاتفاقية الأمنية المعلقة بأقصى سرعة، كي تتاح فرصة كافية للقوات الأميركية لإعادة انتشارها قبل حلول نهاية 2014. غير أن المصادر الحكومية الأفغانية، في محاولة منها للتغطية على الأهداف الحقيقية للزيارة، راحت تروج أنّ كرزاي ذهب إلى الهند من أجل توقيع صفقة سلاح للجيش الأفغاني تشتمل على دبابات ومدافع ميدان وطائرات مروحية هجومية، وإقناع الهنود بضرورة مساعدة أفغانستان عسكرياً. والمعروف أن الهند اكتفت منذ سقوط نظام laquo;طالبانraquo; بضخ الاستثمارات في القطاعات المدنية المتنوعة -نحو بليوني دولار حتى الآن-، ثم قامت، طبقاً لاتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي وقعت بين البلدين في 2011، بمد أفغانستان بعربات وطائرات النقل العسكرية والآلات الميكانيكية والمعدات الهندسية، إضافة إلى تدريب قوات الأمن الأفغانية في معاهدها، بينما تحاشت مدها بالمعدات العسكرية الثقيلة أو الحساسة، خوفاً من وقوعها في أيدي المتمردين laquo;الطالبانيينraquo;، أو أيدي الجماعات المحسوبة على باكستان. ومن هنا جاء إعلان كرزاي بعد محادثاته مع سنج من laquo;إننا نترك موضوع تزويدنا بالأسلحة للأصدقاء الهنود، كي يقرروا ما يرونه مناسباً دون أن نستغل صداقتنا لهم في إجبارهم على أمور تخالف سياساتهمraquo;. لكنه أضاف مستدركاً: laquo;إننا نرجو من الأصدقاء الهنود أن يبعثوا على الأقل بمدربين للعمل في أكاديمية laquo;ساندهيرستraquo; العسكرية في كابول والتي أقامتها بريطانيا هناك. والحال أن كرزاي حائر ما بين عمامة تحثه على عدم توقيع الاتفاقية الأمنية مع الأميركان، وعمامة أخرى تحثه على سرعة توقيعها. وما بين العمامتين هناك نواز شريف باكستان الذي قام في نهاية نوفمبر المنصرم بأول زيارة له إلى كابول منذ تسلمه الحكم في بلاده في مايو الماضي، حيث رشح من اجتماعه بكرزاي أن الأول وعد الثاني ببذل مساعيه، لتسهيل إجراء محادثات سلام بناءة بين النظام الحالي في كابول وحركة طالبان (ممثلة في قائدها السابق الملا برادر الذي أطلقته السلطات الباكستانية من سجونها في العام الماضي)، وهو ما سعى إليه كرزاي طويلاً- دون نجاح- انطلاقاً من قناعته بأن للباكستانيين (خصوصاً جهاز مخابراتهم) تأثيراً على laquo;الطالبانيينraquo;، وأن الملا برادر هو مفتاح نجاح أي محادثات مع laquo;طالبانraquo;، علما بأن laquo;طالبانraquo; ترفض حتى الآن التفاوض مع كرزاي وأركان نظامه بحجة أنهم مجرد دمى تحركها واشنطن.