إعداد: عمر عدس وصباح كنعان


في السنوات الأخيرة، أصبحت الطائرات بلا طيار الأمريكية تثير الرعب في البلدان التي تحلق في أجوائها وتطلق صواريخ على أشخاص quot;يشتبهquot; في أنهم إرهابيون، ويتبين في حالات كثيرة أنهم كانوا مدنيين . فما المشاعر التي يثيرها ذلك في نفوس أولئك الذين يوجهون هذه الطائرات الآلية من على بعد آلاف الأميال عندما يخطئون في التمييز بين مقاتل مسلح ومزارع في حقله؟ المجندة الأمريكية هيذر لاينبول خدمت في سلاح الجو الأمريكي وعملت ضمن برنامج الطائرات بلا طيار من 2009 إلى 2012 . وقد نشرت حديثاً مقالة عبر صحيفة quot;الغارديانquot; البريطانية تحدثت فيها عما اختبرته من معاناة مؤلمة خلال مهمتها تلك، وكتبت تقول:
كلما قرأت تعليقات لسياسيين يدافعون فيها عن برنامج العربة الجوية غير المأهولة quot;بريداتورquot; وquot;ريبرquot;- أي برنامج الطائرات بلا طيار- أتمنى لو أستطيع أن أطرح عليهم بعض الأسئلة . كنت لأبدأ بالسؤال: quot;كم عدد النساء والأطفال الذين رأيتموهم يتحولون إلى رماد بصاروخ quot;هيلغايرquot;؟quot; . ثم اسأل: quot;كم عدد الرجال الذين رأيتموهم يزحفون متألمين عبر حقل وهم يحاولون الوصول إلى أقرب مجمع سكني لطلب العون بينما كانوا ينزفون إثر بتر سيقانهم بانفجار صاروخ؟quot; . وكنت لأسأل أيضاً: quot;كم عدد الجنود الذين رأيتموهم يموتون على جانب طريق في أفغانستان لأن عرباتنا الجوية غير المأهولة، التي توصف بأنها دقيقة جداً في الرصد، عجزت عن اكتشاف عبوة متفجرة كانت بانتظار قافلتهم؟quot; .


إن قلائل فقط من أولئك السياسيين الذين يهللون بصفاقة لمزايا الطائرات بلا طيار لديهم فكرة حقيقية عما يجري في الواقع . وفي المقابل، أنا كنت أرى مباشرة هذه المشاهد الرهيبة .
وقد كنت أعرف أسماء بعض من الجنود الشبان الذين رأيتهم ينزفون حتى الموت على جانب طريق . وشاهدت أيضاً عشرات من الشبان هم يموتون في أفغانستان، في حقول خالية وعلى جنبات ضفاف أنهر، وبعضهم بالقرب من مجمع سكني، حيث كانت عائلاتهم تنتظر عودتهم من المسجد إلى البيت .
وما يجب أن يعلمه الجمهور هو أن تسجيلات الفيديو التي تصورها طائرة بلا طيار لا ترصد أبداً بوضوح كافٍ شخصاً يحمل سلاحاً، حتى خلال نهار صافٍ يكون الضوء فيه مثالياً . وهذا يجعل من الصعب إلى أبعد الحدود على المحللين أن يتحققوا مما إذا كان شخص يحمل أسلحة بصورة مؤكدة .
ومن المهم أيضاً أن يدرك الجمهور أننا نحن العاملين في هذا البرنامج بشر نشغّل هذه العربات الجوية غير المأهولة ونحلل المعلومات الاستخباراتية التي نجمعها . وأنا أعرف ذلك لأنني واحدة من هؤلاء العاملين، وأعرف أيضاً أن لا شيء يمكن أن يهيئنا نفسياً لهذا الروتين شبه اليومي المتمثل بتوجيه مهمات مراقبة جوية فوق منطقة حرب . ويزعم مؤيدو استخدام الطائرات بلا طيار أن الجنود الذين يقومون بهذا النوع من العمل لا يتأثرون بما يشاهدونه خلال مراقبتهم لهذا القتال، لأنهم لا يتعرضون أبداً لخطر بدني مباشر .


نحن طبعاً تلقينا تدريباً لتفادي أن نختبر مثل هذه المشاعر، ولكننا نبقى دائماً في حالة صراع داخلي مؤلمة . وبعض الجنود ينشدون العون في عيادة صحة نفسية تابعة للجيش، ولكننا مقيدون بشأن من نتحدث إليه وأين، بسبب سرية مهماتنا . وأنا أجد أنه مما يثير الاهتمام أن إحصاءات الانتحار في مجال هذا العمل لا يعلن عنها ولا تنشر . والأمر ذاته ينطبق على أيضاً على المعطيات المتعلقة بعدد الجنود العاملين في مهمات الطائرات بلا طيار الذين يعتمدون كثيراً على الأدوية والعقاقير الخاصة بعلاجات الاكتئاب، والهلع، واضطرابات النوم .


وقد نشرت quot;الغارديانquot; حديثاً مقالاً لوزير الدفاع البريطاني فيليب هاموند، دعا فيه الناس إلى تجاهل quot;الأساطيرquot; المحيطة بالطائرات بلا طيار، ورأى أنها ليست أداة قتل عشوائي، وإنما هي ذخر يبقي المدنيين والجنود آمنين . وأنا أتمنى لو أستطيع التحدث إليه بشأن الزميلين الصديقين اللذين فقدتهما، إذ انتحرا في غضون سنة بعدما أنهيا خدمتهما العسكرية . وأنا واثقة بأن الوزير لم يبلغ بهذا الجانب الخفي في برنامج العربة الجوية غير المأهولة، وإلا لكان بالتأكيد قد دقق في الأمر واطلع على مجمل البرنامج قبل أن يدافع عنه مرة أخرى .


إن برنامج العربة الجوية غير المأهولة يستخدم في الشرق الأوسط كسلاح، وليس للحماية، وطالما بقي جمهورنا غير مطلع على حقيقة هذا البرنامج، فإن هذا التهديد الخطر لحرمة حياة البشر -من الوطن وخارجه- سوف يستمر .