فاتح عبدالسلام


عدم تصريف الإحتقان السياسي يؤدي الى كوارث لا يمكن التكهن بنتائجها. دائما ً يقال أن العراق يقع في تقاطع مهب الرياح العاتية ، وهذا توصيف دقيق لكنه لا يمكن أن يكون كاملاً ومغنياً عن الخوض في أسباب الضعف التي تجعل العراق واقفاً تحت عوامل التعرية والتجريد، بما يوحي أنه يفعل ذلك بمحض إرادته.
العراق منذ غادرته القوات الأمريكية وفي خلال وجودها كان تحت عصف الصراعات السياسية التي جعلت المواطن الحاقد على النظام السابق القمعي للحريات يترحم عليه غير مبال بكل الذي جرى. هذه النتيجة المشتقة من أرض الواقع تؤكد أن المسيرة تسير الى الوراء ونحو التقهقر بامتياز.
مصطلحات القاعدة والإرهاب ومن ثم داعش جرى تحويرها وإعادة برمجتها بما يخدم أهداف كل طرف متعاطٍ للعبة القاتلة في المدار الإقليمي الذي يطفو على سطحه العراق كدولة وزنها الوحيد انها نفطية غنية من جهة ومكان لتصريف شؤون التنظيمات المسلحة غير الشرعية لدول الجوار كافة من جهة أخرى.
أحداث الفلوجة والرمادي ما اشتعلت لتنتهي نهايات تقليدية هادئة عبر وساطة عرجاء هنا ومبادرة ساذجة هناك. ثمة مرحلة جديدة بدأت في العراق لا يمكن توصيفها بكلمة أو كلمتين الآن ، لكن من الواضح أن أجزاء من السيناريو السوري بما ينسجم مع المعطيات العراقية بات ينتقل على نحو قوي وثابت ومخطط له الى العراق.
هل يظن أحد في هذه المرحلة أن محاصرة الفلوجة أو سواها من جهاتها الأربع وقصفها بالطائرات سينهي تمرداً مسلحاً عادياً وليس استثنائياً؟ ولماذا لم تستطع القوات الأمريكية في فترة احتلالها العراق أن تحسم معركة الفلوجة بهذا الأسلوب وهي تمتلك أكبر قوة نارية ومعلوماتية في العالم، إلا بعد أن جرى تهديم المدينة كاملة واخراج أهلها واعادة قسم منهم اليها على وفق سجلات جديدة في خطوة لم يمكن أحد قادراً على فعلها سوى قوات إحتلال.
هل توجد في العراق قوات إحتلال حالياً فيما نرى على المشهد الملتهب؟
كان هناك حلول سياسية مبكرة ميسرة، استنكف الجميع من تقديم التنازلات البسيطة في سبيل تحقيقها فكانت هذه النتيجة والمقبل هو الأسوأ حتماً. لقد خاض السياسيون في كل ماء وسخ برغم من وجود جداول وأنهار صافية تكمن في ضمائر قسم من العراقيين لم يلتفت اليها أحد. وعجنوا في الطين طويلاً حتى حسب العراقيون أنهم ما تركوا مخاضة سوء إلا خاضوا فيها ، ثم جاءت الفلوجة مجدداً وستجر بعدها مدناً أخرى.