فيصل جلول

قبل انصرام العام 2013 بأيام قليلة كان نائب وزير الخارجية المصري للشؤون العربية ناصر كامل يزور الجزائر ويتحدث مع وزير خارجيتها رمضان العمامرة عن وجوب التنسيق بين القاهرة والجزائر لمجابهة التحديات المطروحة على العالم العربي والعمل المشترك في ملفات أساسية من بينها quot;المأساة السوريةquot; على حد تعبيره والحالة الليبية والقضية الفلسطينية .
جاءت تتمة هذا الكلام على لسان وزير الخارجية المصري نبيل فهمي الذي زار الجزائر في الخامس من يناير/كانون الثاني الجاري، وأضاف البعد الإفريقي إلى ما ذكره نائبه، حيث أكد أن بلاده عازمة على إعادة التموضع في سياستها الخارجية بما يتناسب مع quot;هويتها العربية وجذورها الإفريقيةquot; .


ولا تكتمل الرواية دون الإشارة إلى أن زيارة فهمي، تمت بدعوة رسمية من وزير الخارجية الجزائري، وتم التمهيد لها عبر زيارة ناصر كامل بحيث تنطلق من أسس متينة ومدروسة . فهل نشهد قريباً إعلان محور الجزائر - القاهرة الذي يحتاجه العالم العربي وتحتاجه إفريقيا بقوة في هذه الظروف المصيرية؟
حتى الآن لا مؤشرات واضحة حول محور quot;مرغوبquot; بقوة بين البلدين . فالزيارة لم تفض إلى تشكيل هيئة جديدة، وإنما أعادت الروح لهيئة التنسيق العليا القائمة من قبل وتدعيم المؤسسات الأخرى الناظمة للعلاقات بين البلدين، والراجح أن هذا التواضع في الإعلان عن مجريات الحوار هو من أثر الدبلوماسية الجزائرية وأسلوب الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الموسوم بالتحفظ وبالتعبير المتقشف عن أكثر القضايا اضطراماً وحرارة .
ويلاحظ في السياق نفسه، إشارة جزائرية إلى وجوب استعادة مصر لدورها الكامل في الاتحاد الإفريقي، وهذا يعني أن quot;المحدلةquot; الجزائرية الإفريقية ستتحرك في هذا الاتجاه حتى تستأنف مصر حضورها الدوري والكامل لاجتماعات الاتحاد الإفريقي . والواضح أن ذلك من شأنه أن يكسر طوق العزلة التي يراد ضربها حول مصر وتوسيع هامش المناورة أمام الدبلوماسية المصرية التي خاضت للتو معركة مع تركيا وأخرى مع قطر يعتقد البعض أنها ستفضي إلى قطع أو تجميد أو تخفيض العلاقات بين البلدين بسبب ما تسميه القاهرة بquot;التدخل القطري والتركي السافر في شؤون مصر الداخليةquot; .


ما من شك في أن استقبال الرئيس بوتفليقة ورئيس وزرائه فضلاً عن وزير خارجيته للوزير المصري ومن ثم مبادرة الوزير للحديث بعد هذه اللقاءات عن quot;المسؤولية التاريخيةquot; لمصر والجزائر في حفظ أمن واستقرار العالم العربي ينطوي على أكثر من زيارة تقليدية وعلى أكثر من رجاء مصري بمساعدة جزائرية في الاتحاد الإفريقي كما أوحت إحدى الصحف العربية .


وإذا كان الحديث عن محور استراتيجي جزائري مصري حول كل ما يتصل بشؤون العرب وإفريقيا يندرج في خانة المرغوب حتى الآن، فإن معظم شروط انبثاق هذا المحور ميسرة تماماً، ومن بينها خروج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط والحاجة إلى محور عربي يتولى quot;مسؤولية تاريخيةquot; تجاه أمن المنطقة واستقرارها ورعاية مصالحها، وبالتالي ما عاد لأحد الحق والقدرة على وضع quot;فيتوquot; على نشوء مثل هذا المحور . وثانيها أن الجزائر ومصر تضم أكثر من ثلث سكان العالم العربي، ويحق لهذه الكتلة أن تكون ذات كلمة مسموعة في شؤون العرب المركزية . وثالثها أن مصر التي كانت تعمل تحت سقف اتفاقية كامب ديفيد ما عادت مضطرة لخفض رأسها تحت الضغط الأمريكي - quot;الإسرائيليquot; المشترك، وهي اليوم تعمل جادة للتخلي عن المعونة الأمريكية السنوية، ناهيك عن أن انسحاب أمريكا من الشرق الأوسط يحرر القاهرة من عبء ثقيل الوطأة كان حتى الأمس القريب يمسك بأنفاس البلد ونخبه الحية . ورابعها أن عودة مصر إلى تحمل مسؤولياتها العربية والإفريقية يعطي مشروعية للحكم الجديد وللرئيس القادم، وكل تقدم في هذا السياق يقرب الوضع الداخلي المأزوم نحو بر الأمان، ورابعها أن العالم العربي لا يمكن أن يدور إلا حول محور وازن، وهذا المحور كان من قبل ممثلاً بالسعودية مصر وسوريا، غير أن quot;الربيع العربيquot; أتى عليه وساد الفراغ الذي يمكن للمحور الجزائري - المصري أن يملأه . وخامسها أن المحور يجمع بين مشرق العرب ومغربهم وعمقهم الإفريقي ويقوم بين دولتين تربطهما صلات تاريخية متينة لم تنل منها معارك كرة القدم التي حاول الرئيس المخلوع حسني مبارك أن يستخدمها كحجاب عازل لسياسة حكومته الخارجية المتخاذلة . وسادسها أن الحلف المرغوب هو حاجة جزائرية أيضاً، فهذا البلد ما عرف الاستقرار والنهضة إلا عندما كانت سياسته الخارجية مدوية على أكثر من صعيد، ولعل التقوقع بعد الحرب الباردة هو المسؤول إلى هذا الحد أو ذاك عن quot;عشريته السوداءquot; . وسابعها أن التدخل الأجنبي الإرهابي أو الغربي أو الآسيوي ما كان ممكناً لو أن لدى العرب محورهم القوي القادر على ردع الأجانب وجعل كل متدخل يحسب ألف حساب قبل التفكير في لعب أدوار مجرمة في هذا البلد العربي أو ذاك . ولعل هذا المحور المرغوب يطيح بأحلام دول كتركيا التي جرب رئيس وزارئها إلحاق العالم العربي خلال السنوات الماضية بحلمه الامبراطوري الجديد . وثامنها أن غياب محور عربي رادع وحافظ للأمن والاستقرار في العالم العربي يغري الدول الإقليمية والغربية بوضع اليد على مواقع العرب الاستراتيجية، ومن بينها باب المندب والنفط الليبي، وقناة السويس، ويفتح الباب واسعاً أمام مشاريع استراتيجية رفضها العرب مراراً شأن قناة البحرين الأحمر والميت، ناهيك عن التحريض الطائفي وإشعال نيران الفتن في كل مكان، وبالتالي تحويل العالم العربي إلى أرض خراب يباب .
نعم يجب أن ينتقل المحور الجزائري المصري من خانة المرغوب إلى خانة التنفيذ فهو حاجة مصيرية لعرب المشرق وعرب المغرب على حد سواء .