فروع quot;القاعدةquot; في لبنان الى الواجهة مجدداً: جهود لمكافحتها نجحت وأخرى متطورة لرصدها

ابراهيم بيرم

الذين هم على تواصل مع الجهات الفلسطينية المعنية خلال الايام القليلة الماضية خرجوا باستنتاج مفاده ان الهمّ الاساسي لها هو ان لا يبدو مخيم عين الحلوة في شرق صيدا وقد استحال المركز الاساس والموئل الآمن لتنظيم quot;القاعدةquot; في لبنان. لذا استشعر هؤلاء ارتياح هذه الجهات الى أمرين الاول عدم ظهور أي دليل مادي ملموس يثبت ان السيارة المفخخة التي انفجرت بالوزير السابق محمد شطح وأدت الى قتله قد فخخت في هذا المخيم.

والثاني: انتفاء أي صلة للسيارة المفخخة التي انفجرت في حارة حريك بالمخيم نفسه، وبروز أدلة دامغة تثبت ان الانتحاري هو من خارج بيئة المخيم وان سيارته لم تخرج اطلاقاً من المخيم أو تدخل اليه.
غير أن هذا الارتياح الذي تملك الجانب الفلسطيني ما لبث ان بدده كلام سرى أخيراً سريان النار في الهشيم فحواه ان أحد رموز العمل الاسلامي في المخيم المدعو توفيق طه هو المرشح لخلافة السعودي ماجد الماجد في قيادة quot;كتائب عبدالله عزامquot; احدى اخوات quot;القاعدةquot; في لبنان والمنطقة والذي أعلن مسؤوليته عن تفجيري السفارة الايرانية وقبلهما سلسلة عمليات وممارسات ارهابية في الجنوب، وهو التنظيم الذي طالما عبر مراراً وبشكل صريح عن رغبته في أن يكون هو جناح quot;القاعدةquot; الاساسي في الساحة اللبنانية. لذا لم يكن مفاجئاً ان تسارع فصائل فلسطينية وفي مقدمها حركة quot;حماسquot; الى دحض هذه المعلومة انطلاقاً من أنه لا يمكن فلسطينياً أن يتولى زعامة هذا الجناح، لأن ذلك من شأنه التأثير سلباً على العمل الوطني الفلسطيني والساحة اللبنانية.
وهكذا يبدو جلياً ان ثمة في مخيمات لبنان من quot;يكافحquot; بشراسة وبرغبة حقيقية ليبعد عن مخيم عين الحلوة وعن المخيمات العشرين في لبنان شبهة تحولها الحصن الحصين للتنظيم الباحث بدأب ومنذ فترة طويلة عن موطئ قدم في الساحة اللبنانية يكون منطلقاً لتحويل الساحة اللبنانية من ساحة quot;نصرةquot; الى ساحة جهاد ساعة تقتضي الحاجة.
ولكن السؤال الذي بات مطروحاً بالحاح لدى هذه الجهات الفلسطينية وسواها من الجهات اللبنانية المعنية بالامر مباشرة، أو تلك التي هي على تماس مع الموضوع هو: هل لا يزال في الامكان تلافي تجرع هذه الكأس المرة؟ واستطراداً هل ما زال هذا التنظيم صاحب السوابق المرعبة في عمليات الارهاب والتدمير، عابر سبيل في هذه الساحة ام انه غرس جذوره في تربات خصبة وبيئات حاضنة في داخل عين الحلوة وخارجها؟ لا ريب ان هذا السؤال هو موضوع السجال الاساسي في لبنان منذ زمن بعيد وتحديداً منذ ان اطلق وزير الدفاع الوطني فايز غصن تصريحه الشهير محذراً فيه من ان quot;القاعدةquot; قد تسللت الى داخل البيت اللبناني حاملة معها تجاربها الارهابية الطويلة.
وبالطبع ليس ثمة من يجرؤ على اعطاء جواب حاسم يقطع الشك باليقين، ويحسم هذا السجال المستعر خصوصاً ان فريق 14 آذار ما زال يصر على اعتبار ان quot;الارهابquot; انما هو امر استدعاه على عجل دخول quot;حزب اللهquot; في الميدان السوري وان هذا الوافد سرعان ما سيبارح الساحة حالما يخرج الحزب من هذا الميدان.
ولكن الثابت ان الوضع اختلف والصورة تحولت في الآونة الاخيرة خصوصاً بعدما افتعل هذا الارهاب معركته المدوية مع الجيش عند مدخل صيدا الشمالي وفي مجدليون، مستخدماً للمرة الاولى الإنتحاريين، وعليه فلا شك ان السؤال اياه ما زال يطرح نفسه كل يوم ويبحث عن اجابات دقيقة حول ما إذا كان الارهاب والتشدد بكل ألوانه ومسمياته قد استوطن الساحة وصار واحداً من مفرداتها ومكوّنات مشهدها السياسي والأمني، وبالتالي على الجميع التعامل مع هذه الحقيقة البالغة المرارة والخطورة وانتظار quot;خبطةquot; من خبطاتها، ام انه ما زال كما قال قائد الجيش العماد جان قهوجي ذات يوم عبارة عن مجموعات متناثرة اي انها بمعنى آخر تعمل غب الطلب؟
حتى الآن ورغم مرور اكثر من عامين على بروز نذر quot;القاعدةquot; ورسلها الى لبنان واستطراداً على ارتفاع اعلامها وراياتها السود في اماكن عدة ومحطات متعددة، ثمة وجهتا نظر، واحدة تزعم ان الارهاب ما برح امراً عابراً بكل معنى الكلمة وأخرى تحسم النقاش لتزعم ان احد اخطر تمظهرات quot;القاعدةquot; اي quot;داعشquot; قد تمكنت من غرس جذورها في التربة اللبنانية استتباعاً طبيعياً وحتمياً لما بدأته في الساحة السورية المجاورة.
وفي كل الأحوال تتقاطع معلومات سياسية وأمنية على صلة بالأجهزة الرسمية المعنية على جملة ثوابت في هذا الاطار أبرزها:
- ان في بعض أحياء عين الحلوة قيادات ومجموعات على صلة مباشرة بتنظيم quot;القاعدةquot; تأتمر بأوامرها وتشكل احتياطاً جاهزاً لها. وان على الأجهزة الأمنية بالتعاون والتنسيق مع الجهات الفلسطينية التابعة لمنظمة التحرير خلال الفترة المقبلة الحيلولة دون امساك هذه المجموعات بزمام الأمور في المخيم بعدما تقلص الى درجة كبيرة حجم حضور الفصائل الفلسطينية التقليدية وسطوتها.
- ان هذه القيادات والمجموعات تشكل حلقة وصل واتصال مع مجموعات وخلايا عدة في مناطق لبنانية عدة حتى تلك المحسوبة على تنظيمات وشخصيات اسلامية اخرى كمثل المجموعات التي كانت محسوبة على الشيخ احمد الأسير في صيدا.
- ان ثمة قناعة لدى الأجهزة الرسمية المعنية جوهرها ان هذه المجموعات ما برحت تفتقد حرية الحركة والاتصال والتنظيم نظراً الى ان اجهزة لبنانية واخرى غير لبنانية نجحت في رصدها واختراقها مما ادى الى نتيجتين رئيسيتين هما:
- احباط استباقي للعديد من تحركاتها وجهودها ومحاولاتها في الداخل اللبناني اما لنقل الاسلحة، أو لتهريب مقاتلين أو لتنظيم خلايا عنقودية، وبحسب تعداد هذه الأجهزة فانه خلال العام المنصرم تم كشف واحباط نحو 56 عملية من هذا النوع في مناطق شتى وخصوصاً في البقاع ادت الى اعتقال ما لا يقل عن 80 عنصراً مسلحاً.
- ان الأجهزة المعنية صارت تملك داتا معلومات شبه كاملة عن هذه المجموعات وخيوطها الداخلية والخارجية بدليل أنها كشفت خلال اقل من 48 ساعة تفاصيل مهمة عن تفجيري السفارة الايرانية وقبلهما تفجيري الضاحية (الرويس وبئر العبد).
وثمة معلومات اولية تشير الى ان هذه الأجهزة بصدد توجيه ضربات وقائية لهذه المجموعات والحيلولة دون ترسيخ وجودها وquot;مركزةquot; قوتها في الساحة اللبنانية من الآن فصاعداً.
وفي كل الأحوال فان الأجهزة المعنية حققت حتى الآن خطوات متقدمة في مجال quot;تخصيصquot; غرفة عمليات لرصد مجموعات الارهاب في لبنان، وهي بصدد تعزيزها في قبال الايام وتزويدها أجهزة وخبرات متطورة.