عماد المهدى

ليست مبالغة القول إن الدول في نموها وتطورها تشبه مراحل النمو والتطور التي يمر بها الإنسان

في حياته فلكل مرحلة من هذه المراحل سمات وقسمات خاصة بها, فهناك دول ما زالت في طور النشأة, وأخري في طور الشباب باندفاعاته وتهوره, وثالثة في طور الرشد, ورابعة في طور الحكمة, وخامسة في طور الاضمحلال والتدهور والانهيار.
هذه القاعدة لا نعني بها تقسيم دول العالم بقدر مانعني بها تحديد وضع بعض الدول في النظام الدولي, وتحديدا دولة قطر التي لم تصل بعد إلي سن الرشد, بما يعني أنها صحيح تجاوزت مرحلة النشأة مع حصولها علي الاستقلال في سبعينيات القرن المنصرم, إلا أنه من الصحيح أنها مازالت في طور الشباب الذي يعني الاندفاع والتهور وعدم القدرة علي تقدير العواقب والنتائج المترتبة علي سياساتها وتوجهاتها, بل أكثر من ذلك نجد هناك تخبطا في كثير من هذه السياسات, يدلل علي ذلك ما جري أخيرا بصدور بيان وزارة الخارجية القطرية والذي مثل تدخلا مرفوضا في الشأن المصري, فحينما يأتي في هذا البيان ما نصه أن: ماجري ويجري في مصر ليقدم الدليل علي أن طريق المواجهة والخيار الأمني والتجييش لا تؤدي إلي الاستقرار... وأن قرار تحويل حركات سياسية شعبية إلي منظمات إرهابية, وتحويل التظاهر إلي عمل إرهابي لم يجد نفعا في وقف المظاهرات السلمية, بل كان فقط مقدمة لسياسة تكثيف إطلاق النار علي المتظاهرين بهدف القتل, فلاشك أن ماجاء في هذا البيان لا يختلف عليه اثنان أنه تدخل سافر في الشئون الداخلية المصرية, وحسنا ما فعلته وزارة الخارجية حينما لم تكتف بمجرد إصدار بيان رفض, وإنما سارعت باستدعاء السفير القطري في القاهرة وأبلغته رفضها لمثل هذه التصريحات والبيانات, ومحذرة في الوقت ذاته أي دولة أو طرف خارجي يشرع أو يقدم علي ذلك, بتحمله مسئولية ما يترتب عليه من تداعيات.
وهو ما يذكرنا بالموقف المصري من تركيا بسبب تدخلات رئيس وزرائها, والقرار بطرد السفير التركي وتخفيض مستوي التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلي مستوي القائم بالأعمال. والحقيقة أن هذه الحادثة كاشفة عن أمرين مهمين وجب تسجيلهما بشأن الدور القطري في المنطقة خلال الفترة القادمة, وهما:


الأول: أن دولة قطر وقيادتها مازالت بالفعل لم تبلغ سن الرشد في سياستها وتوجهاتها وعلاقاتها الخارجية علي الأقل في محطيها العربي والإقليمي, وهو مااتضح في رد فعل السفير القطري حينما استدعته الخارجية المصرية, فجاء علي لسانه: أن بلاده أيدت ثورة52 يناير, ومن بعدها ثورة03 يونيو, وأنها سارعت بإصدار بيان يؤكد دعم إرادة الشعب المصري ويشيد بدور القوات المسلحة, فضلا عن توجيه أمير قطر رسالة تهنئة للسيد رئيس الجمهورية المستشار عدلي منصور فور حلفه اليمين الدستورية, فأيهما يصدق الشعب المصري بيان وزارة الخارجية القطرية أم تصريح سفيرها لدي القاهرة؟ وهل يمكن فهم التصريح الأخير في ضوء تراجع قطر عن بيانها حينما رأت رد فعل قوي من الجانب المصري؟ أم يمكن اعتباره نوعا من المراوغة السياسية التي لا تجدي في مثل هذه المواقف المصيرية التي تحتاج الي وضوح في القرارات؟ وهو مايعني أن علي الدول العربية أن تتحسب للمواقف القطرية القادمة وتوجهاتها خاصة من يتابع علاقاتها مع الولايات المتحدة( قاعدة العديد) والكيان الصهيوني من جانب, ودورها في مجلس التعاون الخليجي من جانب آخر.
الثاني, من المهم لدي القيادة القطرية أن تدرك بأن نثر المال رشوة لا سياسة, في حين أن حجم المخاطر والتهديدات التي تواجهها الأمة العربية في تلك المرحلة العصيبة من تاريخها تحتاج إلي رؤية سياسية حصيفة وفهم دقيق لمقتضيات اللحظة ومخاطرها. وبعيدا عن نظرية المؤامرة التي تقدم تفسيرا سهلا للأحداث, إلا أن التاريخ برمته لا يخلو من التآمر, بما يعني أنه لابد أن تدرك الدول العربية قاطبة أن هناك مخططات ترسم, ومؤامرات تحاك, وأطماعا تتزايد في ثروات المنطقة وقدراتها, ولعل ما جري أخيرا بشأن الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي المفاجئ للجميع خاصة الدول الخليجية يقدم دليلا علي صحة هذا القول, وهو ما يعني أيضا أن ثمة مسئولية تتحمل الدول الفاعلة في النظام الإقليمي العربي وإن كان هناك شك في استمرار وجوده ـ وفي مقدمتها مصر, فمن غير المنطقي أن تغرق مصر وبشكل خطير في مستنقع فتنة وانقسام وتناحر داخلي, ثم يقف العالم العربي متفرجا أو منتظرا لما ستسفر عنه الأحداث أو يأتي موقف إحدي دوله متخاذلا إن لم يكن متواطئا كما هو الحال في الموقف القطري.


وإنما المطلوب أن يكون هناك موقف عربي موحد يدرك المخاطر ويسارع إلي المشاركة في حماية اللحمة العربية ويحفظ الكيانات الوطنية واستقلاليتها وتماسكها دون التدخل في شئونها الداخلية. ولعل الموقف السعودي والإماراتي والكويتي وأيضا البحريني قدم نماذج صحيحة لما يجب أن تكون عليه سياسات الدول التي بلغت سن الرشد بل الحكمة واستطاعت أن تدرك المخاطر وتحدد التهديدات وتواجه المخططات حينما اتخذت موقفا مؤيدا للإرادة الشعبية المصرية, وهو مايطرح التساؤل إذا كان صحيحا أن قطر صادقة في تأييد الثورتين, فكان عليها أن تتخذ خطوات ملموسة وبناءة لإعادة العلاقات بين البلدين إلي سياقها الطبيعي بدلا من التدخل المرفوض في الشأن المصري علي حد وصف بيان وزارة الخارجية المصرية, ملخص القول إن الخطر المحدق بالعرب والمسلمين اليوم لايفرق بين هذه الدولة أو تلك, بل تقع المنطقة برمتها في القلب منه بما يهدد سيادة كل دولة واستقلالها الوطني, بل يهدد الهوية الدينية والثقافية والحضارية والعربية والإسلامية في الصميم. ولذلك لا يجوز عقلا وحكمة ومصلحة أن تترك مصر وحدها في ساحة مواجهة الإرهاب داخليا والمؤامرات خارجيا.