بكر عويضة

نعم، تبدو العبارة عبثية. ألا تكفي كل هذه الحروب التي تشعل نيران أحقاد طائفية وعرقية في قلب منطقة الشرق الأوسط وأطرافها، وخصوصا الجزء العربي منها، كي يأتي من يقول إنها بحاجة إلى ما يوصف بـlaquo;حرب جيدةraquo;؟ لا خلاف على أن الحروب كلها سيئة بما تجر من ويلات دمار وإزهاق أرواح وتشتيت شمل البشر. مع ذلك، عندما يغدو العزل من أي سلاح هم وقود حروب كالتي تستعر في عدد من دول العالم العربي، خصوصا ليبيا والعراق وسوريا، قد يصبح من الجائز طرح افتراض عبثي خلاصته أن المنطقة باتت بحاجة إلى حرب تلتهم نيران كل تلك الحروب العبثية!

ثمة توافق على أن إلحاق وصف laquo;الجيدةraquo; أو laquo;العادلةraquo; بحرب ما يتوقف على أجندة الواصف، أي المراد من نهاية اللعبة (END GAME) كما يرد في تعابير مقرري الحروب وواضعي أهدافها. يعرف دارسو تاريخ الحروب أن الحرب العالمية الثانية كانت أشرس صراع عسكري عرفته البشرية بما التهم من ملايين الناس وألحق من دمار في معظم أنحاء أوروبا وامتدت نيرانها لتشمل اليابان والهند الصينية ومساحات شاسعة من العالم. إنما، رغم ذلك كله، أطلق على فظاعة بتلك البشاعة صفة laquo;حرب جيدةraquo;، خصوصا ضمن المفهوم الأميركي، لسبب بسيط خلاصته أن الولايات المتحدة (دخلتها رسميا بعد الهجوم الياباني الانتحاري على بيرل هربل صباح 7 ديسمبر 1941) خرجت منتصرة منها بأضرار لا تكاد تذكر، وانتصارها ذاك هو الذي سلمها زمام قاطرة قيادة دول أوروبا الغربية، وبضمنها تلك التي حالفتها في هزيمة ألمانيا هتلر وإيطاليا موسوليني، لأن الحرب التي أنهكت الجميع اقتصاديا، فرضت بالضرورة الدور الأميركي القيادي، خصوصا في مواجهة حليف الأمس جوزيف ستالين، الذي كان المنتصر الثاني في الحرب، والذي ربما لم يخطر ببال ونستون تشرشل وفرانكلين روزفلت، أن نصيبه من الانتصار على ألمانيا النازية سيفتح الطريق أمام الشيوعية لبدء إقامة إمبراطوريتها أيضا، ولو على جثث 20 مليونا في الاتحاد السوفياتي وحده.

من منطلق ثان، وباعتبار أنها دارت بين laquo;الخيرraquo; وlaquo;الشرraquo;، laquo;الجيدraquo; وlaquo;السيئraquo;، ولأنها انتهت بهزيمة ماحقة لحقت بألمانيا وإيطاليا واليابان، أطلق سياسيون وأكاديميون يتفقون معهم على الحرب العالمية الثانية وصف laquo;حرب جيدةraquo;. إذن، مرة ثانية، يتوقف الأمر على مَن الواصف وإلى ماذا يهدف. سأغامر الآن وأتخيل بعض أشكال ردود الفعل، فأستعير الفهم ذاته (حرب بين الخير والشر، الجيد والأسوأ) من دون أن يعني ذلك بالضرورة أنني أتفق مع إلحاق وصف laquo;الجيدةraquo; بأي حرب.

إذا كان ثمة اتفاق على وجود شر يتولى نشر الفتنة الطائفية ضمن الدين الواحد، ولا يتردد في ممارسة التطهير العرقي، ويجاهر بالتمييز الديني ضمن البلد ذاته، فإن الحرب على أقلية تقاتل لفرض ذلك الشر تصبح ضرورة. ذلك تحصيل حاصل، كما يقال، بل وهو الحاصل بالفعل في حروب ما بعد laquo;ربيعraquo; العرب، لكن أين توافق الأغلبية في مواجهة تلك الأقلية؟ ولماذا الصراع بين أطراف يفترض أن وئام مجتمعاتها وأمن ناسها يتطلبان توحيد الجهود لدحض باطلِ مَن وضع هدفا محددا، خلاصته العودة بالعالم العربي، بل والإسلامي في الإطار الأوسع، إلى عهود كيانات الطوائف؟

وإذا كان ثمة اتفاق على أن الدين الإسلامي بريء من كل ما نسب إليه من إرهاب وسفك دماء في العقدين الأخيرين، فما الذي يحول دون شن حرب إسلامية شاملة، تشارك فيها رسميا وعمليا مجمل دول العالم الإسلامي وتنظفه من بؤر الإرهاب كافة، أيا كانت أسماؤها؟

بيد أن مفارقة تثير العجب تتمثل في أن منظمات الإرهاب والفتنة الطائفية، تلك التي تزعم في كل الحروب الدائرة أنها هي من يمثل الخير، تواصل تحقيق قدر أعلى من التنسيق بينها، وتنجح في تأليب طرف بين خصومها على طرف آخر، فيصب الخلاف لصالح مكاسبها على الأرض. في هذا السياق، يجب القول إن على إيران أن تجيب عن أسئلة عدة، خصوصا فيما يتعلق بطموحاتها الإقليمية، هل هي على استعداد بالفعل أن تضع جانبا مسألة الهوية الطائفية، وأن تقدم مسلك الدولة على سلوك الطائفة؟ ثم هل آن أوان الاعتراف باستحالة تطبيق منهج laquo;تصدير الثورة الخمينيةraquo; إلى مجتمعات الجوار، وخصوصا دول الخليج، ومن ثم الشروع بسياسة صدق مع النفس ومع الجار، يمكن أن يكون عنوانها - مثلا - إرجاع الجزر الثلاث لدولة الإمارات؟

سؤال جوابه مجهول، لكن الواضح هو أن منطقة الشرق الأوسط وقعت في مصيدة حروب طائفية ليس من خلاص منها حول طاولة أي laquo;مؤتمر سلامraquo;، إنما بوسع laquo;حرب جيدةraquo;، باستراتيجية شاملة واضحة، أن تنظف العالم العربي والإسلامي كله من شرور مشعليها. لكن، هل هناك، خصوصا في عواصم القرار الدولي، من يريد هذه الحرب؟