زهير قصيباتي

في مرحلة انفلات laquo;القاعدةraquo; وجنون أخواتها، يغدو الاغتيال أشبه بمتعة صيد، و laquo;شرب الدماءraquo; دواء لغرائز يدمّر مرضها أي أمل بوقف القتل الجوّال في المنطقة. فمن يعاني بطالة يمكنه ببساطة أن يطمح إلى مكافأة من laquo;الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشامraquo;، وكل المطلوب أن laquo;يقطفraquo; واحداً من رؤوس قادة laquo;الائتلاف الوطني السوريraquo; المعارض، أو laquo;المجلس الوطنيraquo;.

ببساطة ايضاً تحوّلت المعارضة السورية إلى laquo;طائفة ردّة وكفرraquo;، لكنها شهادة قد تفيدها، فيما تجتهد لحسم خلافاتها حول المشاركة في مؤتمر laquo;جنيف2raquo;... قد تفيدها والحرب المفتوحة التي أعلنتها في مواجهتها laquo;داعشraquo;. ولأن لدى laquo;الدولة الإسلاميةraquo; مَنْ هم laquo;أُسود جياع، شرابهم الدماء وأنيسهم الأشلاءraquo; لا بد أن تكون تلك الحرب ضارية، إلى حدّ يمكّن النظام السوري من التقاط أنفاسه، ويجعل laquo;جنيف2raquo; محطة عابرة. فالتنازع على شرعية تمثيل المعارضة يطل برأسه، وراء دخان laquo;زحف الأُسُودraquo; الذين يقتلون من السوريين بلا تمييز، بين موالٍ للنظام السوري ومعارض له، بين مسلم ومسيحي، وسنّي وعلوي.

هي فرصة إذاً، ليرمّم laquo;الائتلاف الوطنيraquo; ما بقي من تماسكه، إذا حسم الصراع مع laquo;الدولة الإسلاميةraquo; في جولات مكلفة، دماءً ومزيداً من الخراب للسوريين الذين باتوا أسرى laquo;داعشraquo; على الأرض (التكفير والإعدامات) ورهائن للنظام والبراميل المتفجرة.

قبل تمدّد المواجهات بين laquo;داعشraquo; والفصائل الأخرى بما فيها الإسلامية، مثل laquo;جبهة النصرةraquo;، كانت معضلة laquo;الائتلاف الوطنيraquo; تلبية رغبة الغرب في حضور كل التيارات المنضوية تحت لوائه مؤتمر laquo;جنيف2raquo;، فيما يسعى النظام السوري إلى تبديل هدف المؤتمر مستفيداً من المظلة الروسية، لنسف أهم بند في laquo;جنيف1raquo; أي الحكومة الانتقالية ذات الصلاحيات الكاملة... فالحرب لم تعد استئصال ثورة بل laquo;حرباً على الإرهابraquo;، فيها بات الثوار laquo;مخرِّبين وقتلةraquo;. مرت شهور طويلة ولم يتبدّل شيء في معزوفة الكرملين الذي رسم خريطة طريق لشريكه الأميركي، كفيلة بإطالة عمر النظام في دمشق لعشرة مؤتمرات، بين كلٍّ منها والآخر يسقط عشرات الآلاف من القتلى، لكنهم لا يخدشون المشاعر الإنسانية للغرب المتحضّر.

ولأن laquo;داعشraquo; تقدّمت في السن، وباتت عابرة للحدود، كان لا بد من أن تعيد رسم تحالفات القوى، وخريطة سياسية إقليمية، الثابت الوحيد فيها ينبئ بمزيد من التشرذم ومستنقعات الدم الملوّنة بأعلام دول تضمحل.

من بعض النماذج المرحلية، أن يتحول laquo;الائتلاف الوطنيraquo; إلى القتال في خندق واحد مع حليف النظام السوري، رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي جرّد جيوشاً لطرد laquo;داعشraquo; من الأنبار والرمادي... وأن تقاتل laquo;جبهة النصرةraquo; مع الائتلاف laquo;الذين تسبّبوا بالفتنةraquo;، ولكن إلى حين.

بهذه الصورة، يبدو النظام تلميذاً نجيباً للغرب: دعهم يتقاتلون من حلب إلى حمص ودير الزور، تكفينا تمارين البراميل وغارات الصواريخ. ما الذي سيبقى من laquo;الائتلافraquo;، هو السؤال الذي تراهن عليه دمشق وموسكو وطهران، في حين لا يتزحزح نظام الرئيس بشار الأسد عن تمسكه بـ laquo;جنيف سوريraquo; يحاور فيه نفسه، لأن الغرب أيضاً لم يتزحزح عن تنصله من دعم المعارضة.

كلهم أُسُود إلا الشعب السوري المهدرة دماؤه بين استبداد ضائع، وجنون مقيم على رماح laquo;الدولة الإسلاميةraquo; التي تقاتل بتكفير الآخرين. هي كانت ولا تزال هدية لموسكو في سورية حيث laquo;النظام أقل سوءاًraquo;، وهدية لطهران في العراق، حيث لا بد من معركة تعيد نجم المالكي ساطعاً فوق ساحات الاعتصامات في الأنبار، وتعيده الى الفلوجة مهما طالت الحرب مع laquo;القاعدةraquo; الأم.

إنه طموح المالكي على الأقل، وهو المتهم بزرع أرض خصبة لـ laquo;القاعدةraquo; التي تستغل عزلة السنّة في العراق، وإقصاءهم عن المشاركة الفعلية في القرار. في المحصلة، نجحت laquo;داعشraquo; في تعميم قنابل فوضى انشطارية، نجحت الرعاية الروسية للنظام السوري ونجح غُلاة التطرف من خصومه، في تذويب قاعدة المعارضة وتفكيك الولاء لـ laquo;الائتلاف الوطنيraquo;.

الأمم المتحدة سئمت إحصاء القتلى، فهدايا البراميل تَعِد بالمزيد، وواشنطن ليست راضية عن laquo;وحشيةraquo; النظام... وكفى. ماذا عن laquo;أُسود داعشraquo; الجياع؟ ربما لا يتأخر دعم الروس دمشق بطائرات لمطاردة laquo;الإرهابraquo;، على خطى واشنطن في مساندتها المالكي حليف نظام الأسد.

ولكن، أليست مفارقة أن تكون laquo;القاعدةraquo; وأخواتها، تحت الطلب... كلما استعادت واشنطن أو موسكو أو حلفاؤهما laquo;المعركة ضد الإرهابraquo;، انتعش العنف، فأمعن في تدمير الثورة؟

الذين جعلوا للتطرف هوية مذهبية، وجدوا في laquo;أُسُود داعشraquo; صيداً ثميناً.