عبدالجليل المرهون

تتجه الولايات المتحدة لتزويد العراق بمروحيات هجومية من طراز quot;أباتشيquot; . وتسعى، في الوقت ذاته، لإمداده بطائرات من دون طيار، وصواريخ جو-أرض متقدمة من طراز هيلفاير . كما تبحث في تدريب قوات عراقية في الأردن .

وفي غياب اتفاق لوضع القوات لا تستطيع القوات الأميركية القيام بأي أنشطة عسكرية في الداخل العراقي . ومن هنا، مثل تعزيز الدعم التقني، وتدريب القوات في الخارج، طريقاً واقعياً لمساعدة العراق على تحقيق أمنه واستقراره، ومنع تفكك الدولة العراقية، أو خطفها من قبل مجموعات العنف العابر للدول والأقاليم .

وفي إطاره الأوسع مدى، يشير تحرك الولايات المتحدة الراهن حيال العراق إلى التزام أميركي بأمن الخليج، الذي لا يُمكن مقاربته من دون عراق مستقر .

وتتصف العلاقات الأميركية - العراقية بمسار طويل من الروابط والتحوّلات، السياسية والأمنية، فالولايات المتحدة لا تعتبر حديثة عهد على العراق، ولم يكن اهتمامها به، في أي مرحلة تاريخية، اهتماماً عابراً، بل جزءاً من خيارات جيوسياسية، كونية الطابع والامتداد .

لقد تقلب مضمون العلاقات الأميركية - العراقية تقلباً واسعاً خلال عقود مديدة . وكان هناك تناوب في هذه العلاقات بين المحتوى التعاوني ونقيضه الصراعي . بيد أن مكانة العراق في المدرك الاستراتيجي الأميركي، ظلت محافظة، في الأوقات كافة، على موقعها المتقدم والجوهري .

واليوم، يُمثل العراق شريكاً إقليمياً رئيسياً للولايات المتحدة، تتجاوز العلاقة به بُعدها الثنائي، لترتبط بجوهر المقاربة الأميركية للخليج والشرق الأوسط .

وهناك ما يشبه الاجماع بين الأميركيين على أنه ليس من المعقول، بحال من الأحوال، التخلي عن العراق، بعد تضحيات بلغت أكثر من 4400 قتيل و32 ألف جريح في صفوف القوات الأميركية، خلال فترة الحرب الممتدة من 19 مارس/ آذار 2003 إلى 18 ديسمبر/ كانون الأول 2011 . أو ما مجموعه ثماني سنوات وتسعة أشهر .

وكان وصول الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض مطلع العام ،2009 قد مثل بداية مراجعة واسعة لمستقبل الوجود الأميركي في العراق، وفرص إعادة بناء العلاقات الأميركية - العراقية على أسس جديدة .

وفي الثامن عشر من ديسمبر/ كانون الأول ،2011 عبر آخر موكب للقوات الأميركية الحدود العراقية باتجاه الكويت، لينتهي الوجود الأميركي العسكري في بلاد الرافدين .

وبالنسبة لعدد من المحللين الأميركيين، فإنه على الرغم من المخاطر التي أثيرت بشأن سحب القوات، فإن هذه الخطوة لم تخل من مزايا بالنسبة للولايات المتحدة، أهمها: إنهاء حرب فقدت شعبيتها بين الأميركيين، ووقف النزيف البشري بين الجنود، وفسح الطريق أمام علاقات إيجابية متطوّرة مع الشعب العراقي .

ورأى هؤلاء المحللون أنه بانسحاب القوات يكون الوقت قد أصبح مؤاتياً للتأكيد على أدوات جديدة لبناء علاقات أميركية - عراقية قوية ومزدهرة . وخيار كهذا، لا يرتبط فقط بعلاقة الولايات المتحدة مع العراق، بل يرمي بظلاله المباشرة على مجمل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وربما ما هو أبعد من ذلك .

إن انسحاب القوات شكل لحظة تاريخية فارقة في العلاقات الأميركية العراقية، حرصت فيها الولايات المتحدة على التأكيد بأن شراكتها مع العراق ستبقى ثابتة وقوية . وquot;هذا اليوم نؤكد من جديد رؤيتنا المشتركة المتمثلة في إقامة شراكة طويلة الأمد بين دولتيناquot;، كما قال الرئيس أوباما .

وفي التوصيف المبدئي، يُمكن القول إن العراق يقع، على صعيد التجربة الأميركية، بين حالتي جمهورية الدومنيكان واليابان .

في الأولى، خرج الأميركيون دونما تحيق نتائج تذكر على الصعيد الاستراتيجي، بعد وجود امتد بين عامي 1916-1924 . وفي الثانية، نسجوا تحالفاً سميكاً، أسس لمرحلة جديدة للبيئة الجيوسياسية لشرق آسيا .

في هذه الوسطية، لم تفقد العلاقات الأميركية - العراقية مضمونها الاستراتيجي المتقدم، والآليات الكفيلة بإدامة هذا المضمون . وقد تحقق ذلك في توقيع اتفاقية الإطار الاستراتيجي (SFA) بين البلدين، في السابع عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني ،2008 التي أضحت نافذة المفعول اعتباراً من الأول من يناير/ كانون الثاني ،2009 بعد أن صادق عليها مجلس الرئاسة العراقي في 4 ديسمبر/ كانون الأول 2008.

وقد جاء في البند الأول، من القسم الأول، من الاتفاقية ما يلي: تستند علاقة الصداقة والتعاون إلى الاحترام المتبادل، والمبادئ والمعايير المعترف بها للقانون الدولي، وإلى تلبية الالتزامات الدولية، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ورفض استخدام العنف لتسوية الخلافات .

وأشار البند الثاني، من القسم ذاته، إلى أن وجود عراق قوي، قادر على الدفاع عن نفسه، أمر ضروري لتحقيق الاستقرار في المنطقة .

وعلى الصعيد الأمني والدفاعي (القسم الثالث)، قالت الاتفاقية بأنه تعزيزاً للأمن والاستقرار في العراق، والمساهمة في حفظ السلم والاستقرار الدوليين، وتعزيزاً لقدرة جمهورية العراق على ردع كافة التهديدات الموجهة ضد سيادتها وأمنها وسلامة أراضيها، يواصل الطرفان العمل على تنمية علاقات التعاون الوثيق بينهما فيما يتعلق بالترتيبات الدفاعية والأمنية، دون الإجحاف بسيادة العراق على أراضيه ومياهه وأجوائه .

وقدم تقرير، نشره البيت الأبيض، في نهاية أغسطس/ آب من العام ،2010 طيفاً عريضاً من نماذج التعاون المدني والأمني والدفاعي، بين البلدين، استناداً إلى هذه الاتفاقية .

ومنذ سنوات خلت، أعلنت الولايات المتحدة أنها ماضية في خطط تسليح وتدريب للجيش العراقي، بتكلفة إجمالية تفوق العشرة مليارات دولار . وأشار البنتاغون إلى أن الغرض من مبيعات الأسلحة للعراق هو مساعدته في الدفاع عن سيادته، في مواجهة التهديدات الخارجية، وأن هذه الأسلحة لا تمثل تهديداً لأحد .

ويشير البنتاغون، كما وزارة الخارجية، إلى أن المبيعات العسكرية للعراق تخضع لاتفاقات تسمح للمفتشين الأميركيين بمراقبة كيفية استخدام الأسلحة، لضمان عدم انتهاك شروط البيع .

ويخوّل برنامج المبيعات العسكرية الخارجية الجانب الأميركي شراء الأسلحة والمعدات لوزارتي الدفاع والداخلية العراقيتين .

وقد أنشئ quot;مكتب التعاون الأمنيquot; في السفارة الأميركية في بغداد، ليعنى بشؤون الاستشارات والتدريب والمبيعات العسكرية . ويتبع هذا المكتب أكثر من 225 عسكرياً أميركياً، وسبعة مدنيين، تابعين لوزارة الدفاع الأميركية، إضافة إلى 530 عضواً في فريق المساعدة الأمنية، وأكثر من 4000 موظف متعاقد بدعوة من الحكومة العراقية . كما يبلغ عدد العاملين من الجيش الأميركي المتبقين في العراق حوالي 200 عنصر، يعملون لمصلحة هذا المكتب .

وبطبيعة الحال، هناك طيف واسع من الأولويات، إلا أن القضية الرئيسية المطروحة الآن تتمثل في تعزيز القوات الجوية وطيران الجيش، لتكون القوة العراقية قادرة على مواجهة قواعد ومعسكرات مجموعات العنف، عالية التجهيز، التي يصعب التصدي لها من دون غطاء جوي متين .
وعلى الرغم مما حصل عليه العراق من عتاد ذي صلة بقدراته الجوية، فإنه لا يزال يعاني ثغرات، خاصة على صعيد المروحيات الهجومية والطائرات المسيرة وأنظمة الاستطلاع .

ويُمكن أن تلعب الولايات المتحدة الدور المركزي في سد هذه الثغرات، في إطار شراكتها الاستراتيجية مع بغداد، وكجزء من مقاربتها للأمن الإقليمي الذي يُمثل استقرار العراق أحد متطلباته الأكثر حيوية .

إن دعم إدارة الرئيس أوباما للعراق، في مواجهة قوى الإرهاب الدولي، قد عكس رؤية واقعية لطبيعة التحديات التي تواجه هذه المنطقة الحساسة من العالم، وترجم التزاماً أميركياً بأمن الخليج.