الياس الديري

الإيقاع يكاد يكون واحداً بين بيروت والقاهرة. كذلك الظروف والالتباسات المحليّة والعربيّة والدوليّة. مع حفظ حقوق الأقدميّة للعاصمة اللبنانيّة في هذا الحقل، أو هذا الجحيم.

ومع تسجيل ملاحظة أخرى ذات أهميّة بالغة. في مصر شعب واحد، قد يختلف سياسيّاً لفترة عابرة، فيما لبنان الصغير جداً جغرافيّاً وسكانيّاً يضمّ ثمانية عشر شعباً، لا شعباً واحداً. وينقسم واقعياً لبنانات لا لبنان واحداً.
الشعب المصري يجنّ إذا أساء أحد إلى مصر، وخصوصاً إذا كان غريباً، فيما اللبنانيون يتبادلون الشتائم الوطنية، ويبيعون لبنانهم يومياً بأقلِّ من ثلاثين من الفضّة.
الشعب المصري يقول مفتخراً ومعتزّاً : دي مصر يا بيه، إذا ما حاول أحدٌ أن يغبّر على حذائها. بينما يقول اللبناني: كلُّ مَن أخذ أمّي صار عمّي، ومطرح ما بترْزَق إلزَق. وهذه وصيّة الوالد والوالدة لابنهما وحفيدهما...
وزير الدفاع المصري الفريق أول عبدالفتّاح السيسي طاف على صناديق الاقتراع، وعلى المدن والأرياف والمناطق النائية، هاتفاً بالناس: شدّوا حَيلكم من أجل مصرنا لتبقى عزيزة، وتأميناً كاملاّ للاستفتاء الذي تنتظره عواصم العالم أجمع.
وناشد جميع المواطنين الاطمئنان، والتعبير بقوة عن إرادة التغيير، وكتابة مرحلة جديدة لبناء دولة ديموقراطية حديثة ترضي جميع المصريين.
لبنان المشقَّف، والمنتوف الريش، والممزَّق إلى عشرات الدويلات والمربّعات والمحميّات، كان يتمتّع ويتزنطَر بأحدث نظام ديموقراطي برلماني، وبأرقى مستوى من الحريّة والتسامح والانفتاح والازدهار والرقيّ، حتى كانت بوسطة عين الرمانة.
وكانت تلك الفضيحة. وكان ذلك السقوط الذي لا تزال ذيوله وتداعياته تنتف ريش الدجاجة التي كانت تبيض ذهباً...
منذ عشرة أشهر وتمّام سلام يحكي، ويحاول، ويصبر، ويسعى إلى تأليف حكومة تلملم بقايا الدولة ومؤسّساتها، وتجرّب أن تعيد الحدّ الأدنى من التوافق بين هذه الشعوب المرتبطة بانتماءات وتحالفات غريزيّة نفعيّة يَندى لها الجبين.
فجأة حصلت حلحلة بعد أن نقل وائل أبو فاعور تأييد السعودية للحكومة الجامعة. ودعم هذا الاتجاه. وبعدما حلّ وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف ضيفاً عابراً على لبنان. للحال قيل إن الحلّ بات في متناول اليد. ولم يعد من المستبعد أن يشهد الناس هنا ولادة quot;حكومة جامعةquot; في نهاية هذا الأسبوع، أو مطلع الأسبوع المقبل.
وتأكيداً لهذا quot;التطوّر التاريخيquot;، دعا الرئيس سلام اللبنانيّين إلى التآزر والتوافق، واعداً بحكومة ترضي الجميع أيضاً... ما دامت quot;الينابيعquot; الأساسية لـquot;الصفقةquot; قد رضيت.
قدامى السياسيّين والمحاربين يدركون حجم المتغيّرات التي سيصبّ نهرها في العالم العربي. وحتماً ستكون للبنان حصته.