وليد الرجيب

انتهى الاستفتاء على الدستور المصري الجديد الذي تم يومي 14 و15 يناير الجاري، وبنتيجة عالية من الموافقة عليه من الشعب المصري، وهو أول لبنة في خارطة المستقبل التي وضعتها القوى الوطنية والديموقراطية والتقدمية، ما يعد انتصاراً للشعب المصري رغم المحاولات الحثيثة من جانب جماعة الإخوان من خلال أعمال الشغب والارهاب، ورغم محاولات الولايات المتحدة والغرب من خلال الآلة الاعلامية الضخمة والمحاولات الاستخباراتية، التي عكستها الصحف الأميركية الرئيسية وصحيفة هآرتس الاسرائيلية، لتشويه صورة ارادة الشعب المصري لبناء دولته الديموقراطية الحديثة والمستقلة.
انتهت معركة الدستور بانتصار الشعب المصري على الارهاب وعلى التبعية للامبريالية، وستبدأ معارك أخرى لاستكمال أغلب أهداف ثورتي 25 يناير و30 يونيو، وعكست احتفالات الشعب المصري في الشوارع هذا الانتصار وبدء مرحلة جديدة بأساسات سليمة.


ولكن كالعادة دخل الشعب المصري والشعوب العربية بقواها الليبرالية والقومية واليسارية والدينية في جدل جديد، حول اختيار رئيس الجمهورية للمرحلة القادمة التي تعتبر مرحلة حرجة، وبالتأكيد بعد اقرار الدستور سيخف الارهاب وستتلاشى أعمال العنف والتفجيرات التي عانت منها مصر الآمنة، كما ستبحث الامبريالية عن حليف جديد لتحقيق مصالحها ومشروعها للشرق الأوسط الجديد.
ولأهمية مصر للعرب فان القوى السياسية العربية غالباً ما تضع نفسها مكان الشعب المصري وقواه السياسية الحية في التحليل والاستنتاج، مستندين الى تحليل سياسي بعيد عن النظرية العلمية، بل هو أقرب الى المزاج والعاطفة والتحليل المبسط والمبتسر والمتسرع، وكأن هذه القوى تعرف الواقع المصري أكثر من المصريين أنفسهم، وتنسى قضايا أوطانها وشعوبها.
هناك فرق بين المزاج الجماهيري والوعي الجماهيري، فمزاج الشعب المصري أتى بمرسي وحكم الإخوان ووعي الشعب المصري أتى بثورة 30 يونيو، ولا يستبعد أن يعود المزاج الشعبي لاختيار عبد الفتاح السيسي رئيساً للجمهورية كرجل للمرحلة، فالأهم (على حد قولهم) هو وضع الدستور أساس القواعد والنظم الذي احتوى قيوداً على أي رئيس قادم، بعكس كل الدساتير التي مرت على مصر والتي تعطي صلاحيات مطلقة ومفتوحة للرئيس.
فان ترشح السيسي للرئاسة سيفوز حسب المزاج الجماهيري الملموس في هذه المرحلة، ومن كان يقول ان ما حدث في مصر كان انقلاباً وليس ثورة سيعزز موقفه هذا بوصول السيسي للرئاسة، رغم أننا قلنا مرات عدة أن الفرق بين الانقلاب والثورة واضح وضوح الشمس سواء 14 تموز 1958 في العراق أو ثورتي يناير ويونيو في مصر، وانحياز الجيش لارادة الشعب لا تعني أن ما حدث يعد انقلاباً فهذه أبسط أبجديات السياسة والتنظير، سواء كان سبب ذلك وطنية الجيش أم انتهازيته وقراءته لميزان القوى.


والمشكلة تصبح أكبر عندما يشارك التقدميون العرب سواء في المزاج الجماهيري أم في التحليل السياسي غير المستند الى النظرية العلمية، فمنذ بداية تسعينيات القرن الماضي انعطف كثير من التقدميين العرب الى اتجاهات ليبرالية وقومية معتمدين على العاطفة وليس على التحليل العلمي الجدلي، وهذا سبب أزماتهم واخفاقاتهم المتكررة وفقدانهم لجماهيرهم.
ومثلما هناك تقديرات سياسية خاصة بالمجتمع الكويتي التي قد لا تفهمها الشعوب العربية الأخرى، هناك تقديرات سياسية للقوى السياسية المصرية للواقع المصري أو أي واقع مجتمعي آخر لا يمكننا فهم تفاصيلها، ففي الكويت على سبيل المثال دافعنا عن مكتسباتنا وعن دستور 1962 رغم أنه دستور الحد الأدنى الذي لا يمثل طموحات الشعب الكويتي في اقامة نظام ديموقراطي كامل وحقيقي، وعلى ذلك يحق للشعب المصري أن يختار الدستور الذي يمثل أغلب أهداف ثورته بموجتيها، وطموحاته في اقامة مجتمع فيه شيء من العدالة الاجتماعية والسياسية.
نتفهم أن لنا أمنياتنا الخاصة، لكن طريق تحقيق الثورة الوطنية الديموقراطية غير مفروش بالورود، ومن غير الواقعي تحقيقها بضربة واحدة بل لم يحدث ذلك في التاريخ البشري، فلنتمنَّ الخير والأمن والرخاء الذي سيحققه الشعب المصري بيده، أما كل هذا اللغط والنقاشات العقيمة والمتسرعة فستذهب أدراج الرياح، وسيفرض الواقع نفسه.