علي الشريمي

إخفاقنا في تحليل الظاهرة الإرهابية وردّها إلى عواملها الثقافية والفكرية والاجتماعية، هو الذي يمد في عمر الإرهاب ويضمن استمراره بأشكال مختلفة


دعش يدعش دعشا فهو مدعوش، والفعل quot;دعشquot; هو فعل جديد دخل إلى اللغة العربيّة ولم يخطر ببال الخليل الفراهيدي في معجمه ولا ابن المنظور في quot;لسان العربquot;، ومع هذا تجده قد تسلل على رؤوس أصابعه إلى الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي، وصار له حضور قوي حتى على محرك البحث quot;جوجلquot;. ولمن لا يعرف معنى quot;داعشquot; أقول هو تنظيم إرهابي مسلح يهدف أعضاؤه إلى إعادة ما يسمونه بالدولة الإسلامية في العراق والشام، والذي كان نتيجة اندماج منظمتين إرهابيتين، وهاتان المنظمتان هما، دولة العراق الإسلامية التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي، وجبهة النصرة في سورية التي تشكلت في عام 2006.
quot;داعشquot; هي نسخة كربونية من القاعدة، بل هي أكثر توحشا وإجراما وفتكا وقبحا، وقد وصل الإجرام الوحشي لهذا التنظيم بشكل فاقع لدرجة أنهم يقطعون رؤوس البشر ويتقاذفونها كالكرة. التساؤلات المطروحة: لماذا تطور الفكر القاعدي؟ ولماذا يلتحق الشباب بهذه المعسكرات؟ هل يعقل أن شابا مسلما يعتقد بأن العمل الإجرامي والوحشي في القتل والنهب والسلب أمر مبرر في الشريعة؟! ما هي أسباب هذا التطرف؟ وما هي دوافعه؟ كثيرا ما تساءلنا quot;لماذاquot;؟ ولم نجد إجابة وافية: هو الإرهاب الذي يعطي كل الجراحات والمعاناة، فيأتي السؤال: هل لدينا في شرقنا كلّ هذه المافيات الإرهابية؟ هل عندنا، وفي تاريخنا كله، طفل يخرج ليقتل عشيرته ورفاقه؟ لماذا -مرة أخرى-؟ الأسباب في نظري كثيرة أهمها:
1- التعصب القبلي والطائفي والمذهبي 2- الغلو الديني، الذي يتمثل في تحريف المفاهيم، وإفراغ الأحكام الشرعية من مضامينها، والابتعاد عن مقاصد الدين وأهدافه. 3- الاستغراق في الجوانب الغيبية على حساب العقل ومراعاة السنن الإلهية للطبيعة والحياة، الأمر الذي يؤدي إلى فتح المجال لأسواق الشعوذة والدجل، التي تدّعي القدرة على تقديم مختلف العلاجات للأمراض الجسمية، والمشكلات النفسية، والقضايا الاجتماعية. 4- ممارسة الإرهاب الفكري تجاه أيِّ رأي مخالف واتهامه بالمروق والابتداع، مما يوقف حركة الاجتهاد، ومسيرة التطوير والتجديد. 5- التصديق بأوهام التآمر على الإسلام والمسلمين والتي تحتل المساحة العظمى في عقول شريحة كبيرة من الشباب، وفي ذات الحال تجد تمجيد الذات والتسطيح بالآخرين وبخس حقهم التاريخي، وكأن تاريخنا الإسلامي هو تاريخ ملائكي. 6- خطباء الإسلام السياسي والتصديق بأوهام استعادة نظام (الخلافة)، ولعل ما حدث لإخوان مصر أيام الرئيس السابق مرسي لهو شاهد حي على ما نقول. 7- الانغلاق الثقافي وتهميش الحضارات المعاصرة ووصفها بأقبح الأوصاف من قبيل الصليبية تارة، والحضارة الماجنة تارة أخرى. 8- النمط السائد للتربية، الذي يتبرمج فيه الطفل منذ نعومة أظفاره على التمييز العنصري، فيربى الذكر بين أسرته على أن يكون سيدا مطاعا له كافة الحقوق والامتيازات فخطاياه يُتجاوز عنها، أما أخته الأنثى فالويل كل الويل لها إذا أخطأت لأنها جلبت العار، فلا بد من غسله بالدم على قاعدة quot;لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى.. حتى يراق على جوانبه الدمquot;. 9- عدم تحصين الشباب تعليميا وثقافيا من خلال دمج مهارات حقوق الإنسان والتسامح في المنهج الدراسي والأنشطة التربوية.
أخير أقول: البداية الحقيقية لمعالجة الإرهاب تبدأ بالاعتراف بأن الإرهاب ولد من رحم مجتمعاتنا، وإن إخفاقنا في تحليل الظاهرة الإرهابية وردّها إلى عواملها الثقافية والفكرية والاجتماعية، هو الذي يمد في عمر الإرهاب ويضمن استمراره بأشكال مختلفة متنوعة، كما هو الحال في الظاهرة الداعشية!.