Dominique Moisi

ما زال بشار الأسد في السلطة في دمشق، وكانت أعلام تنظيم القاعدة السوداء ترفرف أخيراً في الفلوجة والرمادي في العراق، ولا يعود هذا إلى امتداد عملية تجزئة سورية إلى العراق فحسب، بل يتشاطر هذان الواقعان سببا واحدا يمكن تلخيصه بجملة بسيطة: إخفاق الغرب.


يشكّل وقوع مدينتَي الفلوجة والرمادي، ولو مؤقتا، بين أيدي ميليشيات سنية تدّعي ارتباطها بتنظيم القاعدة رمزا قويّا ومشيناً لإخفاق السياسات التي طبقتها الولايات المتحدة في العراق. فبعد نحو عقد من الزمن على الإطاحة بنظام صدام حسين، وبعد مقتل مئات الآلاف من الجانب العراقي وأكثر من 5 آلاف من الجانب الأميركي، نتحسر على خلاصة محزنة: كل هذه التضحيات من أجل هذا!
يبرز في سورية اليوم الإقرار بالإخفاق ذاته، فقد خرج الأسد وحلفاؤه الأوفياء، خصوصا روسيا وإيران، أقوى من هذه المواجهة مع الغرب. ولم تؤدِّ المجازر المدنية، بما فيها استخدام الأسلحة الكيماوية، إلى أي تغيير، فما زال النظام متمسكاً بالسلطة بقوة، مع أنه خسر السيطرة على أجزاء مهمة من أراضيه، وذلك بفضل دعم حلفائه، والأهم من ذلك ضعف خصومه ومَن يدعمونهم.
من الشرق الأوسط إلى إفريقيا، تواجه فكرة التدخل الخارجي بأكملها تحديات كبيرة في منطقة واسعة تعيش مرحلة ما بعد الهيمنة الأميركية، فمتى وكيف يمكننا التدخل بشكل ملائم؟ وفي أي مرحلة يصبح عدم التدخل quot;أسوأ من الجريمة أو الخطأquot;، حسبما ذكر الدبلوماسي الفرنسي تاليران عقب اغتيال دوق أنغيان عام 1804؟
متى يكون التدخل ضرورة؟ يبدو مفهوم quot;الحالات الطارئة الإنسانيةquot; واسعاً جدّاً، فهل يُعتبر مصير المدنيين السوريين أقل بشاعة من مصير الليبيين؟ ولمَ تدخلنا في الصومال عام 1992 ولا نتدخل اليوم في السودان؟ يكشف قرار التدخل في جزء منه المشاعر الانتقائية التي ترتبط ببعض النقاط الحساسة، أو بكلمات أبسط، ببعض المصالح الأهم في تلك الفترة.
يزداد احتمال التدخل عندما يأتي بعد نجاح عمل ما، أو العكس، بعد قرارٍ بالامتناع عن التدخل يؤدي إلى مجزرة وشعور بالندم، ولا شك أن كارثة البحيرات العظمى الإفريقية عام 1994 (هذا إن لم نذكر مجزرة سريبرينيكا في البوسنة عام 1995) ساهمت في قرار الغرب التدخل في كوسوفو عام 1999. كذلك يرتبط قرار دولة ما بالتدخل في مرحلة معينة بعوامل عدة: قيام ثقافة تشجّع التدخل، وشعور بالإلحاح، والحد الأدنى من التعاطف مع البلد أو القضية التي تبرر التدخل، وطبعا، توافر موارد تُعتبر كافية وملائمة، سواء كان ذلك صحيحا أو خاطئاً.

مثال فرنسي

لكن السؤال الأهم ليس quot;متى؟quot; بل quot;كيف؟quot;، مع أن هذين السؤالين يكونان عادةً مترابطين. قد يكون لتدخل دولة ما وحدها الكثير من الفوائد، بما فيها سرعة التنفيذ التي تقود عادةً إلى عمليات عالية الفاعلية، فقد سُرّ الجيش الفرنسي بالنتائج التي حققها خلال تدخله وحده في مالي. في المقابل، قد يؤدي تشكيل ائتلاف إلى إبطاء جدول العمليات، إلا أنه يمنح التدخل شرعية أكبر، ويساهم في توزيع الكلفة والمخاطر على مختلف الدول المشاركة.
من المرجح أن فرنسا، التي تخوض بعد عملية مالي صراعاً أكثر تقلّباً في جمهورية إفريقيا الوسطى، تفضل اليوم الحصول على بعض الدعم لأسباب ترتبط بالكلفة والموارد كما الوقائع الجيو-سياسية. لا ترغب الدول عادةً في تشاطر النجاح مع دول أخرى، غير أنها لا تريد أيضا أن تبقى وحيدة في مأزق محتمل.
يجب اعتبار إخفاق الولايات المتحدة في العراق وسورية إخفاق الغرب ككل، مع أن واشنطن تتحمل حصة الأسد من المسؤولية.
يعود الإخفاق عموماً إلى التفاعل بين ثلاثة عوامل رئيسة قلما تتبدل: المكابرة، والجهل، واللامبالاة. تؤدي المكابرة إلى المبالغة في تقييم قدراتنا والاستخفاف بقدرة العدو على المقاومة، فمن السهل دوماً الفوز في الحرب وخسارة السلام.
تبنى المحافظون الجدد الأميركيون الشعار: quot;ستؤدي الديمقراطية في بغداد إلى السلام في القدسquot;، إلا أن هذا الشعار تحوّل في النهاية إلى كارثة في العراق.
تكون المكابرة عادةً وليدة الجهل، فماذا نعرف عن ثقافات وتاريخ الشعوب التي نريد إنقاذها من الفوضى والاستبداد؟ تجاهل أسياد الاستعمار في الماضي، الذين رسموا الخطوط في الرمل لإنشاء حدود إمبراطوريات ودول جديدة، التعقيدات الدينية والقبلية المحلية، ويبدو الوضع اليوم أكثر سوءاً، فيعم الجهل المطبق.
في الختام، لا ننسى خطيئة اللامبالاة، ولا شك أن الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) تُقلِق واشنطن، مما يؤدي إلى تقوية الروابط بين الولايات المتحدة وإيران لمعالجة مسألة العراق، إلا أن نقطة الانطلاق بدأت في سورية مع رفض الولايات المتحدة تحمّل مسؤولياتها.


النتيجة واضحة: هزيمة مزدوجة للغرب، واستراتيجية وأخلاقية، فقد قدّمت واشنطن انتصارا دبلوماسيّا كبيرا لموسكو وسمحت لبشار الأسد بالبقاء في السلطة.