عبدالله بن بجاد العتيبي

أصدرت المحكمة العليا بدولة الإمارات العربية المتحدة أحكاماً على الخلية السرية التابعة لجماعة laquo;الإخوان المسلمينraquo; من المصريين، وقد تراوحت الأحكام بين البراءة والسجن لخمس سنواتٍ والإبعاد عن الدولة، وهي خلية تختلف عن التنظيم السري المحلي الذي صدرت الأحكام بحقه سابقاً.

يأتي هذا الحكم في سياق واضح لدى الإمارات التي كان لها موقف قديم واع بخطورة هذه التنظيمات التي تختبئ خلف ستار الدين لتسوّق نفسها في سوق السياسة، وتستغل الدين للوصول لأغراض سياسية، وقد تحدث عن ذلك في مقطع فيديو شهير حذّر فيه من خطورة جماعة quot;الإخوانquot;، وهو ما تواصل من بعده ومع مراعاة الدولة واعتمادها اللين والحوار مع التنظيم السري ومحاولات إعادة قياداته وعناصره إلى رشدهم، إلا أنهم سقطوا السقوط المريع بعد ما كان يُعرف بـquot;الربيع العربيquot; وحالة الانتشاء الخادع الذي شعروا به آنذاك، وكم تقتل الأوهام أصحابها وتودي بهم إلى المهالك.

النموذج الذي قدمته وتقدمه الإمارات في مواجهة جماعات الإسلام السياسي وجماعات التطرف والإرهاب هو نموذجٌ جديدٌ وغير مسبوقٍ ويستحق الإشادة والاستفادة، وهو مبني على رؤية شاملة وصارمة تقدّم الوطن ومستقبله ونجاحه وريادته، وأنْ يكون الخطاب الديني ملبياً لحاجات المواطنين في الفتوى والدعوة إلى الخير ومكارم الأخلاق والمشاركة في الأعمال الخيرية والمساعدات الداخلية والدولية في الوقت الذي يرفض ويحارب كل جماعات الإسلام السياسي ورموزه وتنظيماته، ويعاقب على الانتماء إليها بحكم الدستور وقوة القانون.

وتفاصيل هذا النموذج الفريد بحاجةٍ لدراساتٍ تفصيليةٍ وتغطيةٍ إعلاميةٍ توضح الرؤية المستقبلية فيه وكافة تفاصيله التطبيقية في كافة مؤسسات الدولة المعنية وفي مؤسسات الأوقاف والمساجد والفتوى كما في التعليم العام والجامعي وغيرها، وهو نموذجٌ سجل نجاحاتٍ ظاهرةٍ يمكن نقلها لكثيرٍ من البلدان الخليجية والعربية والإسلامية.

الذين يعادون الإمارات كثر، فمنهم من يعاديها لنجاحها التنموي والنموذج المدني المتطوّر الذي تتبناه، ومنهم من يعاديها لإثباتها فشل كل فلسفاته وتصوراته وخطابه وحلمه وطموحه وديكتاتورياته الدموية في جمهوريات العالم العربي التي كانت التطبيق الفعلي والممارسة العملية للفلسفة وللخطاب، لأن الإمارات ببساطة تمثل النقيض له في كل ذلك ويمثل هذا الطرح غالب القوميين العرب وquot;البعثيينquot; وأشباههم وعلى رأسهم أحد أشهر منظري الناصرية وممثليها الإعلاميين الكاتب المصري محمد حسنين هيكل، ومنهم من يعاديها لوعيها العميق بخطر الإسلام السياسي وجماعة quot;الإخوان المسلمينquot;، ويمثل هؤلاء كل قيادات وفروع جماعة quot;الإخوانquot; ورموزهم وأتباعهم في دول الخليج ومن أشهر هؤلاء كبيرهم الذي علمهم الفتنة، مفتي قطر المصري الأصل يوسف القرضاوي.

اتخذت هاتان الشخصيتان مواقف شديدة العداء لدولة الإمارات في الأسابيع الماضية، فقد تحدث هيكل بجهلٍ ذريعٍ عن مشكلة الجزر الإماراتية المحتلة من قبل إيران، وادعى كعادته بأنه شارك في المفاوضات حول الجزر في الخليج، وأنه ما دام العرب قد أخذوا البحرين ذات الأغلبية الشيعية فيجب إعطاء بقية الجزر لإيران.

حديث هيكل ينطلق من منطقٍ أعوج، فهو يحسب أن الخليج ليس فيه من الجزر إلا مملكة البحرين وجزر الإمارات الثلاث المحتلة، ولا يعلم هيكل أن الجزر الصغيرة والمتوسطة في الخليج تعد بالعشرات إن لم يكن بالمئات وغالبها ليس عليها أية خلافاتٍ، ولكن مثل هذا الكلام غير مستغربٍ من شخصٍ مثل هيكل لم يأل جهداً طوال تاريخه في محاربة الملكيات العربية.

في مطلع الخمسينيات كان هيكل صديقاً للضباط الأحرار الذين قاموا بالانقلاب العسكري على الملك فاروق بمصر ومع عبدالناصر تحديداً، وهو تبنى كل مواقف عبدالناصر ضد دول الخليج وهاجم هذه الدول مراراً وتكراراً في زاويته laquo;بصراحةraquo; في صحيفة الأهرام، وفي العديد من كتبه وحواراته.

وقد استمرّ في عدائه لدول الخليج في كل مواقفه وتاريخه لدرجة أنه وهو الناصري العروبي العتيد انحاز لإيران ضد العرب ودول الخليج فيما كان يعرف سابقاً بمحور الممانعة، وتصريحاته حول الجزر الإماراتية تأتي ضمن سياق انحيازه لإيران ونظام بشار الأسد وquot;حزب اللهquot;، وله طريقة مستمرة في الادعاء على الأموات في كتبه نوه عليها بعض المثقفين العرب فهو صديق الأحياء عدو الأموات.

ليس المراد النظر في تاريخ هيكل أو دراسته، بل قراءة مواقفه الحديثة ما بعد 2011، فحواراته المكتوبة ولقاءاته التلفزيونية ورؤاه المستقبلية توحي باستحواذ مكنونات الماضي عليه، فهو يحلل وينظر ويستشرف، وكأنه لم يزل في عهد عبدالناصر، وكل ما جرى بعد ذلك تفاصيل، وهو حاول سلب أنور السادات مجد حرب أكتوبر، وكتب عنه بأسلوبٍ سيئ كتابه laquo;خريف الغضبraquo;، والذي مارس فيه تجنياً غير لائقٍ وتحدث عن لون بشرته بعنصريةٍ بغيضةٍ وسعى لتصويره، وكأنه مجرد ممثل أو مهرج، ومن يعرف تميز وذكاء وحنكة السادات يعرف حجم التشويه الذي مارسه هيكل تجاهه.

هيكل يحنّ دائماً لزمانٍ مضى، ولا يستطيع قراءة الواقع ولا المستقبل، ولقد قدم رؤى وآراء في مراحل متعددة من التاريخ الحديث والمعاصر ثبت خطأها، ولم يكلف نفسه عبء مراجعتها أو تصحيحها. والخطر الذي ينبغي الانتباه له، هو خطر أن يكون له تأثير على بعض المؤثرين بمصر في المرحلة المقبلة.

أما يوسف القرضاوي، فقد عاد من جديدٍ في خطبة الجمعة الماضية للتهجم على الإمارات بشكل غير مستغربٍ على مثله، فهو قد كذب وافترى عليها من قبل في حديثه سيئ الذكر قبل عامين تقريباً في برنامج الشريعة والحياة، وقد اضطرت قطر حينذاك لتقديم اعتذارٍ وتعهدٍ بعدم التكرار، ويبدو أن القرضاوي يريد أن يجس النبض بعد التغييرات الجديدة هناك ليعرف هل يعود لسابق عهده أم أن أحداً ما قد يكون قادراً على أن يحاسبه.

في اليوم ذاته الذي خطب فيه القرضاوي، عربدت التفجيرات الإرهابية التي تعرضت لها مصر قبل يومٍ من الذكرى الثالثة لـ 25 يناير، فقبل يومٍ واحدٍ نفّذت جماعة إرهابية ذات علاقاتٍ وثيقةٍ بجماعة quot;الإخوانquot;، وربما بعض عناصر الجماعة نفسها عدة تفجيراتٍ في العاصمة المصرية أهمها تفجير مقر مديرية أمن القاهرة وتفجيرات أخرى في الدقي وغيرها، وقع حصيلتها بضعة عشر قتيلاً، وهي نتيجة عدة عوامل منها فتاوى القرضاوي وتحريضه المستمر ضد مصر دولةً وشعباً.

أخيراً، فإن هيكل والقرضاوي، يمثلان أيديولوجيات عنيفة لا يمكن أن تصنع مستقبلاً زاهراً كما هو سعي الإمارات... وبضدها تتميز الأشياء.