سركيس نعوم

العلاقة بين المكوِّنين العراقيين، الكردي والشيعي، كانت دائماً جيدة. ويعود ذلك، في رأي خبراء عراقيين ومتابعين أميركيين، إلى القمع الذي تعرّض له الاثنان، من النظام العراقي، وخصوصاً بعدما سيطر عليه حزب البعث، ولاحقاً (الراحل) صدام حسين. ولا يبدو أن تطوّرات سلبية نهائية طرأت على هذه العلاقة، بعد انهيار صدام على أيدي القوات الأميركية، وبعد حلول نظام مكانه، شعر الشيعة أنه أكثر انصافاً لهم، إذ أتاح لهم كغالبية، ممارسة السلطة مع المكونات العراقية الأخرى. والشعور نفسه سيطر على الأكراد، إذ مارسوا في ظل النظام الجديد، حكماً ذاتياً وفي طريقة جعلت الكثيرين يعتقدون أنهم يعيشون في دولة مستقلة. استمر الارتياح، واستمرت معه العلاقة الجيدة الشيعية ndash; الكردية، بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق، لكن سُحُباً داكنة، غطت في المرحلة الأخيرة، سماءها جراء الاختلاف بين إقليم كردستان والحكومة التي يترأسها شيعي، حول مدينة كركوك، التي نص الدستور العراقي الجديد على آلية لحل مشكلة انتمائها الاثني أو القومي. ورغم جدية هذا الخلاف واستمراره من دون حل، فإنه لم يوصل حكومة كردستان، والحكومة المركزية الى مواجهة نهائية وحاسمة سياسياً وربما عسكرياً، لسببين جوهريين: الأول، هو ان الثانية لم تتنكر لآلية حل مشكلة كركوك، لكنها لا تنفِّذها. أما السبب الثاني، فهو ممارسة الأكراد سياسة عملية، قد تكرس مع الوقت كردية المدينة، رغم الأزمات التي يتسبب بها ذلك، والتي قد تصل إلى المواجهة العسكرية.

كما تسبب بالسُّحُب الداكنة في سماء العلاقة، بين كرد العراق وحكومته أمر آخر هو النفط. فالحكومة الكردية تتصرف حيال هذا الموضوع، على انها دولة مستقلة. إذ من جهة تعقد اتفاقات مباشرة مع شركات النفط لاستخراجه، ومع الحكومات الاجنبية لتصديره. ومن جهة أخرى تعترض حكومة بغداد على ذلك، وتصرّ على ان هذه الأعمال من صلاحياتها. وتسبَّب ذلك أحياناً كثيرة، بوقف دفع الأخيرة مستحقات كردستان من مداخيل النفط، وتبلغ نحو 17 في المئة، وبضغطها على الدول المهتمة، للتوقف عن استيراد النفط الكردي. كما كاد أن يتسبب أحياناً بمواجهات حادّة سياسية وربما غير سياسية، وبفرض عقوبات وما إلى ذلك. إلا أنه ورغم كل ذلك، لم تصل العلاقة بين حكومتي بغداد وكردستان إلى درجة الانهيار. أولاً، لأن لا مصلحة لهما في ضرب تحالف تاريخي شيعي ndash; كردي، في مرحلة صعود التيارات الاسلامية الأصولية السنية، وسلوك المتطرفة جداً منها طريق العنف والارهاب، ونظرتها كلها إلى المكوِّنين ليست ايجابية. وثانياً، لأن رئيس الحكومة المركزية حالياً نوري المالكي، عاد إلى التروي في معالجة الخلاف مع كردستان، جراء اقتراب موعد الانتخابات المحلية، ثم التشريعية في العراق كلاً. ومعروف انه سيخوضها على رأس ائتلافه النيابي، وأنه يسعى إلى ولاية حكومية ثالثة، خلافاً للدستور، وأن نجاحه في الأمرين، أو في واحد منهما، يقتضي تحالفات مع المكوِّنات الأخرى للشعب العراقي، وفي مقدمها الأكراد والشيعة الذين هو منهما، لأن المكوِّن السني لا يكنُّ له ولا للمكوِّن الذي ينتمي إليه أي ودّ بسبب تجاهله الاعتصامات في الأنبار، ولاحقاً بسبب محاولة فضها عسكرياً، بعد استغلال quot;القاعدةquot; وتحديداً quot;داعشquot; لها للسيطرة على المنطقة السنية العربية العراقية.
كيف يمكن حل الخلافات والمشكلات المشروحة أعلاه؟


أولاً، بوضع قانون يعالج مسائل النفط والغاز ومشتقاتهما، يجيب الخبراء العراقيون والمتابعون الأميركيون، وهذا مرجح العام المقبل، بعد فشل مجلس النواب العراقي، في الاتفاق عليه في السنوات الماضية. وثانياً، إما بممارسة كردستان سياسة نفطية مستقلة (استخراج ndash; تصدير ndash; تعاقد مع الشركات ndash; احتفاظ بالايرادات المالية)، مع ما قد يثيره ذلك من مشكلات مع حكومة بغداد. وإما التخلي عن بعض الاستقلالية، وخصوصاً في موضوع النفط، في مقابل رفع نسبة مواردها المالية، وهي حالياً 18 في المئة. والرفع قد يكون بتكفُّل الحكومة المركزية، دفع أتعاب شركات التنقيب، وغيرها. لكن رغم ذلك، فإن أحداً لا يتوقع حلولاً نهائيةً للخلاف الكردي ndash; المركزي في العراق، قبل التفاهم على حل لمشكلاته كلها. وذلك ليس سهلاً، في ظل استمرار المنطقة في التفجر.