يوسف الكويليت


بالأمس نشرت وسائل الإعلام الخليجية خبراً عن تشكيل قوة بحرية مشتركة تحت مسمى «مجموعة الأمن البحري»، غير أن الفعل شيء والمشروع شيء آخر، وموضوع أمن الخليج دخل اهتمام الزعامات بكل القمم والدوائر الأخرى، وقمة الكويت الأخيرة شددت على العمل الجماعي، وإنشاء أكاديمية للدراسات الاستراتيجية، والدفاع المشترك وجهاز للشرطة الخليجية من أجل تعزيز الأمن..

الوقت المتسارع يفرض الانتقال من الأفكار إلى الواقع، وإذا ما خضعت هذه الطروحات للتعقيدات الإدارية والسياسية، (فالأمن المشترك) لن يكون بالفاعلية الصحيحة، طالما لكل دولة جيش وعقيدة عسكرية، وتسليح من مصدر مختلف، ولا توجد قاعدة صناعية تؤسس للاعتماد على الذات وفق إمكانات مادية وبشرية متاحة، ومتوفرة بشكل هائل..

هناك إرادات لا تلتقي على مبدأ واحد، حتى لو قلنا إننا في القارب الواحد، وتجربة احتلال الكويت لم تطرح البعد الاستراتيجي الحقيقي، وغير المغلف ل«العنعنات» وتسويق فكر التعطيل بالبيروقراطيات التي لا تزال تسود طرح البعد الواحد لقراءة خطورة محيطنا الإقليمي والعربي علينا، وكيف نستطيع الاعتماد على تحالفات خارجية، هي بالأساس لا تقيم علاقاتها على الصداقات والعواطف، بل جني المكاسب أولاً وأخيراً.

في الحدود البحرية لهذه الدول إذا استثنينا المملكة وعُمان بإطلالتهما على البحر العربي والأحمر، والخليج، فإن بقية الدول تطل فقط على الخليج وهو مركز تجاذب وأطماع إيرانية ودولية، وحتى مرور السفن المحملة بالنفط المحرك الأساسي لصناعات الشرق والغرب، لا يؤكد أن حمايته لهذه الأسباب متوفرة فيما لو أقدمت إيران على أي مغامرة، وكذلك البحر الأحمر والذي أصبح مركز قرصنة وقواعد لإيران عند الحوثيين في اليمن والسودان، وربما تكون إحدى استراتيجياتها خلق حلفاء تحت أي ذريعة في حماية الملاحة العالمية، وحتى إسرائيل دخلت وتواجدت في عمق هذه المياه..

النوايا الحسنة لا تكفي، فكل محيطنا متفجر، ولا توجد ضمانات للمخاطر، وهذا واقع يدركه كل مواطن بالدول الخليجية، وعملية بناء قوة حماية ترتكز على مفهوم الأمن لا بد أن تضع الاحتمالات السيئة قبل الحسنة، والاستعداد لها، ولعلنا نفهم كيف يقوّمنا من يحيط بنا أو من هو خارج حدودنا، حين يتحدث عن الحماية الأمنية ومدى حجم قوة هذه الدول أمام غيرها، ولماذا لا يتاح لجيل جديد يتقن التقنيات والتعامل معها، أن ينخرط بهذه القوة، سواء جاء عن طريق التجنيد الإجباري، أو التلقائي بتوسيع التوظيف بمختلف الاختصاصات العسكرية البرية والبحرية والجوية، والاعتماد على الكم المؤهل علمياً وعقلياً وجسدياً، وهي متوفرة في معظمها، ثم إيجاد استراتيجية بقيادة مشتركة واحدة، إلى جانب تحرير مراكز البحث والدراسات الاستراتيجية من البيروقراطية، لتسهيل دعمها ومهمتها باختيار العقول القادرة على تحليل واستقصاء ما يتعلق بفلسفة ومبادئ الأمن الوطني..

المواطن الخليجي يطرح الأسئلة، ولا يجد الأجوبة حول مستقبل أمنه من المسؤولين والقائمين على خطط آنية وطويلة الأمد، وهذه قد تشكل أزمة ثقة بين المواطن وسلطته إذا لم يدرك مستوى حمايته في الداخل والخارج، والمساهمة بها وفق ما هو معمول به في كل أنحاء العالم.
&