& صقر أبو فخر


في خمسينات القرن الماضي، كان السوريون منقسمين إلى تيارات فكرية وسياسية كثيرة . فهذا ناصري، وذاك بعثي، وذلك شيوعي، وآخرون قوميون عرب وقوميون سوريون وإخوان مسلمون، فيما كانت بعض المجموعات تناصر حزب "الكتلة الوطنية" أو "حزب الشعب" . أما اليوم، وبعد نحو ستين سنة، فها هم السوريون منقسمون إلى سُنّة وعلويين ومسيحيين ودروز وإسماعيليين ومرشديين وإيزيديين، علاوة على الكرد والتركمان والشركس والأرمن . وهذا ما فعلته بهم التيارات الدينية المتطرفة ك"الإخوان المسلمين" و"جبهة النصرة" و"الدولة الإسلامية" .


إن انفجار المكبوت الطائفي في سوريا في مارس/آذار 2011 لم يكن جديداً تماماً على الحياة السياسية السورية . فقد كان موجوداً بمقادير قليلة وبصورة خجولة منذ سنة ،1860 وتجلى ذلك في الهجوم على أحياء المسيحيين في دمشق في ذلك العام . وفي 16-12-1946 وقعت جريمة إعدام سليمان المرشد الذي كان قد تمرد في سنة 1939 على عائلة شريتح المتنفذة، وتمكن من انتزاع أراضي قرية "سطامو" من تلك العائلة، وأعادها إلى الفلاحين، فحرّك الأعيان (مُلاك الأرض) النزعات المذهبية للوقوف في وجه مطالب اجتماعية محقة . وفي 8-3-1963 صحا السوريون على البيان العسكري رقم واحد، وهو يعلن إنهاء حكم الانفصال، واستيلاء الضباط الوحدويين على السلطة (تحالف الضباط البعثيين والناصريين والقوميين المستقلين) . وعلى الفور رفض أعيان المدن السورية، هذا التحول وراحوا يشيعون بأن هذا الحكم هو حكم "العدس" الطائفي، أي حكم العلويين والدروز والإسماعيليين، مع أن معظم الذين تولوا السلطة آنذاك كانوا من الضباط السُنّة أمثال اللواء زياد الحريري واللواء لؤي الأتاسي، واللواء أمين الحافظ، واللواء محمد الصوفي، واللواء راشد قطيني . لكن الإخوان المسلمين بادروا بتحريض الطلاب على الإضراب الذي تحول إلى عصيان قاده مروان حديد وسعيد حوّى في أكتوبر/تشرين الأول1963 بذريعة الوقوف ضد إلغاء مادة التربية الدينية من المناهج الدراسية، وحتى لا تُصدر الحكومة الجديدة قانوناً مدنياً للأحوال الشخصية، وكي لا يتم المساس بالأوقاف .

المقدمات

كان تضخم المدن السورية بالسكان القادمين من الأرياف، وظهور الضواحي المهمشة وأحزمة البؤس حول المدن التجارية، وبالتحديد دمشق، من علامات فشل الدولة في معالجة التنمية ومشكلات الاقتصاد . وكانت أخبار الفساد والثروات المنهوبة والمجاهرة الوقحة بالثراء، علاوة على انسداد أفق التغيير وإمكانات الترقي الاجتماعي إلا من خلال مؤسسات الدولة والحزب، من الأسباب الجوهرية للانجراف نحو التدين . وقد ازداد هذا الميل في سوريا في أواخر سبعينات القرن العشرين فصاعداً في سياق انفجار الهويات الدينية والطائفية في المنطقة العربية كلها بعد سقوط شاه إيران في سنة 1979 . وفي ذلك الوقت راحت أعداد المحجبات تزداد بالتدريج، كما ازداد عدد رواد المساجد ومرتادي الدروس الدينية والاحتفالات الدينية بما في ذلك عاشوراء . ومع أن ذلك كله لم يكن جديداً على مدينة دمشق، إلاّ أن الجديد في الأمر كان تسييس الدين . وبسبب هشاشة التيارات السياسية الأخرى، بادرت السلطة بعقد قرانها على بعض الجماعات الإسلامية "المعتدلة" للوقوف في وجه "الإخوان المسلمين" . لكن الزواج من عاقر لمن يريد تأسيس أسرة، يعتبر انتحاراً . وهذا ما جرى في سوريا حقاً . فقد أدارت السلطة ظهرها للنخب المدنية، وأقفلت بوابة الحريات السياسية أمامهم، وفتحتها لآخرين أمثال الشيخ أحمد كفتارو (مفتي سوريا) وابنه حسن كفتارو الذي يدير "مجمع أبو النور" الذي يضم 22 معهداً دينياً، وللآنسات القبيسيات التابعات لمنيرة القبيسي واللواتي يُدرْن نحو أربعين مدرسة، ولأبي القعقاع (محمد غول أغاسي) الذي أسس مجموعة "غرباء الشام" التي ساهمت في نقل المقاتلين إلى العراق بعد الاحتلال الأمريكي في سنة ،2003 والذي اغتاله بعض مريديه ممن رأوا أنه ارتد عن الفكر الجهادي، وكذلك لحلقات الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي في جامع تنكز (اغتالته الجماعات الإرهابية المتطرفة في سنة 2013)، ولجمعية بدر الدين الحسني، ولعبد الكريم الرفاعي ونجليه أسامة وسارية (خطيب جامع زيد بن حارثة في حي الميدان)، ولعبد الفتاح البزم وحسن فرفور الذي يدير معهد الفتح الإسلامي، فضلاً عن معاهد تحفيظ القرآن و300 جمعية خيرية إسلامية . لقد بُني من الجوامع في عهد حافظ الأسد أكثر مما بُني فيها منذ الاستقلال في سنة 1941 حتى عام ،1970 ففي سوريا قبيل اندلاع الحوادث في مارس/آذار 2011 كان يوجد 8000 مسجد، و600 معهد لتدريس القرآن، و22 مدرسة ثانوية إسلامية، وثلاثة معاهد عليا للدراسات الدينية، علاوة على كلية للشريعة في جامعة دمشق .

الإخوان المسلمون والإرهاب



&

أسس مصطفى السباعي، جماعة الإخوان المسلمين في سوريا في ثلاثينات القرن العشرين مقتفياً خُطى حسن البنا، ثم أسس فرقة "شباب محمد" في أواخر الثلاثينات في دمشق، ومن تحت هذه العباءة خرجت كائنات غريبة عجيبة مارست العنف، الأمر الذي أدى إلى عنف أشد قامت به السلطات السورية . ففي سنة 1963 أسس عبد الرحمن أبو غدة "حركة التحرير الإسلامية" كتنظيم سري مسلح . وفي سنة 1964 أسس مروان حديد "كتائب محمد" غداة إعلانه التمرد على السلطات من جامع السلطان في حماه . وفي تلك الأثناء أعلن عدنان عقلة تأسيس "الطلائع المقاتلة" في حماه . وفي سنة 1975 تحولت "كتائب محمد" إلى "حركة الجهاد" أو "الطليعة المقاتلة للجهاد" . ولم تلبث السلطات أن اعتقلت مروان حديد في سنة 1976 وتوفي في السجن في يونيو/حزيران 1976 . واللافت أن شقيقه عدنان حديد كان شيوعياً، وشقيقه الآخر كنعان كان بعثياً، والعائلة تتحدر من أصول ألبانية . وفي سنة 1980 أسس الإخوان المسلمون "الجبهة الإسلامية" بقيادة كل من عدنان سعد الدين من حمص، وعلي صدر الدين البيانوني من حلب، وسعيد حوّى من حماه .


تنفس "الإخوان المسلمون" الصعداء مع استيلاء حافظ الأسد على السلطة في سنة 1970 بعد سنوات من التشدد اليساري، إبان عهد نور الدين الأتاسي وصلاح جديد وإبراهيم ماخوس، حتى أن تجار سوق الحميدية كتبوا على مدخل سوقهم: "طلبنا من الله المدد فأرسل حافظ الأسد" . لكنهم لم يلبثوا أن شرعوا في العمليات العسكرية ضد السلطة، حين شعروا بأن النظام يواجه مصاعب جراء دخول الجيش السوري إلى لبنان في سنة 1976 .
وكانت البداية في مدينة حماه حين اغتال مسلحون من الإخوان المسلمين الرائد محمد غرّة رئيس فرع المخابرات العامة في المدينة . وتوالت الاغتيالات فطالت الدكتور محمد الفاضل رئيس جامعة دمشق (فبراير/شباط 1977)، العميد عبد الحميد رزق آمر فيلق الصواريخ (يونيو/حزيران 1977)، الدكتور علي بن عبد العلي أُستاذ في جامعة دمشق (نوفمبر/تشرين الثاني 1977)، الدكتور إبراهيم نعامة نقيب أطباء الأسنان (مارس/آذار 1978)، العقيد أحمد خليل مدير شؤون الشرطة في وزارة الداخلية (أغسطس/آب 1978)، عادل مينه المدعي العام في محكمة أمن الدولة (إبريل/نيسان 1979)، الدكتور محمد شحادة، الطبيب الخاص للرئيس حافظ الأسد (أغسطس/آب1979)، الدكتور يوسف الصايغ (يناير/كانون الثاني 1980)، درويش الزوني أحد الأعضاء الناصريين في الجبهة الوطنية التقدمية (ديسمبر/كانون الأول 1980) .
وقبل ذلك ارتكبت مجموعة من الإخوان المسلمين في 16-6-1979 مجزرة في مدرسة المدفعية في حلب ذهب ضحيتها 32 طالب ضابط علوي قتلوا على الفور، وجرح 54 غيرهم . وكانت تلك العمليات مجرد علامات على الطريق قبل أن يختار النظام السوري آنذاك الحسم العسكري، فوقعت حوادث حماه التي بدأت في 2-2-1982 وانتهت بمجزرة في 28-2-1982 .

"داعش" والإبادة على الطريقة الكمبودية

لم يعرف التاريخ العربي القديم والوسيط والحديث، رجلاً دموياً من عيار أبو بكر البغدادي الذي أعلن نفسه خليفة للمسلمين في 29-6-2014 وغيّر اسم منظمته من "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) إلى "الدولة الإسلامية" فحسب . ربما يمكن أن نجد مثيلاً له في بول بوت زعيم "الخمير الحمر" الكمبوديين الذي استولى على السلطة، وأقصى الملك نوردوم سيهانوك وقتل ما لا يقل عن أربعة ملايين كمبودي، وفرّغ المدن من سكانها، وأرغمهم على العمل في الأرياف بشروط عمل قاسية .
إن أبو بكر البغدادي هو طراز عربي لبول بوت الكمبودي . وتنظيم "داعش" ليس في نهاية المطاف، منظمة جديدة، بل له سيرة وتاريخ . وتاريخه يبدأ مع الأردني أبو مصعب الزرقاوي (أحمد فضيل نزال الخلايلة) الذي أسس "جماعة التوحيد والجهاد" في العراق سنة ،2004 وكان معه أبو حمزة المهاجر (وهو نفسه أبو أيوب المصري)، وبايع أُسامة بن لادن في أكتوبر/تشرين الأول ،2004 وغيّر اسم مجموعته إلى "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين . وحين قُتل الزرقاوي في يونيو/حزيران 2006 بويع أبو عمر البغدادي (حامد داود الزاوي من العراق) بخلافة أبو مصعب . وقد قُتل أبو عمر البغدادي في إبريل/نيسان 2010 وكان معه أبو حمزة المهاجر، فخلفه أبو بكر البغدادي (إبراهيم عواد البدري من سامراء) .


سيطر "داعش" على مدينة الرقة السورية في 27-7-2013 بعدما انتزعها من "جبهة النصرة" التي كانت قد سيطرت عليها في 5-3-2013 . وتمكن "داعش" من السيطرة على خان العسل في حلب في 27-7-،2013 وعلى مطار منغ العسكري القريب من حلب في 5-8-،2013 وعلى مطار الطبقة، ثم على مدينة البوكمال وجوارها في 1-7-2014 بعد أن انتزعها من "جبهة النصرة" . وبسيطرته على البوكمال انفتحت الحدود بين العراق وسوريا . وفي هذا السياق ارتكب مقاتلو "داعش" مجازر لم يشهدها العالم العربي على الإطلاق، مثل قطع الأعناق، وجز الرؤوس وفصلها عن أجسادها، والقتل الجماعي وسبي القاصرات وبيع النساء مثلما وقع لكثير من النسوة الإيزيديات في العراق، علاوة على نهب الممتلكات وطرد المسيحيين وتفجير المقامات والمدافن التاريخية ونهب الآثار وبيعها، وتحطيم الأيقونات المسيحية وحرق المخطوطات القديمة . وكانت هذه الأفعال المشينة ذرائع لقيام الولايات المتحدة بتأليف تحالف دولي يضم نحو أربعين دولة لمواجهة "داعش" عسكرياً في العراق وسوريا . وبالفعل قام الطيران الأمريكي والبريطاني والفرنسي في سبتمبر/أيلول2014 بتنفيذ غارات جوية متتابعة على مواقع "داعش" في الأراضي العراقية والسورية، وخصصت الإدارة الأمريكية 500 مليون دولار لدعم المعارضة السورية كي تقف في وجه "داعش" والنظام السوري معاً . وفي أي حال، فإن غايات هذا التحالف الدولي لا تزال غامضة أو غير واضحة تماماً، خاصة فيما يتعلق بالموقف من القوات السورية النظامية فيما لو حاولت الاستفادة من الضعف المتوقع ل"داعش" و"جبهة النصرة"، وتمددت في بعض المناطق مثل منطقة القنيطرة المحاذية للجولان المحتل .

العنف الجديد: "جبهة النصرة"

في سنة 2005 أثار أيمن الظواهري، فكرة إقامة "سوريا الكبرى الإسلامية" التي تشمل لبنان وفلسطين والأردن وسوريا . ولاحقاً وجّه رسالة في هذا الشأن إلى أبو حمزة المهاجر(عبد المنعم البدوي) وهو مصري وأمير تنظيم "القاعدة" في العراق (إبريل/نيسان 2007) يحثه فيها على توسيع نطاق عملياته . لكن أبو حمزة قُتل في إبريل/نيسان2010 . وفي هذا السياق ظهر "جيش الإسلام" في غزة، ثم راحت الخلايا تتشكل في لبنان وفلسطين وسوريا والأردن . وفي سبتمبر/أيلول 2008 قامت مجموعة من فلول "فتح الإسلام" التابعة لتنظيم "القاعدة" في لبنان بتفجير سيارة على طريق مطار دمشق أوقع 17 قتيلاً، وكان من بين مخططي هذا الانفجار وفاء شاكر العبسي ابنة القائد المختفي لفتح الإسلام، وعندما اندلعت الحوادث الدامية في سوريا في 18-3-2011 عمد "داعش" بقيادة أبو بكر البغدادي إلى إرسال مجموعات، منها إلى سوريا لمقاتلة النظام السوري، وأطلق على هذه المجموعات اسم "جبهة النصرة لأهل الشام" بقيادة الفاتح الجولاني (أبو محمد) . وكانت "جبهة النصرة" قد أعلنت عن وجودها في البيان التأسيسي الذي صدر في 23-1-،2011 ونفذت أول هجوم لها ضد النظام في 27-12-،2011 وكان هجوماً على مقر للأمن في دمشق، ثم انخرطت في القتال في حلب ابتداءً من 22-7-،2012 ونفذت عملية اقتحام مبنى الأركان العسكرية في دمشق في أوائل أكتوبر/تشرين الأول ،2012 وخاضت معارك معرة النعمان ومطار تفتناز وثكنة إبراهيم هنانو في حلب، ومطار الغوطة، بعدما فجرت سيارة في ساحة المرجة بدمشق في 1-5-2012 .
لم تعلن "جبهة النصرة" ارتباطها بالقاعدة إلاّ في 8-4-2013 حين أعلن زعيمها أبو بكر البغدادي هذا الأمر في تسجيل صوتي له أذاعته محطات التلفزة . وهنا وقعت الواقعة، وأعلن الجولاني رفضه إدماج "جبهة النصرة" في تنظيم "داعش"، وعمد إلى مبايعة أيمن الظواهري .

جيش الإسلام

يتألف "جيش الإسلام" من نحو 60 فصيلاً مثل "لواء الإسلام" و "لواء سيف الحق" و"لواء درع الغوطة" . والجميع بايع محمد زهران عبدالله علوش كي يتولى قيادة "جيش الإسلام" . ووقعت البيعة في سبتمبر/أيلول 2013 . وينتشر هذا الجيش في ريف دمشق، ويضم آلاف المقاتلين المتحالفين مع "الجيش السوري الحر"، وهو ينأى عن الصراع الذي نشب أخيراً بين "داعش" و"جبهة النصرة" .
في سوريا اليوم ما لا يقل عن 600 فصيل ومنظمة وجماعة، وهي لا تنفك تتحالف ثم تنفك وتتصارع بحيث لا يوجد قوام ثابت وراسخ لها . وعلى سبيل المثال "جبهة تحرير سوريا الإسلامية" التي أعلن عن تأسيسها في 12-9-،2011 تضم نحو 25 ألف مقاتل موزعين على "لواء التوحيد" بزعامة عبد القادر صالح الذي كان يدعو إلى دولة ديمقراطية مدنية في سوريا، ثم تحول إلى التبشير بالخلافة النبوية الراشدة، وقتل بعد ذلك، وعلى "صقور الشام" بقيادة أحمد عيسى الشيخ، و"جيش الإسلام" بقيادة زهران علوش . ومع الانشقاق الذي وقع بين طرفي "القاعدة" في العراق وسوريا، أي بين "داعش والنصرة"، حدثت بلبلة في صفوف المجموعات السلفية الأخرى .
مهما يكن الأمر، فإن عدد المقاتلين في سوريا يقدر اليوم بنحو 150 ألف مقاتل، بينهم ما لا يقل عن 25 ألفاً من الجهاديين السلفيين . وبين هؤلاء نحو ستة آلاف مقاتل أجنبي . والواضح أن سيطرة الجماعات السلفية الجهادية على مناطق واسعة من العراق وسوريا، جعلت المعارضة السورية المدنية تندثر تماماً، ولم يبقَ لها أي وجود فعلي على الأرض، بما في ذلك جماعة "الإخوان المسلمين" التي اكتفت بكيان هش في اسطنبول هو "المجلس الوطني السوري" . فقد أخلت المعارضة السورية، مكانها للإرهابيين من عيار "داعش" و"النصرة"، وأهيل ركام من الصمت على أسماء لامعة مثل حسن عبد العظيم وعارف دليلة وحسين العودات وحبيب عيسى ورياض سيف والطيب تيزيني وجبر الشوفي ورياض الترك وجودت سعيد ولؤي حسين، وتحوّل ميشال كيلو وفايز سارة وهيثم مناع وعلي العبد الله إلى مجرد كُتّاب وأصحاب رأي، واختفى بصورة غامضة كل من عبد العزيز الخير ورجاء الناصر، واغتيل مشعل التمو، والتحق انتهازيون من عيار عبد الرزاق عيد بالجماعات الطائفية، وانطفأت بسمة قضماني ومعها مناف طلاس، واندثرت التنسيقيات، ولمعت "أنوار" كمال اللبواني الذي لم يتورع عن زيارة "إسرائيل" على غرار فريد الغادري واللذين بُح صوتاهما وهما يرجوان "إسرائيل" أن تتدخل عسكرياً في سوريا لقاء منحها الجولان في ما بعد .

جماعة خراسان . . العمر القصير

المقصود هو مجموعة محسن الفضلي، الذي يطلق عليه أيضاً لقب "أبو أسماء الخراساني" وهو كويتي شيعي اعتنق مذهب السُنّة، وانضم إلى تشكيلات "القاعدة" . وكان الفضلي قد اعتقل في الكويت في سنة 2000 بتهمة الإعداد لتفجير مؤتمر التجارة العالمي في الدوحة، لكن القضاء الكويتي أصدر حُكماً ببراءته . واتهم أيضاً بالمشاركة في قصف المدمرة كول في اليمن، وبرأه القضاء الكويتي من هذه التهمة . والراجح أنه فرّ من الكويت بحراً في سنة 2008 إلى إيران، ومنها تسلل إلى باكستان، ثم عاد ليلتحق بالمقاتلين في سوريا . وهذه المجموعة ظهرت، على الأغلب، في سنة ،2013 وكانت تحت المراقبة الأمريكية . وحين اكتشفت الاستخبارات الأمريكية أنها تخطط لتنفيذ عمليات في أوروبا وأمريكا جرت تصفية محسن الفضلي في قصف جوي على مقر مجموعته في الشمال السوري في سبتمبر/أيلول2014 .

حركة أحرار الشام

أُسست هذه الحركة في أواخر سنة ،2011 ويُختصر اسمها بكلمة "حاشا" . ومؤسس هذه الحركة هو حسان عبود الملقب ب "أبو عبد الله الحموي"، وينشط مقاتلوها في إدلب وحلب وحماه، ولا تنتهج نهج العمليات الانتحارية، بل قتال المواجهة، ومعظم مقاتلي هذه الحركة من السوريين . و"أحرار الشام" هي العمود الفقري للجبهة الإسلامية السورية التي تألفت في 21-12-2011 من تحالف "لواء الحق" و"لواء الإسلام" و"حركة الفجر الإسلامية" و"كتائب الطليعة المقاتلة" . ومن ابرز رجال حركة "أحرار الشام" أبو العباس الشامي، وهو مفتي الحركة وأبو بصير الطرطوسي وأبو ماريا الفلسطيني وأبو خالد السوري الذي كان مقرباً من أُسامة بن لادن . وقُتل أبو خالد السوري على أيدي "داعش"، مثلما قُتل حسان عبود لاحقاً .