&محمد خروب


تقلّصت الهوامش وتم اشهار الافلاس السياسي والاخلاقي، ولم يعد امام «ثوار» الفنادق والمنتجعات ومقاعد الدرجة الاولى في الطائرات، سوى حمل الجنسية «العثمانية»، بعد ان ضاق «الأصدقاء» بهم ذرعاً، وبعد ان انكشفت احبولاتهم ولم يعودوا قادرين على توفير البضاعة، فهذا داعش قد خطف الاضواء، وها هي جبهة النصرة التي صُنفّت ذات يوم اميركي «أغبر»، بأنها منظمة ارهابية، يعاد تأهيلها (هي وزعيم اقليم كردستان العراق مسعود برزاني) كي يتوليا المهمة التي اخفق مجلس اسطنبول (والائتلاف الذي خلفه) في ترجمة أي وعود أو أوهام الى حقائق ميدانية، وبات الجميع ضيوفاً ثقال الظل وعبئاً يُراد التخلص منه وبخاصة ان حملة التحالف الدولي على الارهاب، مُرشحة لأن تطول على ما قال باراك حسين اوباما، وبالتالي فان وقت تغيير «الجياد» قد حان، وبخاصة انها جياد هَرِمة تفوقها خيول الانجليز (الشهيرة اياها)، فتوة ورشاقة رغم انتهاء عمرها ولم تعد الاسطبلات قادرة على احتوائها لارتفاع كلفتها على مردودها سواءً في ميدان السباق ام في الحقول والمهمات الاخرى..


لهذا، جاءت مكرمة السلطان العثماني الجديد اردوغان، في توقيتها المناسب، فالرجل الذي خسر البر والبحر، ولم يعد قادراً – هو الآخر – على القيام بمزيد من المناورات والحيل وبخاصة في الرسالة الاميركية الواضحة بعدم «اسقاط» عين العرب (كوباني) واجبار داعش على الانكفاء بعيداً عنها – اقلّه في المرحلة الراهنة – فضلاً عن انهيار حلمه باقامة منطقة عازلة (لا تطال سوى ما يمكن تسميته بكردستان سوريا – روجافا)، ما أجبره على سرقة بعض الاضواء – ولكن غير الكافية – عندما منح الجنسية التركية لرهط من المعارضين السوريين وخصوصاً قادة جماعة الاخوان المسلمين السورية (ومنهم احمد طعمة الذي أُعيد ترئيسه الحكومة المؤقتة)، فضلاً عن الماركسي التائب جورج صبرا ومجموعة اخرى لم تعد تجد ما تقدمه للأصدقاء (اقرأ الأسياد) فأراد وضعهم تحت ابطه، للاستعانة بهم عند الحاجة او اللعب بهم كورقة – صحيح انها مُستهلكة – الا انها في عالم السياسة تنفع، ولو في التكتيك، لكنها في كل الاحوال تجارة خاسرة يدركها السلطان العثماني الجديد، كما مدير استخباراته حاقان فيدان، بعد ان تجاوزتهما الاحداث – او كادت – وها هي اوراق اللعب الرابحة «تطير» الى عواصم اقليمية اخرى، رغما عن انقرة وعن استعلائها واوهامها.


قيل في تبرير حصول ثوار الفنادق على الجنسية التركية، انهم «يعانون» في المطارات (لاحظوا انهم لا يسافرون في البر، أما البحر فهو للسباحة والراحة والاستجمام)، وان بعضهم يحمل جوازات سورية منتهية الصلاحية وغيرها من الاسباب والتبريرات المتهافتة التي لا تصمد في اختبار «الثورة» التي يدّعون قيادتها، وإلاّ ماذا لو كانت حكومة انقرة «صديقة» للنظام السوري، واستحال دخولهم لبنان، والذهاب للعراق بالنسبة اليهم مغامرة ومحاولة الوصول الى اقليم كردستان شبه مستحيلة، الم يكن يتحتم عليهم ان «يبقوا» بين الجماهير المنتفضة وان يدفعوا الاثمان والأكلاف التي يدفعونها، وان ليس لهم سوى بيئتهم الحاضنة؟
هم بالطبع يدركون ذلك، لكنهم ليسوا ثواراً وليسوا قادة، بل اذا ما عاد المرء الى الايام الاولى لاستيلاد «المعارضة» لرأينا حَمَلَة الجنسيات الاوروبية والاميركية هم الذين يتصدرون «الثورة» وينطقون باسمها ومعظمهم لا يعرف سوريا سوى ايام الطفولة، بل هناك من وُلِدَ خارج سوريا ولا يعرفها إلاّ على الخرائط السياحية، ناهيك عمن يعمل منهم في مراكز الابحاث (اياها) وفي غرف سوداء واخرى ذات صلة، وجيء بهم في سرعة قياسية كي يتم تحريكهم كالدمى وكي تكون الامور تحت السيطرة وظنوا ان السيناريو الليبي سيتكرر ولهذا رأينا–على سبيل المثال–الاكاديمي الحكّاء برهان غليون، يوجه كلمة ثورية مسربلة بمناسبة دينية (عيد الفطر) الى السوريين، واضعا علم الثورة خلفه ظانا نفسه انه غيفارا، وذهبت سفسطته مثالاً على الخيبة والضحالة، ثم تم تصنيع ديغول سوري اسمه الجنرال سليم ادريس وسقط «اللواء» كالشهاب وتوارى وقبله روّجوا لرياض حجاب وانتم تعرفون مصيره، ولم يكن مصير البلاي بوي مناف طلاس مختلفاً، وباتوا جميعا من الماضي. بعضهم نادم وآخر سقط في الملذات والسموم، وغيرهم يتردد على السفارات ويستجدي التأشيرات، ومن تبقّى لم يعد يجد قوت يومه وعائلته، بعد ان سُدت في وجوههم الابواب وأُغلقت الهواتف وجفّت الأُعطيات.


بات مطلوبا الان ان يذهب العثمانيون الجدد (السوريون سابقاً) الى مراكز تعليم اللغة في اسطنبول وماردين وغازي عنتاب، لتعلُّم بعض المفردات والمصطلحات اللازمة لـ»تمشية» احوالهم، لان اعمارهم وقدراتهم العقلية لا تسعفهم في استيعاب لغة الاتراك، بعد ان «طلّق» اتاتورك الحرف العربي مستبدلاً اياه باللاتيني، ولا تبدو مسألة اعادة الحرف العربي، تعني السلطان الجديد اردوغان، الساعي لاستعادة امجاد اجداده العثمانيين والسلاجقة، ولكن من باب اعادة استعمار بلاد العرب وجعلها مجالاً حيوياً لامبراطوريته المُتخيلة، وفضاء استهلاكيا لبضائعه وتجارته، ومنصة للانطلاق نحو الشرق العربي، الذي يريد طمس عروبته وتاريخه المجيد.

&