يسرى عبد الله

&

&
هل ثمة ثقافة يمكن لها أن تخرج من رحم الإخوان؟!، وهل ثمة متثاقفون امتلكوا من نطاعة القول وتبجحه أن يعلنوا ذلك؟! تبدو الإجابة مغرقة فى حسمها واستنكارها معا.


نهض المصريون من عثرتهم بعد سنة دامية من حكم الملالي، أعقبت ثلاثين عاما من الفساد المباركي، وبينهما تأرجحت الثقافة المصرية فاعتلاها حينا متثاقفون من قوافل اليمين الدينى التى سعت لأخونة كل شيء فى مصر، حتى ثقافتها، فاستباحت التاريخ الأدبي، وباتت تشير إلى شيوخ إسلامويين بوصفهم كتابا، وإلى منظرين للإرهاب بوصفهم ثوارا ومناضلين، حركة محمومة من غسيل السمعة الإخواني، واختلاق تاريخ وهمى عن فاشيين صاروا كتابا بمعرفة أفاكين، نسوا أمانة الكلمة لأنهم لم يعرفوا لها شرفا يوما ما، ونهضت المطابع الحكومية فى سنة الإخوان لتنشر هراء لمتطرفين على جناح من هبات المرشد وعظاته، وانبرى متثاقفون ليدبجوا المدائح والمقدمات العصماء عن براعة الشيخ الإرهابى المعمم، وفطنته التى جاوزت عصره، ونضاله فى ساحات الوغى الوهمية، وتشكلت ميليشيات ثقافية على جناح السرعة هذه المرة من مرتزقة جدد، تركوا سيدهم القديم إلى سيد جديد يبشر بحلم الخلافة الوهمي، ويعد بنهضة ستردنا فيما بعد إلى أكثر من ألف عام.

وبدا كل شيء معدا لاستقبال الوطن/ الذبيحة، واغتيال ثقافته الطليعية، التى ترفض الاستبداد والرجعية معا، وهرول مثقفون/ مرتزقة إلى خندق الملالى الجديد، يهاجمون خصومه، ويشوهون أعداءه الحقيقيين، والحق لقد بدأوا مبكرا، ربما منذ بدأت أمارات السيطرة الإخوانية على مقاليد الأمور فى مصرنا العزيزة، فكانوا بمثابة التقديم السافر لقوى الرجعية والتخلف التى اغتالت الوطن فيما قبل ثورة الثلاثين من يونيو المجيدة، هؤلاء تفضحهم انتهازيتهم، وتكشفهم أطماعهم الرخيصة، لم يكتبوا حرفا ضد حكم المرشد، بل تمنوا العمل معه فى حوارات صحفية شهيرة، وآخرون نزهوا الإخوان عن السلفيين، وتناسوا أن الفارق فى الدرجة وليس فى النوع لا أكثر، وأن كل الفاشيين سواء، إخوانا كانوا أو سلفيين أو جهاديين.

قبعت مصر بثقافتها تحت وطأة مرتزقة الملالى الجدد، يتعاطى مثقفوها الرسميون مع المعزول مرسى بوصفه رئيسا لسياق جديد يتشكل، وتغافلوا عامدين عن وطن تغتاله جماعة تكفيرية، ومتثاقفين يملأون الساحات خطبا وعظية، وبدا المشهد محبطا ومأساويا فى آن، لكن ثمة نورا يتسرب دوما من البقاع البعيدة، ومن حلكة الليل يخرج ثمة ضوء شفيف يقاوم العتامة الدينية والفكرية، ويعرى الكهنوت الثقافى الجديد، ويكشف عن تحالفاته المشبوهة، فكانت ثورة الثلاثين من يونيو خلاصا من الفاشية الدينية ومتثاقفيها ومرتزقتها فى آن.

إن الأداء المترهل للثقافة المصرية طيلة حكم مبارك أوصلنا لبراثن الفكرة الإخوانية القاتلة، حيث العالم أحادى النزعة، والتصورات بنت ثنائيات متقابلة طيلة الوقت ملائكة وشياطين/ أخيار وأشرار، وغاب النظر المتعدد للعالم والأشياء، والطابع الكرنفالى بدا حاضرا دوما، فلا ثقافة حقيقية ولكن ديكور ثقافى لامع، والمحصلة بلد تنهشه الأمية الثقافية، وتآكل للنخب الحقيقية، وتكريس للاستبداد، فكانت الكارثة والوقوع فى فخ انحطاط تاريخى يحكم فيه الملالى مصر الثورة.وكان المرتزقة فى الميعاد، حيث كل نظام، وأى نظام، فليس مهما بالنسبة لهم سوى أن تمر المصالح، وتكبر الامتيازات، ولتذهب المقولات الكبرى إلى الجحيم.

أربعون عاما من التحولات السياسية والاجتماعية العاصفة، وصعود القوى اليمينية برجعيتها وتخلفها، واختراقها كافة المؤسسات الثقافية، فيتعاضد هوسان أحدهما دينى والآخر أمني، وبينهما مساحات مشتركة من قمع الحريات وضرب التصورات الطليعية غدرا، وانتظر المصريون بعد ثورتهم المجيدة فى الخامس والعشرين من يناير النجاة من فخ سياق قديم ورجعى وفاسد، لكن سرعان ما حضر العفريت الذى خلقه نظاما السادات/ مبارك، وباتت مصر أمام استبداد سياسى ودينى فى آن أيام الإخوان، ولما تخلص المصريون من وكلاء السماء الجدد وجدت الثقافة نفسها بمعزل عن حركة الحياة المصرية وتطوراتها المتسارعة، فوزارة الثقافة تحيا فى عالم خارج الزمن، ولم تخض معركة الأمة المصرية ضد الإرهاب، واستمرت الحال على ما هى عليه، فمن عمل مع المعزول عمل مع المخلوع، والأدهى أنهم يقدمون أنفسهم بوصفهم أبناء للثورة برافديها المركزيين فى يناير2011، ويونيو 2013 ، فى مفارقة عبثية، تجعلك تبكى من شدة الضحك!.

فى بلد يحمل امتدادا حضاريا مدهشا، وتراكمات ثقافية بديعة، وطبقات من الأفكار بنت ثقافتنا المصرية/ العربية المنفتحة على أفق كونى بالغ التعقد والتشابك، يبقى الأمل فى ناسه أولا، المدفوعين بزخم الحلم والثورة والأمانى النبيلة، وفى نخبته الطليعية الجديدة المسكونة بهواجس الوطن وآماله وجماهير شعبه، وروحه الباحثة عن العدل والحرية وإنسانية الإنسان.
&