أسامة الغزالى حرب

ليس هناك بلد يشعر المصرى فيه بالدفء والود مثلما يشعر فى السودان، على الأقل كانت هذه تجربتى فى المرات التى سافرت فيها للسودان ، منذ فترة طويلة،


لم تتكرر للأسف!. ومن أفضل الأعمال العلمية التى شاركت فيها كان الندوة الكبيرة والمهمة التى عقدت بالقاهرة فى مايو 1989 بمشاركة مركز البحوث والدراسات السياسية بجامعة القاهرة،برئاسة د. على الدين هلال فى ذلك الحين، مع شعبة العلوم السياسية بكلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بجامعة الخرطوم، والتى جمعت بحوثها المتميزة و الخصبة فى مؤلف كبير أشرفت على تحريره، وأعتقد أنه ما يزال من أعمق وأشمل المراجع عن العلاقات بين البلدين حتى الآن، فقد شارك فى كتابته 24 سودانيا، و35 مصريا من أفضل الأساتذة و الخبراء فى مجالاتهم على الإطلاق، وعلى رأسهم أستاذنا الكبير المرحوم د. عبد الملك عودة. لقد كانت آخر مرة زرت فيها السودان فى عام 1998 عقب انقلاب البشير الذى أطاح بحكومة الصاق المهدى، والذى سرعان ما تبينت أنه انقلاب إخوانى بعدما نجح الإخوان – بزعامة الترابى - فى التسلل إلى القوات المسلحة،! وهكذا خضع السودان للحكم الإخوانى الذى أخذ يعمل بهمة على أخونة كل المناصب والمراكز الحساسة فى البلد. وفى ظل هذا الحكم الإخوانى انفصل جنوب السودان عن شماله، بعد أن عانى أهل الجنوب من سياسات تمييزية شجعت انفصال الجنوب (المسيحى، والوثنى) ليكون شمال السودان إسلاميا خالصا، ثم ظهرت المشكلة الأخرى فى “دارفور” غرب السودان، ليس على خلفية دينية هذه المرة، وإنما على خلفية صراع عرقى ، وقتال بين ميليشيات “الجنجاويد” من القبائل العربية، وحركات تحرير السودان و“العدل والمساواة” الإفريقية، والتى أدت إلى اتهام محكمة الجنايات الدولية للبشير بارتكاب جرائم حرب فى دارفور. وسط هذه المشكلات لم يكن غريبا أن يثير الحكم السودانى قضية “حلايب وشلاتين” لإثارة نعرة وطنية سودانية، فى حين أن حقائق التاريخ تثبت مصرية المنطقة بعد أن كان السودان كله خاضعا للحكم الثنائى المصرى- البريطانى، وحددت اتفاقية 1899 الحدود بين البلدين بخط العرض 22 ولكن وزير الداخلية المصرى أصدر بين 1902 و 1907 قرارات بوضع بعض المناطق تحت “الإدارة” السودانية، دون أن ثؤثر على سيادة مصرسياسيا عليها، وهو الأمر الذى كان وما يزال و سوف يظل ساريا .
&