مساعد العصيمي

لم يكن يخطر ببال أحد أن يقفز الحوثيون على الحكم في اليمن ومن ثم السيطرة عليه، والسبب أن الكل يدرك أن تلك الجماعة البدائية لم يكن بمقدورها عتادا وقدرةً تجاوز الجيش والأغلبية، ناهيك أنها ترسخ الفكر الطائفي والقبلي بكل معانيهما وسوءتيهما. إلا أن الأمور بلغت من الغرابة أنه كان بإمكانهم طرد الرئيس عبدربه هادي من منصبه، لا سيما أنهم من اختار الحكومة وحدد أولوياتها، ناهيك عن دخولهم القصر الرئاسي بسلاح المنتصر الذي يسير الرئيس خلفه وينفذ تعليماته.


ووسط تلك التداخلات الغريبة المريبة كان كل ما حدث عصيا على الفهم، وهو ما يطرح التساؤل الضخم: هل كان هناك من رتب لهذه المسألة تماما، فحتى إيران لا تستطيع أن تفعل ذلك منفردة، لا سيما أن اليمن قد بلغ درجة الصفر أمنيا ولم يستطع السيطرة على الجماعات المتطرفة والمتناحرة في ظل انقسام الجيش وضياع البوصلة السياسية اليمنية؟! لا سيما أيضا أن الحوثيين في المعمعة نفسها من أصحاب الشتات وعدم القدرة على السيطرة على الوضع منفردا!
وسط التناقضات بدا للجميع أن الحوثيين مشروع قد اتفق عليه من أطراف كثيرة غربية وإقليمية ومن دول تعادي الجماعة وممولها الخارجي، كحل أخير لليمن المريض، لكن يبدو أن الذكاء الأيديولوجي وخبرة العمل الميليشياتي الإيراني الطويل قد استغلا ذلك، حينما انتقلت لتقود ممثلها في اليمن إلى التجربة التي ستجعلهم أقوى وأكثر سيطرة، من خلال ابتعادهم عن المباشرة بتولي السلطة السياسية مع أنهم يمسكون بخيوط اللعبة ويتحكمون فيها.


ليس هناك ما هو أقرب من هذا السيناريو، في ظل أن ما حدث من الحوثيين داخل المقر الرئاسي غريب جدا سواء من الرئيس أو من المحتل الجديد، ليظهر أن من انتصر في النهاية هي الأيديولوجية والمخطط الإيراني، لتكون الرئاسة متاحة للمستسلم الجديد عبدربه منصور ولو على حساب الوطن، مع بقاء الحوثيين ممسكين بكل القرارات وما يتحكم بالشأن اليمني جميعا.


هنا لن نلوي على قراءة توقعية، بل من خلال التجربة الحزبية لـ"نصرالله" وميليشياته في لبنان ومن خلال الدعم الإيراني والسوري لها حتى غدت المتحكم في الشأن اللبناني، بل وكان بإمكانها أن تقود البلاد عيانا بيانا في وقت كانت تختار الرئيس وتتحكم فيه، بل وتفجر من يخالفها.. ترك الرئاسة مع التحكم بها من بعيد هي فعل ناجح، بلا شك أن إيران المحرك الرئيس لأحزابها الممتدة حتى الحوثيين جنوبا، جديرة بأن تنقل وتفرض هذه التجربة على فرعها اليمني، وهو ما سيجعل سيطرتها أقوى وقدرتها أفضل.


ما نلحظه حاليا، أن النمط القبلي التعصبي لعبدالملك الحوثي ولأفراد القبيلة قد لا يستكين لكل التعليمات الإيرانية، من خلال شيخ القبيلة الذي يريد أن يكون كما شبيهه الأيديولوجي حسن نصر الله ظاهرا ملء السمع والبصر للقنوات ووسائل الإعلام عربا وعجما، وعليه فلم يكن بإمكانه وسط هذه الزخم الكبير من الانتصار والسيطرة أن يظهر بثوب شيخ القبيلة فقط.. فبات يحارب هنا وهناك كما توأمه "نصر الله"، ويبدو أنه بصدد تفصيل ثوب جديد يحمل اسم المرشد الأعلى لبلاد اليمن، وكأن الأمر مجرد وقت لتنهال التبريكات على آية الله اليمني؟