&شمسان بن عبد الله المناعي

مملكة البحرين كبقية دول الخليج العربي حديثة التكوين السياسي كدولة عصرية، ورغم ذلك فإنها خلال هذه المدة القصيرة تمكنت منذ الاستقلال (1971م) من بناء دولة دستورية بها من المؤسسات والمجالس النيابية والبلدية، وحققت كثيرا من الإنجازات في بناء البنية التحتية من خدمات صحية وتعليمية وعامة للمواطنين، وأصبحت البحرين مركزا ماليا واستثماريا في المنطقة، كل ذلك بحكم موقعها الجيوسياسي والوعي السياسي الموجود عند شعبها. بيد أن من تسمي نفسها «المعارضة» تأبى إلا أن تؤجج الوضع الأمني والسياسي لأهداف بات الجميع يعرفها، ولتحقيق أجندة دولة أجنبية لها أطماعها التوسعية في البحرين!
من المعروف أن أهمية «المعارضة» السياسية في أي بلد، ترتبط بكونها مظهرا من مظاهر التعددية السياسية من جهة، ورقيبا على ممارسة السلطة لصلاحياتها الدستورية والقانونية من جهة أخرى. والمعارضة حتى في الدول العريقة في تجاربها الديمقراطية تكون صمام أمان للدولة، وفي بعض الحالات تنافس الحكومة في الدفاع عن المصالح العليا للوطن أكثر من الحكومة القائمة نفسها. ومن حق المعارضة أن تكون لها أجندتها وبرامجها الخاصة التي تعمل من أجل تحقيقها من خلال المؤسسات الديمقراطية والقوانين ولكن أن تتحول هذه «المعارضة» إلى أداة لتأزيم الوضع السياسي والأمني في الدولة فهذا ما لم يحدث في أي دولة ديمقراطية في العالم ولا تقبله، ويفقد هذه «المعارضة» مصداقيتها ودورها المتوسط بين السلطة الحاكمة والشعب.


هذا الوضع هو ما حدث ويحدث في مملكة البحرين منذ أربع سنوات، فـ«المعارضة» تضع العربة قبل الحصان؛ وذلك بطرحها شروطها قبل الدخول في الانتخابات ومن خارج المؤسسات الديمقراطية والقوانين الدستورية. إن من يريد التغيير يكون ذلك من خلال انخراطه في المؤسسات الديمقراطية، إنها بذلك تناقض نفسها؛ ففي الوقت الذي تطالب فيه بالالتزام بالدستور والقوانين تكون هي أول من يناقض الدستور، وعندما وجدت نفسها في زاوية ضيقة أدى بها ذلك إلى أن تعلن في وقت مبكر عن استمرارية مقاطعتها للدخول في الانتخابات النيابية والبلدية المقبلة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 بحجة عدم تحقيق مطالبها منذ مشاركتها في المؤامرة التي حدثت في البحرين بتاريخ 14/ 2/ 2011 وانسحابها من المجلس النيابي، وهذا ما لا يحدث في الأنظمة الديمقراطية. لو أن الشروط التي تشترطها «المعارضة» للدخول في الانتخابات شروط قابلة التحقيق كان يمكن أن يستجاب لها، ولكنها شروط بهلوانية غير قابلة للتحقيق، مثل تغيير هيكلية النظام السياسي في الدولة، والتناوب الدوري في شغل منصب رئيس الوزراء بين طائفتي السنة والشيعة، والمناصفة في المناصب الوزارية بين الطائفتين، وغيرها من هذه الشروط الطائفية التي تجعل من البحرين نسخة من النظام السياسي الطائفي في لبنان والذي بسببه لم يستقر لبنان إلى يومنا الحاضر حيث لا يزال دولة من دون رئيس! إن الوضع السياسي العربي لا يحتمل أن تضاف دولة عربية إلى مجموعة تلك الدول المشغولة بالحروب الطائفية والأهلية.
ولو كانت «المعارضة» في البحرين صادقة في نواياها وتوجهاتها وولائها لوطنها لما نسقت مع السفير الأميركي، ولما سمحت بتدخلات مساعد وزير الخارجية الأميركي توماس مالينوفسكي في شؤون البحرين حيث هو أمر مخل بالأعراف الدبلوماسية القائمة، مما دفع بالبحرين إلى الطلب من الدبلوماسي الأميركي مغادرة أراضيها بعد نفاد صبرها. والكل يعرف ماذا تريد أميركا وكيف فعلت بالعراق! ولماذا تبنت هذه «المعارضة» إيران، و«حزب الله» والأحزاب الطائفية في العراق. إن ذلك أفرغها من انتمائها الوطني، وشعاراتها الجوفاء وجعل منها مجرد دمية وحركة طائفية ضيقة الأفق، وجعلتها إيران طابورا خامسا تحركه عند الحاجة وحسب الظروف، إنها «معارضة» لا تملك سلطة القرار السياسي بيدها، لذا فإن شعب البحرين غير متفائل بالحوار والتفاهم مع هذه «المعارضة» ما دامت تتلقى أوامرها من الولي الفقيه في إيران ويظل نائب الولي الفقيه في البحرين يزج بالشباب والأطفال والنساء من شيعة البحرين ويجبرهم على الدخول في معارك خاسرة، ويشغلون حكومتهم وشعبهم بما لا يجدي ولا ينفع. أية معارضة تلك التي تثير أعمال الشغب والتخريب وتقوم بحرق إطارات السيارات في الشوارع وتعطل مصالح الناس والاعتداء على كل من يخالفها في الرأي من بني جلدتها وتحرق مساكنهم وسياراتهم؟ إنه إرهاب بكل معنى الكلمة.


ومن هنا على «المعارضة» ألا تجنح إلى الخيال كثيرا وتنزل بمطالبها وأفكارها إلى الواقع، لا لأن البحرين ودول الخليج العربي فقط حريصة على أمن البحرين لأنه جزء لا يتجزأ من الأمن الخليجي، ولكن حتى العالم لا يمكن أن يسمح «بمعارضة ذات اتجاه طائفي»، وذلك لأن الأوراق انكشفت عن كل الجماعات الطائفية الدينية المتطرفة في كل أرجاء العالم بعد ظهور «داعش»، ومنطقتنا العربية بشكل خاص والتي هي وكر لمثل هذه الجماعات، حيث أعلن العالم الحرب عليها.
وإنصافا للحق فلقد قام ملك البحرين بكثير من المبادرات للحوار الوطني وجاء بلجنة خارجية لتقصي الحقائق وذلك ما لم يحدث في أي دولة في العالم، وتحمل شعب البحرين طوال هذه السنوات منذ 2011 حتى يومنا الحاضر كثيرا من التبعات، وجاء الوقت الذي ينبغي أن تنهي فيه البحرين هذه المرحلة السوداء من تاريخها المعاصر وتطوي فيه هذه الصفحة، وتتوجه الدولة إلى أولويات يريد شعب البحرين تحقيقها لمسايرة دول العالم في تطورها ونموها، وتتفرغ الحكومة لإنجاز مهامها لأن بقاء الوضع على ما هو عليه يجعلنا ندور في حلقة مفرغة.
لا يفكر النظام الإيراني أن تكون البحرين واحدة من أوراق الضغط التي تجمعها إيران في المنطقة كما هو الحال في سوريا والعراق واليمن ولبنان وتستخدمها في مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي وأميركا لتخفيف الضغط والعقوبات عليها بسبب مشروعها النووي، إنما تظل البحرين عصية على حكام الملالي في إيران!