محمد علي فرحات

الحل السياسي لكارثة سورية شديد التعقيد لأنه يتعدى حدودها إلى الإقليم وكبار العالم، وهو يحتاج خيالاً وجرأة تفتقدهما حتى الآن قوى تحسب نفسها متحكّمة بالصراع على الأرض. وفي تخيّل حلّ سياسي ممكن، تسقط فكرة إسناد الأمن في سورية إلى قوات ردع مدعومة إقليمياً ودولياً، ذلك أن جيران سورية عاجزون عن المشاركة في مثل هذه القوات، فالعراق شريك في الكارثة وقد سبق سورية إلى الانهيار مع فشل دولته الجديدة التي أقامها الاحتلال الأميركي، والأردن يكتفي برغبته في سورية آمنة لا تصدّر إليه مزيداً من المشاكل، وإسرائيل لا تدخل في الحسبان كونها الطرف في الصراع الأساسي في المنطقة، ولبنان عاجز عن ضبط حدوده أمام تدخلات قوى لبنانية في الشأن السوري، أبرزها «حزب الله». تبقى تركيا، الدولة الراسخة ذات الجيش القادر، فهي مؤهلة، من حيث المبدأ، لتشكّل القوة الأساسيّة لردع الإرهاب في سورية والدعم الأمني لحكومة اتحاد وطني تجسّد الحل السياسي.

&

واستبعدت جهات أميركية أن يؤدي الجيش التركي الدور الذي أدّاه جيش حافظ الأسد في لبنان حين شّكل في النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي قوام قوات عربية ردعت المتقاتلين اللبنانيين وغير اللبنانيين وأرست استقراراً أمنياً سمح بإحياء المؤسسات الدستورية وتوحيد الجيش اللبناني وفق عقيدة قتالية معادية لإسرائيل.

&

ويعود الاستبعاد إلى سببين، الأول أن الكارثة السورية بعد سيطرة «داعش» و»جبهة النصرة» على معظم الأرض والسكان، أكثر تعقيداً من الحرب اللبنانية، والثاني أن رجب طيّب أردوغان أكثر صراحة من حافظ الأسد الذي مرّر وصاية نظامه على لبنان من خلال ردعه الميليشيات المتحاربة، فأردوغان يقدّم علناً مصالح تركيا في ضرب العصبية الكردية وفي استعادة نفوذ عثماني انحسر قبل حوالى مئة سنة. ومع السببين هناك النفوذ الإيراني في العراق الذي سيحصد قدراً من الشرعية في حال إسناد أمن سورية إلى الجيش التركي.

&

قوات ردع في سورية قوامها الأساسي جيش تركي، تفسح في المجال لسيادة حكومة انتقالية. فكرة طيّبة لكنها غير ممكنة سياسياً، فهل يستسلم المجتمع الدولي إلى اليأس؟ حتى الآن نشهد نوعاً من الحصار لـ «داعش» ومحاولة ضبطه في حدود معيّنة، أما الحل فينتظر البلورة على الأرض ونتائج حروب القوى الإيديولوجية والعسكرية في الإقليم، وهو انتظار مرشّح لمدى زمني غير منظور ولأخطار غير متوقعة.

&

في هذا الانسداد لا بد من التدقيق في الطبيعة الأصلية للتشكّل السياسي والاجتماعي في المشرق العربي. إنها العروبة، تلك التي لا تستعيد النمط الناصري البسماركي ولا النمط البعثي البائس الذي أورث حكماً عسكرياً دكتاتورياً. فلنقل إنها عروبة القرن الحادي والعشرين، وهي تتطلب بلورة لدى القوى الغالبة صاحبة المصلحة في المشرق العربي، وأيضاً، وبالدرجة الأولى، لدى الدول العربية المتخوّفة من كسر الضلع المشرقي للنظام العربي، وفي مقدّم هذه الدول المملكة العربية السعودية، ومصر. نعم، هاتان الدولتان على رغم ما تتحملان اليوم من أثقال، مدعوتان إلى هذا الدور التاريخي والحضاري والإنساني الذي لا مهرب منه. صحيح أن السعودية تحمل أعباء متعددة، عربياً وإسلامياً، وأن مصر تجهد للخلاص من بقايا حكم «الإخوان» الفاشل، لكن هاتين الدولتين يمكنهما العمل على حل عروبي جديد لكوارث المشرق، يمكن أن يحظى بدعم دولي لأن الدول الكبرى لم تعد كبرى تماماً، فهي، إذ تؤثر في الدول الصغيرة (العالم الثالث سابقاً)، تتأثر بها، وبالتالي فإن أيديها ليست طليقة كما يتوهّم اللاعبون السياسيون الصغار.

&

عروبة جديدة للمشرق بمسعى سعودي ومصري وبدعم دولي: خيال سياسي جريء يمكن أن يتحوّل واقعاً ويحيّد المشرق العربي من زحف طهران وأنقرة اللتين تحجبان مشاكلهما الداخلية باللعب في الجوار العربي السابح في بحر الدم.
&