أحمد يوسف أحمد

يتصاعد خطر الإرهاب في الوطن العربي يوماً بعد يوم، ويمتد إلى مناطق أوسع في العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن وغير هذه الحالات، ولا يبدو حتى الآن أن ثمة نجاحاً حاسماً في مواجهة هذا الإرهاب حتى بعد أن بدأ التحالف الدولي غاراته على موقع «داعش» في العراق وسوريا، ولأن كثيرين يؤمنون بأن مواجهة الإرهاب لابد وأن تكون عربية فإن البعض من هؤلاء بدأ يطرح فكرة ضرورة الدعوة لقمة عربية استثنائية تنظر حصراً في هذا الخطر، وتضع خطط المواجهة وآليات التنفيذ. صحيح أن المجالس الوزارية العربية سواء على مستوى الجامعة ومجلس التعاون لدول الخليج العربية قد اتخذت قرارات مهمة وشاملة في هذا الصدد، وصحيح أيضاً أن مؤسسة القمة الخليجية قد فعلت الشيء نفسه، لكن قرارات آخر قمتين عربيتين في الدوحة (2013) والكويت (2014) لم تتضمن شيئاً يتعلق بمواجهة الإرهاب، وفي كل هذه الأحوال لم يُوضع أي من القرارات التي اتخذت موضع التنفيذ على النحو الذي يحقق النقلة النوعية المطلوبة في مواجهة الإرهاب. ومن هنا يأمل البعض في أن تحقق قمة عربية استثنائية هذه النقلة، وخاصة أن الأمور قد أصبحت أكثر تعقيداً بعد تكوين ما يسمى بالتحالف الدولي لمواجهة الإرهاب واختلاف المواقف تجاهه.

وفكرة عقد قمة عربية استثنائية للتصدي لتفاقم خطر الإرهاب تحتاج إمعاناً للنظر ونقاشاً مستفيضاً لعدة اعتبارات أولها أن عقد قمة استثنائية يتطلب أن تدعو لها إحدى الدول العربية الأعضاء في الجامعة أو أمينها العام وهذا سهل، والحصول على موافقة ثلثي الأعضاء في الجامعة وهذا صعب لسببين على الأقل، أولهما أن بعض الدول العربية -وإن كانت قلة- لها فهمها الخاص لظاهرة الإرهاب وموقفها المختلف منها، وثانيهما أن عقد القمة بعد أن بدأ التحالف الدولي عملياته ضد «داعش» قد يُربك اختيارات عدد من الدول العربية ما بين المشاركة في التحالف الدولي واللحاق به أو الانضمام لخطة عمل عربية تنطلق من عدم الارتياح لفكرة أن تكون مواجهة الإرهاب بقيادة دولية أصلاً. وتظهر خبرة الدعوة إلى عقد قمم استثنائية عربية منذ تمت الموافقة على بروتوكول دورية القمة في قمة القاهرة 2000 ما يؤيد صعوبة انعقاد هذه القمم.

ففي أول تحد واجه النظام العربي بعد هذا البروتوكول -وهو الغزو الأميركي للعراق في 2003- انتشرت في أوساط الرأي العام العربي ونخبه المثقفة فكرة ضرورة الدعوة لقمة عربية استثنائية تنظر في التداعيات الخطيرة للغزو خاصة وقد كان لقمة شرم الشيخ في مارس 2003 -أي قبيل الغزو مباشرة- موقف جيد للغاية ضد احتمالات الغزو، كما كان للمجلس الوزاري للجامعة الذي انعقد لاحقاً في الشهر نفسه بعد أن بدأ الغزو موقف ممتاز ضد الغزو خاصة وقد كانت المقاومة العسكرية للعراق في ذلك الوقت في ذروتها لكن لم تدعُ دولة عربية للقمة ولا الأمين العام للجامعة لأن الموقف في ذلك الوقت بدا مخيفاً خاصة بعد دخول قوات الغزو بغداد في أبريل. وجاء التحدي الثاني مع العدوان الإسرائيلي الشامل على لبنان في 2006، وهنا أيضاً ثارت فكرة عقد قمة عربية استثنائية، لكنها تعثرت لأن دولاً عربية رئيسية كانت تعتبر «حزب الله» مسؤولاً عن وقوع ذلك العدوان، ومن ثم فإن عليه أن يتحمل المسؤولية في هذا الصدد. أما التحدي الثالث فأتى مع العدوان الإسرائيلي على غزة في ديسمبر 2008 ويناير 2009 وفيه نشطت قطر من أجل الدعوة لقمة استثنائية، ولكنها لم تحصل أبداً على الأغلبية المطلوبة، فعقدت قطر قمة استثنائية خارج إطار جامعة الدول العربية لم يتمخض عنها شيء عملي سوى قطع موريتانيا علاقتها الدبلوماسية مع إسرائيل.

ولا تبدو خبرة الدعوة إلى قمم عربية استثنائية إذن خبرة إيجابية، ومع ذلك فلعل الخطر الذي تتعرض له كافة الدول العربية الآن، سواء تلك التي حل بها الخطر بالفعل كالعراق وسوريا ولبنان وليبيا ومصر واليمن أو تلك التي لم يصلها بعد، لعله يدفع الدول العربية إلى التفكير في أهمية وجود عمل عربي مشترك لمواجهة الخطر تكون قمة عربية استثنائية هي أنسب آلية لوضع إطاره العام والأعمال التي تندرج تحته. غير أن الإعداد الجيد لهذه القمة لابد أن يستغرق وقتاً وطاقة لهما اعتبارهما. فإذا أُغلقت الأبواب في وجه انعقاد قمة استثنائية فاعلة يكون أضعف الإيمان أن تنشط المستويات الوزارية في مجال المكافحة الجادة للإرهاب وليس مجرد إصدار القرارات. وكذلك سيكون مطلوباً من الدول التي تتقارب توجهاتها وسياساتها في هذا الصدد أن تعمل على إيجاد تنسيق حقيقي فيما بينها، ويمكن أن ينطبق هذا على مصر والسعودية والإمارات والبحرين، وكذلك على دول جوار ليبيا بصفة عامة وعلى مصر وليبيا ثنائياً بصفة خاصة، فإن تقاعسنا ولم نفعل شيئاً لا يعود من حق أي منا أن «يندهش» إذا فاجأتنا تطورات كارثية جديدة من فعل قوى الإرهاب.
&