&مازن السديري


كتب الأسبوع الماضي الأستاذ والكاتب الكبير فهد عامر الأحمدي مقالاً في منتهى الأهمية مع مهارة عالية كعادته في تبسيط العلوم والأفكار المعقدة عن الآثار السلبية للثروات الطبيعية لأي اقتصاد بعنوان (كيف تحاشت النرويج المرض الهولندي).. لكن البعض فسر المقال بأنه إسقاط على الاقتصاد السعودي.. وهنا أختلف مع تفسير الإخوة القراء وليس مع مقال الأستاذ فهد.

مع أني سبق وطرحت هذا التساؤل في مقال (هل المملكة مصابة بالمرض الهولندي)، المرض الهولندي هو تعبير أطلقته مجلة (الإكونمست) على هولندا بعد اكتشاف حقول الغاز عام 1959، وأثرت هذه الثروات الطبيعية على الواقع الصناعي الهولندي.

هولندا تاريخ مشرف من العمل الصناعي والعلمي وتكوّنت لديها قاعدة صناعية قبل تطور الثروات الطبيعية، ولشعبها سلوك استهلاكي منضبط يضرب به المثل في أوروبا، حتى إن الهولنديين من الترشيد كانوا لا يشعلون الشموع في النهار، واستمر هذا التقليد حتى الآن كرمز لقيمة الأشياء وضرورة استخدامها بعيداً عن الأناقة الأوروبية المكلفة.

ما حصل في هولندا هو شيء مختلف عن المملكة، وهو تآكل الصناعة غير الهيدروكربونية في هولندا لسببين هما: ارتفاع سعر الصرف في هولندا مع ارتفاع الطلب على المواد الخام مما أدى لغلاء الصادرات الأخرى وخسارتها مكانة في السوق العالمي.. والشيء الآخر انخفاض الإنفاق في الصناعات الأخرى نظراً لانخفاض الهوامش الربحية قياساً بأرباح الصناعة الهيدروكربونية.

أما المملكة فالوضع مختلف؛ حيث أسعار النفط تسعّر بالدولار، والريال مرتبط بالدولار، والعلاقة عكسية بين النفط والدولار نسبياً بعكس هولندا، ثانياً لم توجد قاعدة صناعة سعودية حقيقية قبل النفط؛ بل المملكة تحاول أن تبنيها بأرباحها النفطية خصوصاً في السنوات الأخيرة عندما تضاعفت الصادرات غير النفطية من حوالي 100 مليار ريال إلى قرابة 200 مليار.

سؤال: هل المملكة غير مريضة؟.. الجواب لا؛ بل مريضة، ولكن بالمرض (السعودي) وليس الهولندي، حيث يشكل النفط ومشتقاته أكثر من 85% من حجم الصادرات وقرابة 90% من الدخل الحكومي بمستوى إنتاجي بلغ العام الماضي 9.6 ملايين برميل كمتوسط يومي في السنة وبطاقة قد تصل إلى 12.5 مليون برميل.

هذا الحجم الضخم وبهامش الربح العالي مع الأسعار حتى الحالية تجعل توطين أي صناعة أخرى مهما بلغت كفاءتها وقدرتها على خلق الفرص الوظيفية محدودة في تقليص حجم وثقل النفط في الاقتصاد السعودي. ما أريد قوله هو: أن تقليص ثقل النفط في الاقتصاد السعودي مهم جداً، ولكنها مهمة لا تنفّذ في سنوات محدودة بل بفترة لا تقل عن عقدين من الزمن.

أخيراً؛ أهمس مختلفاً مع جميع الإخوة الذي خطّؤوا معالي المهندس علي النعيمي على انتهاجه أسلوب الغموض عندما قال لا تقلقوا، والسبب أن الغموض هو التكتيك الذي يلجأ إليه لإرباك جميع منتجي الطاقات الأخرى لعدم توضيح توجّهاته والتي لو تبينت لهم أو هو صرح بها فمبإمكانهم تشكيل (لوبي) للحصول على دعم من أوطانهم سواء ضريبياً أو نظامياً أو مادياً، أيضاً يجعل صناعتهم أقل تكلفة وتستطيع تحمّل هبوط الأسعار مثل النفط الصخري، لو افترضنا أنه المستهدف بزيادة الإنتاج في ظل هبوط الأسعار وتكهنات بهبوط الطلب.

الغموض أفضل غطاء يعمي عنك المنافسين، وإذا رأيت منافسك يغرق مع هبوط الأسعار.. فضع خرطوم المياه في فمه.
&