بيروت - الرأي: تقاطعت مفارقات عدّة في ذكرى «ربع قرن» على اتفاق الطائف الذي شكّل «الحمّالة» التي مهّدت لخروج لبنان العام 1990 من الحرب الاهلية التي أصابته بـ «جراح» لم يندمل بعضها حتى اليوم.
&
وبعد 25 عاماً على «الطائف» الذي وُقّع في 22 اكتوبر 1989 والذي أرسى تعديلات دستورية شكّلت رسماً جديداً لحدود نفوذ الطوائف والتوازنات داخل السلطتين التنفيذية والتشريعية بعد تقليص صلاحيات رئاسة الجمهورية (نُقلت الى مجلس الوزراء مجتمعاً) وإرساء المناصفة في البرلمان (قبل الطائف كان مؤلّفاً من 99 نائباً على قاعدة 54 مسيحياً و45 مسلماً) وجاءت مرآة لموازين الاقتتال على مدى 14 عاماً، بدا من الصعب عدم «استعارة» بعض المؤشرات من تلك الحقبة التي حكمها وهج «الحديد والنار» وإسقاطها على مرحلة «الحرب الباردة» التي يعيشها لبنان اليوم والتي يُخشى ان تجعله على سكة أزمة نظام وتالياً امام مخاطر إعادة النظر بأسس التركيبة اللبنانية في لحظة بالغة الخطورة في المنطقة «اللاهبة» والقابعة فوق «بركان» يمكن ان يضع «خرائطها» في عين الخطر الداهم.
&
ولعلّ من أبرز المفارقات «المستعادة» من «زمن الطائف» ان هذا الاتفاق الذي جاء نتيجة تفاهم اميركي - سعودي - سوري بالدرجة الاولى قبل ان تتفرّد دمشق لاحقاً بتطبيق «النسخة السورية» منه، وُلد من رحم فراغ في رئاسة الجمهورية كان حلّ العام 1988 حين كلّف الرئيس امين الجميل قائد الجيش حينها العماد ميشال عون رئاسة حكومة عسكرية لإدارة المرحلة الانتقالية، وانه أُنجز على يد برلمان ممدّد له (منذ 1972)، وهما السمتان الأبرز في «لبنان نسخة 2014» الذي يعيش فراغاً رئاسياً منذ 25 مايو الماضي، ويتهيأ لتمديد هو الثاني على التوالي لمجلس النواب في ظل حكومة «ربْط نزاع» بين فريقيْ 8 و 14 آذار اللذين يتكئان على محوريْن اقليمييْن يتصارعان على امتداد «رقعة النار» في المنطقة.
&
ومع إطفاء «الشمعة» 25 لاتفاق الطائف، لم تكن هذه التسوية بمنأى عن الأخذ والردّ في الايام الاخيرة كانعكاس لحال التأزم التي تحكم الوضع اللبناني الذي يحاول لملمة مآزقه السياسية والدستورية في ظل واقع أمني يترنّح على الحدود وفي الداخل ومفتوح على «العصْف الاقليمي».
&
ولأن الجميع في بيروت مدركون ان الواقع اللبناني مرتبط بالكامل بالوقائع المتلاحقة في المنطقة وبمآل الملفات الساخنة ولا سيما في سورية والعراق بما سينعكس حكماً على «تقاسُم النفوذ» في «بلاد الأرز»، فان الجهد منصبّ على إرساء معادلات لـ «تقطيع الوقت» بأقل الأضرار ريثما تنقشع الرؤية اقليمياً.
&
وهذا ما يعبّر عنه عملياً التفاهم على التمديد للبرلمان الذي يفترض ان يحصل بحلول مطلع نوفمبر المقبل، على ان تشهد المرحلة الفاصلة عن هذا الموعد اتصالات على خطين:
&
* الاول تأمين المخرج الذي يحفظ ما تبقى «من ماء وجه» الديموقراطية وتداول السلطة من خلال ربْط التمديد في الاسباب الموجبة بالفراغ الرئاسي بمعنى الاشارة الى ان هذا التمديد وإن كان سيحصل لسنتين وسبعة اشهر فانه ينتهي بعد انتخاب رئيس وإقرار قانون جديد للانتخاب.
&
* والثاني السعي الى تفادي «الميثاقية الناقصة» لعملية التمديد من خلال توفير تغطية مسيحية في ظل الممانعة العلنية للعماد عون والتحفظ من الاحزاب المسيحية في 14 آذار واعلان البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي «أن التمديد اغتصاب للسلطة ومخالفة للدستور ولرأي الشعب اللبناني الذي انتخب النواب لمدة معينة».
&
وتبعاً لذلك، تجري محاولات لإخراج التمديد بطريقة لا تشي بأنه يتم بـ «رافعة اسلامية» منفردة، وسط شبه اقتناع بان الاطراف المسيحية لن تقول نعم ولن تقول لا للتمديد بمعنى انها ستقرّ بـ «أسبابه الموجبة» من دون ان تباركه، بحيث تشارك كتلها في جلسة التمديد اي تؤمن النصاب ولكن من دون ان تصوّت معه، وعلى ان لا تطعن فيه.
&
وفيما تترقب الاوساط السياسية نتائج لقاءات رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع والنائب سامي الجميل في الرياض مع مسؤولين سعوديين كبار ومع الرئيس سعد الحريري، يلتئم مجلس الوزراء اليوم وجدول أعماله خالياً من البنود الخلافية، وسط توقعات بإقرار خريطة الطريق للتوقف نهائياً عن استقبال النازحين السوريين.
&
اما موضوع الهبة الايرانية لتسليح الجيش اللبناني فهو غير مدرج على جدول الاعمال ولكنه يمكن ان يحضر بحال آثاره اي من الوزراء وذلك في ضوء عودة وزير الدفاع سمير مقبل من زيارته لطهران.
&
وكان لافتاً في الساعات الأخيرة تبلُّغ بيروت تحفظات غربية، ولا سيما اميركية وفرنسية على اي قبول للهبة الايرانية باعتبار ذلك مخالفاً للعقوبات الدولية على طهران التي تمنعها من تصدير السلاح وتحظر على اي دول شراءه.
&
وفي موازاة ذلك، اتخذ ملف العسكريين الاسرى لدى تنظيميْ «جبهة النصرة» و»داعش» منحى جديداً مع التصعيد الذي نفّذه اهالي العسكريين امس اذ قطعوا لبعض الوقت طريق الصيفي الحيوية التي تربط بيروت بالشمال وذلك في الاتجاهين، في اطار توعُّدهم الحكومة بمفاجآت رداً على ما يعتبرونه تقاعساً في متابعة هذا الملف العالق منذ 2 اغسطس الماضي.
&
ورغم تجاوُب الاهالي بعد عناء ومفاوضات دخل على خطها الوزير وائل ابو فاعور ومعاودتهم فتح طريق الصيفي والاكتفاء باعتصامهم المفتوح امام السرايا الحكومية في وسط بيروت، فان هذا الملف يشي بالمزيد من الإرباكات للحكومة وسط اصرار الاهالي على التصعيد الذي شمل امس حرق دواليب قرب السرايا لبعض الوقت، اضافة الى قطع طريق حيوية في الشمال.