راجح الخوري
&
يتجرّع رجب طيب اردوغان كأس كوباني المرّة قطرة قطرة، بعدما تأكد ان الولايات المتحدة لن تستجيب الشروط التي وضعها للانضمام الى التحالف الدولي، ذلك ان صمود المقاتلين الأكراد في كوباني شجع الأميركيين على التلويح بإمكان ضمهم الى التحالف بدلاً من تركيا التي تعتبرهم "ارهابيين".
&
وهكذا ما ان بدأت الطائرات الاميركية بنقل الأعتدة والذخائر من أربيل وإلقائها للمقاتلين في كوباني، حتى راحت انقرة تعض اصابعها وتتراجع، فبعدما كانت قد اعلنت ان اميركا لم تستعمل المجال الجوي التركي لمساندة مقاتلي حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي ووحدات حماية الشعب، وقف وزير داخليتها ليعلن فجأة ان تركيا قررت السماح بعبور مقاتلين اكراد سوريين فقط لمساندة رفاقهم في كوباني ولكن من دون اسلحة!
&
المقاتلون في تلك المدينة يكررون منذ اسابيع ان تركيا ستقطع الهواء عنهم اذا استطاعت، وهذا ليس مبالغة عندما يعلن اردوغان بعد اتصاله بأوباما: "على الحلفاء اعادة حساباتهم حول تسليح الارهابيين الأكراد في سوريا والعراق لأن من شأن ذلك تهديد أمننا القومي".
&
لكن صمود الأكراد في كوباني يرسم ملامح انقلاب في الميدان يناقض مسلسل الهزائم الفاضحة التي ارتسمت بعد انهيار الجيش العراقي امام "داعش" وبعدما وسّع التنظيم سيطرته من الموصل الى الرقة، وكما برز صمود البشمركة في وجه الارهابيين برز صمود كوباني رغم ضراوة الهجوم الذي تشنه "داعش" التي تعرف ان سقوطها قد يبدأ من كوباني.
&
على هذا الأساس تبدو المدينة المسماة "عين العرب" وكأنها اصبحت عين العالم الذي يتطلع الى هزيمة "داعش"، ولم يعد في وسع اردوغان المراهنة على توظيف المآسي الداعشية في خدمة اهدافه العثمانية، ولهذا بدأ يتراجع خطوة خطوة، متظللاً تصريحات جون كيري الذي يقول ان اوباما قدم له ضمانات بعدم تغيير الموقف من الأكراد!
&
لكن السؤال الذي تفرضه الوقائع على الارض يبدو صادماً لتركيا:
&
هل يمكن إسقاط مفاعيل الصمود والكفاءة التي أظهرها الأكراد من خلال اصرارهم على طموحاتهم التاريخية بالحصول على دولة؟
&
من شأن هذا السؤال ان يحدث دوياً وارتباكاً ليس في انقرة وحدها، بل في طهران التي، وإن سارعت الى دعم البشمركة في العراق، فإنها تخشى طموحات الأكراد في مناطقها الشمالية الغربية، وكذلك في العراق حيث يطالب الشمال الكردي صراحة بالدولة، وايضاً في المناطق الشمالية الشرقية من سوريا المدمّرة!
&
صحيح ان الأكراد يطالبون منذ زمن بعيد بالحصول على دولتهم وانهم تعرضوا للتنكيل والقمع، لكن التطورات العاصفة في المنطقة تخلط الآن السياسات المهترئة والأنظمة المتهاوية بالجغرافيا غير المستقرة، اذا صح التعبير، ما يخلق فرصة تاريخية امام الحلم الكردي الذي قد ينهي الحلم العثماني!