يوسف الكويليت
&
الخلاف وليس الاتفاق، هو السمة الثابتة في القمم والاجتماعات الوزارية والأحزاب العربية وغيرها، والشواهد من الماضي والحاضر موجودة في سجلات الدول والجامعة وأرشيف وزارات الخارجية، غير أن الوضع العربي المرتبك والمتفجر في الوقت الراهن، أبرز صوراً جديدة لتراجعات وانشقاقات بين الحلفاء من الداخل والخارج، وقد بينت الأحداث في سورية كيف أن التجمع السوري العلوي، كشف عن أن أكثر من ستين ألفاً من الطائفة العلوية قتلوا في الحرب الأهلية، مطالباً بعدم الانخراط في الخدمة العسكرية والسعي للمصالحات الوطنية، لأن الضحية في النهاية هو الشعب السوري بكل تنوعاته بذريعة بقاء نظام الأسد..
&
على نفس الاتجاه، بدأت تتسرب معلومات ودعوات خرجت من السر إلى العلن بانسحاب حزب الله من سورية تبعاً للخسائر الهائلة، وأن عزلة الحزب وقيادته نتيجة الامتناع عن التطوع في القتال، والانشقاقات التي طالت الحزب، بدأت تنذر بتغيرات جذرية لأن شعوراً عاماً وساخطاً بدأ يقوّم الحرب ونتائجها وأسباب الانغماس فيها، والتي استنزفت إلى جانب المداخيل الهائلة للحزب، أبناءه وشبابه، في حين أن الأوامر من إيران تقول بأن الوقت لم يحن بعد بإخلاء سورية من قوات الحزب، وهذا يثبت أن الأمر لا يتعلق بعبثية الدخول في المستنقع السوري، وإنما الأمر أصبح يطال الوضع الإيراني نفسه لترابط الاستراتيجيات بين الحزب والنظام في طهران مع الأسد..
&
وإذا كانت الحقائق بدأت تأخذ شكل الصوت العالي بالإقرار بالانتكاسات سواء للطائفة العلوية، أو حزب الله، فالتوقعات، بناء على الواقع المستجد، قد تبعث باتجاهات أكثر تطرفاً ضد النظام، سواء بإعلان انسحابات من جيش الطائفة، أو الأعداء لتغيير السلطة بانقلاب تعمل على تحقيقه قوى داخلية من قلب النظام وبمساعدة قوى أخرى من أجل حماية الطائفة، وأيضاً فتح الآفاق لمصالحات وطنية تقيم دولة جديدة بتوافق داخلي وعربي وإقليمي..
&
إيران ليست غائبة عما يجري، لكنها لاتزال تكابر وتعلن عن الخطوط الحمر التي لا يمكن تجاوزها، لكن بوجود داعش والنصرة، وتوتير العلاقة ما بين النظام، وأكراد سورية الذين تعايشوا معه وأيدوه وانخرطوا في الدفاع عنه، وجد الأكراد أنفسهم في عين العرب بلا غطاء أمني، بل ويشعرون بعدم الوفاء من قبل الأسد في محنتهم، وهو ما سيضعف القاعدة المؤيدة له من خارج الطائفة، لكن إيران سوف تدفع بكل إمكاناتها لبقاء الأسد، إلاّ إذا حدثت تطورات لا تقوى على مجابهتها لتطرح الحل السياسي بديلاً عن العسكري، وهذا مرهون بتوازن القوى أو اختلالها، وبالتالي ستكون طهران هي الخاسر في الحالتين، استنزاف حزب الله، وانقلاب الطائفة على راعيها، وحلول قوى أخرى سيكون سقف مطالبها عالياً..
&
قد تكون داعش الكاسب الأكبر بدعم من تركيا فيما لو وصلت إلى احتلال مواقع داخل حزام النظام، ويظل ذلك رهان الخاسر، لأن هذا التنظيم لا يحمل مشروع دولة، بل تجمعاً تعاهد على دموية السلوك تجاه الجميع، وأي تطور سلبي من داخله، سوف يفتح الأبواب لانشقاقات جديدة تماماً كما انشق من القاعدة، وخرج عنها حزب النصرة، وهي القاعدة الثابتة في تحالفات أحزاب وقوى ضد عدو محدد، وبمجرد زوال الأسباب تبدأ الخلافات ثم حالات الانفصال، والتوقعات ترشح أن اللاعبين في الداخل السوري هم صنيعة ظرف قد يُحدث المفاجآت لما هو فوق تطلعات وأهداف الساعين لإحداث تغييرات جوهرية لصالحهم، وعلى هذا فإن سورية تبقى محور الاستقطاب لكل العناصر المتحاربة، لكن معها ستكون المفاجآت أقوى من التوقعات.