فاتح عبدالسلام

نقرأ في كل يوم تقريراً يضم تصريحات مسؤولين عسكريين ومدنيين حول خروج مدينة الموصل عن السلطة الحكومية المركزية، وقد كانت طوال سنوات ما بعد الاحتلال الأمريكي في عهدة فرقتين ووحدات أخرى فضلاً عن الادارة المحلية وشرطتها. نرى هنا ضابطاً وهناك قائداً عسكريا في محاولة يائسة لتبرئة نفسه من دون أن يكون قادراً على وضع اصبعه على الجرح.


لا أحد يريد أن يتذكر انه كان طوال عقود يوجد معسكران في مدخل الموصل من اتجاه بغداد ، اسم أحدهما مدرسة المشاة . كانت تعسكر فيه ثماني دبابات وأحياناً يرتفع عددها الى اثنتي عشرة دبابة من طراز تي اثنان وستون في أوقات كثرة دورات التدريب، وكانت تلك الدبابات طوال أيام السنة رابضة كأسود تنتظر أن تخرج من عرينها نحو العدو لتفترسه بالرغم من أن معظم المعسكر كان يعلم أنها دبابات للتدريب وليس فيها أية قذائف. كنا حين نسافر من الموصل الى بغداد نتطلع من نافذة السيارة وبالكاد نلمح شيئاً من تلك الدبابات التي كانت تمنح المدينة اطمئناناً عجيباً وللجيش هيبة لا تكسر. ثم جاء زمن نزلت فيه دبابات أكبر دولة في العالم الى الشوارع مثل التاكسيات وبعدها صارت السيارات المدرعة عنوانا آخر للجيش العراقي الذي اتخذ من قلب المدن مقرات ومثابات انتشار له ونسي ضواحي المدن والمسافات الواجب اتخاذها كنقاط دفاع عن المدينة من دون أن يشعر أهالي المدينة انهم مهددون من أي عدو . هناك خلايا نائمة داخل المدن لذلك العدو الخارجي ، هذا صحيح لكن ماذا استطاعت أن تفعل تلك القوات العسكرية المدرعة أصلاً للنائم من الخلايا.


لا أحد يعترف أن نمو تلك الخلايا وتكاثرها كان متأثراً بخضوع المدينة لمنطق العسكر كما لم تخضع له أية مدينة أخرى في العالم. وطبعاً يحدث ذلك كله في إطار تنافر وتناقر بين الادارة المدنية والسلطة العسكرية كالأطفال حتى انفتح المجال للتنظيمات التي تستطيع الدخول من الثغرات.


الآن ليس وقت كتابة تاريخ الهزائم والخيانات وبيع الأوطان، لأن شخوص النكسة لا يزالون في المشهد السياسي.


اليوم العراق منكوب،لايكفي وصف وضعه بالكارثة الانسانية، المصيبة أكبر بكثير ، والحلول نادرة وما يظهر منها للعيان ليس كافياً بل لعله ذو أثر عكسي في زيادة عمق الجرح.


انقذوا النازحين داخل العراق ووفروا فرص التحاق أبنائهم في المدارس بأي ثمن. لأن استمرار التدهور الاجتماعي والمعيشي سيصنع عشرات التنظيمات المتطرفة بعد سنوات. ولعل أغلبية اعضاء أي تنظيم متطرف كانت أعمارهم في سنوات الانحطاط بعد 2003 كانت مابين تسع سنوات وأربع عشرة سنة. وهذه هي النتيجة.