&عمر عدس وصباح كنعان


الخطوة التي اتخذها البرلمان البريطاني، بدعم الاعتراف بقيام دولة فلسطينية مستقلة، خطوة رمزية، ومؤشر على التغير الجاري في الرأي العام الأوروبي، لغير مصلحة الكيان الصهيوني، كما يقول بعض المراقبين .
استهلت صحيفة "نيويورك تايمز"، (14-10-2014) افتتاحية لها حول الموضوع، بالإشارة إلى رفض الولايات المتحدة و"إسرائيل" للقرار، الذي اتخذه مجلس العموم البريطاني يوم الاثنين13،-10 وقالت الصحيفة، إنهما محقتان في ذلك، وقللت من شأن القرار، لأنه مجرّد إيماءة رمزية لن تغيّر السياسة البريطانية حول قضية فلسطين . . إضافة إلى أنه اتخذ في غياب أكثر من نصف أعضاء البرلمان، ومع ذلك، تنبّه الصحيفة "إسرائيل" إلى ضرورة عدم الاستهانة بمدلولاته وإيحاءاته .


كتبت الصحيفة، إن القرار الذي أجيز بموافقة 274 مقابل 12 والذي اقترحه عضو البرلمان، غراهام موريس، من حزب العمال المعارض، غير مُلزم . وقد أوضحت حكومة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون المحافظة، أنها لن تغيّر نهجها، المتمثل في العمل مع الولايات المتحدة وغيرها للتوصل إلى حلّ تفاوضي قائم على أساس وجود دولتين .
وعلاوة على ذلك، فإن أكثر من نصف أعضاء البرلمان، البالغ عددهم 650 عضواً، بمن فيهم أعضاء محافظون، ومسؤولون كبار في حزب العمال، لم يحضروا التصويت، ممّا حد من تأثيره .
ولكن ينبغي ل "إسرائيل" وحلفائها- كما تقول الصحيفة- ألا يتجاهلوا الرسالة . فالتصويت علامة أخرى على الإحباط الذي يشعر به كثير من الناس إزاء الفشل في تحقيق اتفاقية سلام "إسرائيلية" فلسطينية، على الرغم من سنين طويلة من الوعود .


وتُذكر الصحيفة بانهيار آخر المحادثات التي توسطت فيها الولايات المتحدة في إبريل/ نيسان، بينما تستمرّ "إسرائيل" في بناء مستوطنات جديدة أو توسيع المستوطنات القائمة، مقلصة بذلك المنطقة المتاحة لدولة فلسطينية، ومتجاهلة المجتمع الدولي الذي يعتبر ذلك البناء غير شرعي .
وقد زادت الحرب الأخيرة في غزة، بين "إسرائيل" وحماس، التي أودت بحياة أكثر من ألفيْ فلسطيني و73 "إسرائيلياً"، من الإحساس بأن العنف سوف يظل يتكرر، بينما يبقى السلام صعب المنال .
وقد خاض المشرّعون البريطانيون نقاشاً حول القرار دام خمس ساعات . ورفض المؤيدون للإجراء الفكرة التي تقول إن الاعتراف سوف يُلحق الضرر بعملية السلام . وقال أحدهم، "ليس هنالك سلام، ولا عملية سلام" .
ولكن، ربما كان أقسى تقدير للموقف، هو الذي عبّر عنه ريتشارد اوتاواي، النائب المحافظ، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية، الذي قال إنه "وقف إلى جانب "إسرائيل" في الصغيرة والكبيرة في السنوات الجيدة والسنوات السيئة"، و"في الظروف العادية، كنت سأعارض الإجراء المطروح الليلة؛ ولكن غضبي إزاء السلوك "الإسرائيلي" في الشهور الأخيرة، بلغ حدّاً جعلني لا أعارض هذا التحرك . وعليّ أن أقول لحكومة "إسرائيل"، إنها إذا كانت ستخسر أناساً مثلي، فسوف تخسر كثيراً من الناس" .


وتقول الصحيفة، إن هذا هو أحدث الجهود للضغط على "إسرائيل"، لتوقف توسيع الاستيطان وتلتزم بمفاوضات سلام جدية . فقد أعلنت حكومة السويد التي تنتمي إلى يسار الوسط مؤخراً، أنها ستكون أول دولة رئيسية في أوروبا الغربية تعترف بفلسطين . وحثّ الرئيس الفلسطيني، محمود عباس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على تحديد موعد نهائي لإنهاء الاحتلال "الإسرائيلي" .
وقد فرض الاتحاد الأوروبي قيوداً على القروض للمؤسسات العلمية "الإسرائيلية" التي تعمل في الضفة الغربية، ولديه خطط لوسم المنتجات المصنوعة في مستوطنات يهودية، والضغط يتزايد لاتخاذ إجراءات أخرى .
وتقول الصحيفة إن تصويت يوم الاثنين، يوحي بأن "إسرائيل" تُرى بصورة متزايدة، مطالبة بأن تفعل المزيد من أجل كسر الجمود وإنهاء المأزق . .
وفي صحيفة "الغارديان"، (13-10-2014) وتحت عنوان "تصويت أعضاء البرلمان البريطاني على الاعتراف بدولة فلسطينية، جزء من اتجاه عالمي متنامٍ"، كتب ايان بلاك وبيتر بيومونت: إن النقاشات الساخنة ليست شيئاً جديداً في التاريخ المعقد لأقدم صراع في الشرق الأوسط . ولكن تصويت يوم الاثنين على إمكان الاعتراف بالدولة الفلسطينية، يأتي في لحظة حساسة على نحو غير عادي . وبصرف النظر عن نتائجه، فإنه جزء من اتجاه عالمي متنامٍ .
يقول الكاتبان، إن كون التصويت رمزياً ومجرّداً، وغير ملزم للحكومة البريطانية، لا يقلل من أهميته . صحيح أن الاتجاه الذي تسير فيه الأمور (في بريطانيا) واضح فعلاً، وأن ديفيد كاميرون، يرفض أن ينفصل عن باراك أوباما، ولكن الأمور قد تتغير بعد الانتخابات النصفية الأمريكية في الشهر المقبل .


ويشير الكاتبان إلى الأهمية الخاصة التي يحظى بها الموقف البريطاني من القضية، بسبب عضويتها الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إضافة إلى إرث وعد بلفور، الذي وَعد عام 1917 بدعم إقامة وطن قومي يهودي في فلسطين، التي كانت تتمتع بأغلبية عربية يومئذٍ، وما تلاه من حكم بريطاني على مدى 30 عاماً قبل خلق الكيان الصهيوني عام 1948 .
ويقول الكاتبان، إن عمليات التصويت التي ستجري في وقت لاحق، في برلمانات ايرلندا، الدنمارك، فنلندا، وفي فرنسا بوجه خاص- بسبب عضويتها في مجلس الأمن- سوف تؤكد على الأرجح، تحوّل الرأي العام في أنحاء أوروبا . ويتوقع الكاتبان أن يسير معظم الدول الأخرى على هذا النهج، الذي يهدف إلى المحافظة على حيوية حل الدولتين، للصراع الفلسطيني- "الإسرائيلي"، حيث لا يلوح في الأفق حل آخر .
وكتبت صحيفة اندبندنت، (13-10-2014) على الرغم من أن هذه خطوة رمزية، فإنها تشير إلى تغيّر كبير في المشهد السياسي، في أعقاب مفاوضات السلام المتعاقبة، والصراع المرير في غزة خلال الصيف . ومما له دلالة كبيرة، أن حزب العمال قد حشد أعضاءه في البرلمان للتصويت لصالح القرار، مما يثير احتمال قيام الحزب بتحدّي رغبات "إسرائيل"، والاعتراف بدولة بفلسطين، إذا وصل إلى السلطة في الانتخابات المقبلة .