محمد عارف

«لا حاجة لأن تكون مجنوناً لتفهم ما يجري في الشرق الأوسط، لكن ينفع إذا كنت كذلك»، ينصح الأكاديمي العراقي غازي درويش في تعليقه على مقالة للكاتب الأميركي آدم تايلر عنوانها «9 محاولات لشرح التعقيد المجنون للشرق الأوسط». ومقالة تايلر ملصق «كولاج» يجمع بين قصاصات صحف، وخرائط، ورسوم غرافيك، وإحصائيات، وبينها رسالة قارئ إلى صحيفة «فاينانشيال تايمز» اللندنية يَذكُرُ فيها أن «إيران تؤيد الأسد، ودول الخليج ضد الأسد، والأسد ضد الإخوان المسلمين، والإخوان المسلمون وأوباما ضد السيسي، لكن بلدان الخليج تؤيد السيسي، يعني ضد الإخوان المسلمين، وإيران تؤيد حماس، لكن حماس تؤيد الإخوان المسلمين، وأوباما يؤيد الإخوان المسلمين، لكن حماس ضد الولايات المتحدة، ودول الخليج مع الولايات المتحدة، لكن تركيا مع دول الخليج ضد الأسد، إلا أنها تؤيد الإخوان المسلمين وضد السيسي.. ومرحباً بكم في الشرق الأوسط، ونهاركم سعيد»! كاتب الرسالة كما يبدو من توقيعه «الصباح» عربي، ورغم تعقيد تفاصيل رسالته فإنها قابلة للفهم، أعقد منها خريطة الكره والحب بين الأطراف المختلفة في المنطقة، والتي رسمها المدوّنُ المصري «فرعون الكبير»، وبدت كأهرامات متداخلة ثلاثية الأبعاد تقيمها المشاعر الصاعدة والنازلة بين الدول والجماعات الإسلامية، السهم الأزرق يرمز للدعم، كما بين روسيا وسوريا، والأحمر للعداء، كما بين تركيا والأسد، والأخضر لا موقف له، كما بين واشنطن و«داعش».

والخرائط ظريفة في مدونة «راديو أوروبا الحرة»، حيث ترمز رسوم وجوه حمراء للعداء، كما بين «حزب الله» و«القاعدة»، وترمز وجوه خضراء باسمة للصداقة، كما بين سوريا وإيران، أو سوريا والعراق، وترمز وجوه صفراء لعلاقة معقدة، كما بين تركيا وإسرائيل، أو «القاعدة» وإيران. و«السلطة الفلسطينية» أكثر الجهات تعقيداً، في علاقاتها مع مصر و«حماس» و«حزب الله» وإيران وسوريا والولايات المتحدة. وجميع الوجوه حمراء في خانة «داعش» التي تسجل الرقم القياسي في العداء للجميع دون استثناء.

والإرهاب كالجنون الذي يقول عنه الشاعر الفرنسي بول فاليري «الرجل ذو العقل السليم، هو الذي يُبقي مجنونه الداخلي تحت القفل». وقد تكسرت أقفال الفكر العربي العلماني، الذي شارك بعض ممثليه سياسياً وذهنياً ومالياً باقتسام كعكة الاحتلال المسمومة.

ومن لا يعرف في عصر المعلومات حوادث جرح وقتل وتشريد ملايين العرب والمسلمين. و«هذا سابع قصف بالقنابل يشنه أوباما على العالم الإسلامي منذ حصوله على نوبل للسلام»، يُذكرنا بذلك جون بيلجر، أحد أشهر الكتاب الغربيين المناهضين لاحتلال العراق، والذي يقارن بين تنظيم «داعش» وصعود قوات «بول بوت» التي عاصرها ووثّقَ جرائمها في كمبوديا.

ويوردُ «بيلجر» إحصاءات موثقة حول ما فعله غزو بوش وبلير للعراق، حيث بلغ عدد القتلى 700 ألف.

وكما يقول فولتير «إذا أردت أن تعرف من يتحكم بك ابحث عمّن تخشى أن تنتقده». وفي العراق المحتل خشيت النخبةُ المثقفة أن تعارض المحتلين والمرجعيات الدينية التي هادنت الاحتلال. وقد فتح ما بدا آنذاك تصرفاً حصيفاً أبواب جهنم على مصاريعها عبر العالم العربي والإسلامي. ووقعت مهمة مقاومة الاحتلال والطائفية على عاتق أقلية وطنية، ومجموعات من عسكريين، وطواقم إدارية للنظام السابق آذاها الاحتلال مباشرة في رزقها. وعندما شرع نظام الاحتلال والطائفية بإنشاء قوات مسلحة جديدة، حلّت اللحظة الصعبة التي وجد فيها قادة مقاومة الاحتلال أنفسهم «ينفذون إرادة أميركا» بقتل المجندين الذين يمثلون الفقراء، وغالبيتهم جماهير الشيعة المسحوقين. جاء ذلك، في لقاء نادر معهم أجراه غيث عبد الأحد، مراسل صحيفة «جارديان» آنذاك في العراق.

«حروبنا في الشرق الأوسط كانت المحرك الأساسي لتجنيد جماعات إرهابية. و«داعش» نتاج المسؤولين في واشنطن ولندن، الذين دمروا كلا من الدولة والمجتمع في العراق». جاء ذلك في رسالة مفتوحة وجهها السفير البريطاني السابق أوليفر مايلز لتحذير كاميرون من تكرار خطأ بلير. و«يوماً ما سنصبح جميعاً إرهابيين»، يقول صحفي أميركي مُنح أرفع جائزة أدبية أميركية «بوليتزر» عن تغطيته للإرهاب العالمي. وعلى خلاف ما نتوقع فالكاتب «كريس هيجز» لم يكشف عن جرائم عصابات الإرهاب، وأسرارها، وأموالها، ممّا لا يُراد منا أن نرى غيره، بل كشف عن إرهاب محاربة الإرهاب.

وعندما يروي «هيجز» قصة الشاب الأميركي المسلم «سيد فهد هاشمي» ندرك لماذا، وكيف التحق مئات الأميركيين وشباب بلدان غربية عدة بالمنظمات الإرهابية. فالتهم الموجهة إلى «هاشمي» بالتراسل مع «القاعدة» قد تسجنه 70 عاماً، وهو يقبع في سجن انفرادي سنتين ونصف السنة من دون محاكمة، ومُحرّمٌ عليه الاتصال بغيره من السجناء، أو بمحاميه.

وهاشمي خريج كلية بروكلين في نيويورك، وحاصل على ماجستير في العلاقات الدولية من جامعة «متروبوليتان» في لندن، و«جريمته أنه متحدث مفوّه ضد اضطهاد المسلمين، والقيود الحسية المفروضة عليه من أقسى أشكال التعذيب السيكولوجي، وأشدها تأثيراً وتحطيماً للمعتقل وتشويشهاً».
&