مصطفى الكاظمي

حتّى الآن، تسير العلاقات بين الرؤساء العراقيّين الثلاثة الجمهوريّة، والحكومة، والبرلمان، على الطريق الصحيح، وأجواء الصراع والتوتّر التي سادت هذه العلاقات طوال السنوات السابقة، أفرغت مكانها لسلوك أكثر ودّية، ورغبة في التعاون والتكامل. لكنّ التعاون ليس مجرّد صورة إعلاميّة، بل يجب أن يكون سياق عمل، ويتحوّل إلى آليّات تمكّن السلطات الرئيسيّة من الخروج بالبلد، من مرحلة الخطر التي يعيش فيها اليوم.

&كان واضحاً أنّ روح التعاون بين رئيس الحكومة حيدر العبادي، ورئيس البرلمان سليم الجبوري، كانت إيجابيّة، وساهمت في إكمال التشكيلة الحكوميّة، بعد اختيار وزيري الدفاع والداخليّة، ولم يحاول أيّ طرف إلقاء اللوم على الآخر، في تأخير اختيار الوزراء، ممّا سمح بتمرير وزراء لوزارات استمرّت شاغرة طوال ولاية حكومة المالكي الثانية.

وهذه خطوة هامّة لم تكن لتتحقّق لولا أجواء التعاون التي سادت منذ تكليف حيدر العبادي تشكيل الحكومة، حتّى أنّ الأخير طلب بنفسه، أن يتحدّث مع البرلمان في جلسة التصويت حول الوضع الأمنيّ، وطلب من أعضاء البرلمان بمناقشته حول التطوّرات على الأرض، وهي خطوة لم تشهدها الدورة السابقة.

وفي المقابل، بدا أنّ هناك تنسيقاً في المواقف والتصريحات بين الجبوري والعبادي من جهّة، وبين رئيس الجمهوريّة فؤاد معصوم من جهّة أخرى، حيث بدت كلّ تصريحات الأخير منسجمة مع الإطار العامّ للحكومة، وهذا أمر لم يكن بدوره حاضراً سابقاً، فكثيراً ما بدت آراء الرؤساء متضاربة وغير متطابقة، حول القضايا الأساسيّة.

الواقع أنّ استعراض نمط أداء الرؤساء الإيجابيّ، يلقي بظلاله على العلاقة بين المكوّنات العراقيّة، إذا ما أخذنا في الاعتبار، أنّ الرئاسات الثلاث، تمثّل المكوّنات العراقيّة الثلاث (سنّة وشيعة وأكراد)، وأنّ حدوث أيّ تضارب في مواقف الرؤساء كان يحسب باعتباره تضارباً في توجّهات هذه المكوّنات، وتلك إشارة بالغة الخطورة، كان لها أثر سلبيّ في مجمل الأوضاع العراقيّة.

لكنّ كلّ ذلك يرتبط في درجة ما، بجهود شخصيّة للرؤساء أنفسهم كشخصيّات تصالحيّة، واستجابة لضغوط سياسيّة وأمنيّة محليّة ودوليّة، تذهب كلّها إلى ضرورة أن يكون العراق موحّداً في حربه ضدّ تنظيم "داعش". وهذه الأجواء في حاجة إلى تأصيل للمستقبل، لتتحوّل إلى مشروع عمل مشترك.

وأكثر من ذلك، فإنّ التعاون بين الرئاسات يتطلّب إعادة تحديد صلاحيّات هذه الرئاسات. فيشير الدستور العراقيّ&وتفسيراته القانونيّة، كلّها إلى وجود تداخل في سلطات الرئاسات الثلاث، في حاجة إلى توضيح وتوصيف، في شكل ضوابط وقوانين قادرة على تحقيق استقرار طويل الأمد في نتاج التعاون في أعلى السلطات العراقيّة.

ويمكن الاشارة الى المادة 66 التي تصف السلطة التنفيذية بانها تتكون من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ، من دون تحديد لحدود صلاحيات كل من الطرفين ومسؤولياتهما، كما يمكن الانتباه الى ان البرلمان العراقي عانى طوال السنوات الماضية من تفسير المادة 60 من الدستور والتي تتداخل فيها بشكل غير واضح حدود صلاحيات البرلمان والحكومة في تشريع القوانين، بالاضافة الى مشكلة الاشراف على الهيئات والمؤسسات المستقلة في المادة 103 والتي كانت مثار نزاع دائم بين الحكومة والبرلمان.

واستثمار الأجواء الصحيّة التي تعيشها السلطات العراقيّة اليوم، يجب أن يكون سريعاً، لمحاولة فكّ الاشتباك في الصلاحيّات وفي الآليّات، فالأحداث العراقيّة أثبتت أنّها كانت دائماً تسمح بنشوب خلافات كبيرة، ومن الصعب الاعتماد على صفات القيادات فقط لحفظ السلم الاجتماعيّ، والتوافق السياسيّ على المدى الطويل.

أبرز ما يمكن الحديث عنه، وكان مثار جدل دائم طوال الأعوام الماضية، هو امتناع الحكومة عن الاستجابة إلى الرقابة البرلمانيّة من جهّة، وتشابك آليّات إصدار القوانين بين الحكومة والبرلمان من جهّة ثانية.

وتخصّ هذه الإشكاليّة جوهر عمل السلطة التشريعيّة التي تقوم على ركيزتين أساسيّتين، هما: تشريع القوانين، والرقابة على الأداء الحكوميّ، ما يتطلّب إيجاد آليّات جديدة تسمح للبرلمان بالقيام بهاتين المهمّتين في شكل سلس، من دون أن يتقاطع ذلك مع صلاحيّات الحكومة، ومن دون أن يقود إلى توتير العلاقة بين الطرفين.

ليس الوصول إلى هذا النوع من التفاهم حول الآليّات مستحيلاً اليوم، فالجميع بات يدرك قيمة التعاون، مثلما يدرك النتائج الكارثيّة التي خلّفتها أجواء الصراع والتناحر الحزبيّ والشخصيّ.

على حكومة الذعبادي أن تصرّ على إخضاعها إلى الرقابة والاستجواب البرلمانيّ، وعلى البرلمان أن يقدّم الجانب المهنيّ في الرقابة على الجانب السياسيّ، وعلى الطرفين إيجاد تفاهم حول طريقة إقرار القوانين من دون تأخير، ومن دون أن تقود بيروقراطيّة الحكومة إلى عرقلة قوانين أساسيّة، وأن تؤدّي صراعات البرلمان الداخليّة، إلى عرقلة قوانين أخرى. يمكن لهذا الواقع فقط أن يضع العراق على الطريق الصحيح نحو المستقبل.

&