&فرضت الظروف الأمنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية واقعاً صعباً على المرأة العراقية بعد الاحتلال الأمريكي للبلد في عام ،2003 فهي إن لم تدفع الثمن بنفسها من خلال الموت أو الإعاقة، فإنها لابد أن تدفعه عبر بوابة فقدان الزوج أو الأب أو الأخ أو الابن جراء الأعمال الإرهابية التي ضربت البلد، أو من خلال عمليات الاحتلال القمعية ضد العراقيين . وقد أدى هذا الواقع المرير إلى محاولة التنظيمات الإرهابية استغلال مأساة بعض النساء العراقيات لتجنيدهن للقيام بعمليات معينة لخدمة مصالحها وأهدافها في بلاد ما بين النهرين .


تنظيم "داعش" الإرهابي قام بتجنيد الكثير من النساء في صفوفه بطرق مختلفة، منهن مَن وافقن إيماناً بعمل وأهداف وخطط ومشاريع هذا التنظيم كونهن ينتمين بالأساس إلى عائلات مبايعة له، وبالتالي لم يجد القائمون على التنظيم صعوبة في إقناعهن، وكذلك في تجنيدهن للعمل معه بمسؤوليات مختلفة وكل حسب ظروفها وقناعتها وقناعات عائلتها، وتحديداً زوجها . فيما حاول التنظيم استغلال الظروف المعيشية والإنسانية الصعبة لبعض النساء من خلال تأمين رواتب شهرية لهن أو منح مالية أو المساهمة في تخفيف ضغط الحياة عليهن، فضلاً عن أساليب أخرى .
ونجح التنظيم في تجنيد عدد لا بأس به من النساء للعمل معه، إذ دائماً ما يكون عمل النساء مثمراً، لأن الأهداف التي تحدد لها تكون كبيرة من خلال الإيقاع ببعض المسؤولين عن طريقهن أو من خلال استخدامهن في نقل الأسلحة والعبوات الناسفة بين منطقة وأخرى، وكذلك من خلال الاستعانة بهن في نقل البريد الخاص بالتنظيم . وأصبحت المرأة العراقية شريكة "داعش" في تنفيذ أعماله الإرهابية، وقد قتل بعضهن واعتقل البعض الآخر وهربت أخريات بعد أن نجحت الأجهزة الأمنية العراقية في تفكيك بعض خلايا هذا التنظيم في المحافظات وتحديداً في العاصمة بغداد .

آليات وعقائد

قال الخبير الأمني المتخصص بشؤون الجماعات الإسلامية الدكتور هشام الهاشمي: بالنسبة لعمليات تجنيد المرأة بتنظيم "داعش" يحتاج الأمر إلى عملية تمحيص قوية جداً من قبل القائمين على التنظيم، حيث يشترط أن تكون المرأة التي ترغب في التجنيد والعمل معهم مقتنعة بأفكار "داعش" وأيديولوجياته وعملياته أو من الأسر التي فيها أزواج أو آباء أو إخوة أو أبناء يعملون في التنظيم ومعروفون بصدق انتمائهم العقائدي للتنظيم وقاموا بمبايعته من قبل . لأن آليات التنظيم لا تعتمد مطلقاً على جلب أنصار له من المساجد أو الدعوات الدينية والإرشادية أو عبر العلاقات، بل الاعتماد كلياً على المبايعة . وعليه فإن عملية تجنيد النساء تعتمد اعتماداً كلياً على الأسر التي بايعت "دولة البغدادي" .
وأضاف الهاشمي أن استغلال المرأة في خدمة تنظيم "داعش" يتخذ أشكالاً من نقل البريد مروراً بنقل الأسلحة الخفيفة والعبوات الناسفة ومتابعة الأرامل والأيتام والقضايا القانونية بالنسبة للسجناء في المعتقلات العراقية وزيارتهم فضلاً عن القيام بتوكيل محامين قانونيين للمساهمة في إخراج المعتقلين من السجون أو تخفيف الأحكام عليهم، وفي الوقت نفسه هناك نساء ينتمين إلى "داعش" يجدن في أنفسهن القدرة على تنفيذ العلميات الانتحارية التي تعرف لدى التنظيم باسم "العمليات الاستشهادية" . مبيناً أن الانتحاريات لدى "داعش" يحصلن على الإذن من أزواجهن أو آبائهن أو إخوانهن وبعد ذلك يتم الاتفاق على اختيار هدف ووقت ومكان تنفيذ العملية الانتحارية . لافتاً إلى أن الكثير من نساء "داعش" يحملن السلاح بشكل مباشر وفي ميادين القتال، بينما هناك أخريات لدى التنظيم يتم استغلالهن في الملف الأمني لغرض الإيقاع ببعض ضباط ومنتسبي الأجهزة الأمنية، لأن هناك الكثير من منتسبي الأجهزة الأمنية لا يمكن اصطيادهم إلا عبر شرك النساء من خلال الاتصال بهم عبر الهاتف النقال، والحال ذاته ينطبق على أبناء بعض الشخصيات الذين يرغب التنظيم في اختطافهم أو اغتيالهم من أجل تحقيق غايات معينة .
وتابع الهاشمي أن تنظيم "داعش" استخدم النساء أيضاً في عمليات خطف الأطفال وتحديداً أولاد المسؤولين أو منتسبي الأجهزة الأمنية ولاسيما الضباط الكبار في وزارتي الدفاع والداخلية، كما يتم تجنيدهن لغرض جمع المعلومات عن بعض الشخصيات أو الأماكن الحساسة على اعتبار أن حراك النساء في أغلب الأحيان لا يثير الشبهات حوله، على العكس من حراك الرجال وتحديداً الشباب، الذي يثير شكوك منتسبي الأجهزة الأمنية .
وأشار الهاشمي إلى أن النساء في التنظيم غالباً ما يتبعن أزواجهن وذويهن، لكن أغلبهن يبحثن عن الكفالة الاجتماعية التي تبدأ من ثلاثمئة دولار أمريكي شهرياً وصولاً إلى ألف دولار أمريكي . كذلك تتم الاستعانة بهن بما يعرف باسم "الجيش الإلكتروني" أو الإعلامي الذي يروج لدولة البغدادي خاصةً على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" .
وأضاف: أغلب هؤلاء النسوة بعد توظيفهن في التنظيم يشعرن بالإيمان به، لكن إذا حصل نوع من الشك لدى قيادات التنظيم بشأن إخلاص بعضهن للتنظيم أو قياداته، فإنه لا يتم تكليفهن بالأعمال ولا يطلعن على أسرار التنظيم وخططه وتحركاته المختلفة، لأن التنظيم لديه خشية كبيرة من احتمالات قيام خرق صفوفه من قبل الأجهزة الأمنية العراقية أو حتى الأجهزة الاستخبارية الأخرى .
وعن نظرة المجتمع العراقي للمرأة التي تعمل مع التنظيمات الإرهابية ذكر الهاشمي أن المجتمع العراقي يرفضها على اعتبار أن المرأة هي من "تصنع الحياة" ولكن هناك استفادة كبيرة للتنظيمات الإرهابية من المرأة، لأن القانون العراقي يخفف من عقوبتها في حال قيامها بأعمال إرهابية لأنها امرأة فقط، باستثناء المتورطات في القتل فمصيرهن إلى الإعدام، حيث يعتبر القضاة العراقيون أن المرأة المتورطة في العمليات الإرهابية هي مكرهة عليه .

إغراءات مالية



&

من جهته، قال العميد سعد معن، الناطق الرسمي باسم قيادة عمليات بغداد: قد نعطي عذراً للمرأة لأنها تعيش في المجتمع الشرقي ودائماً تكون مغلوبة على أمرها، حيث يتم استغلالها من خلال ترهيبها بأمور مختلفة بسبب هيمنة المجتمع الذكوري على المجتمع، فضلاً عن ذلك هناك بعض الرجال يقومون باستخدام الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي توظف بطريقة خاطئة حول موضوع جهاد المرأة بطرق مختلفة ومنها ما يجعلها تقوم بتفجير نفسها وهذه مأساة كبيرة، لأن المرأة هي من تربي الأجيال وهي من تعطي الحنان وهي من تبني المجتمعات، وبالتالي فإن وصولها لتلك القناعات سيأتي بنتائج كارثية على عموم المجتمع الذي تعيش وسطه .
أضاف معن أن تنظيم "داعش" يستغل اللاتي يعانين من اضطرابات نفسية ومشكلات اجتماعية مختلفة، خصوصاً النساء اللاتي يفقدن أزواجهن، حيث يستغل التنظيم ضعف قدراتهن المادية بسبب تخلي أهل الزوج عن رعاية الأطفال وزوجته أو حصول مشكلات حول الإرث أو حول من يقوم بتربية الأطفال أو أين يسكنون وما شابه، كل هذه المشكلات المختلفة إذا اجتمعت ستؤدي إلى تعرض المرأة الأرملة وحتى المطلقة إلى ضغوط نفسية كبيرة جداً، وبالتالي يستغل التنظيم تلك المشكلات لكي يقوم بعرض بعض الإغراءات المالية في البداية على النسوة ومن ثم يقوم بإدخال فكر التنظيم الدموي إلى عقولهن حتى وصل الأمر ببعض النساء إلى الاقتناع بتنفيذ العمليات الانتحارية .
وأوضح معن أن الأشخاص الذين ينتمون إلى"داعش" يقومون ببث فكر هذا التنظيم الإرهابي داخل عائلاتهم وبشكل تدريجي . حيث يقعن بعض النساء تحت سطوة وإرهاب هذا الفكر المتطرف جداً والدموي، وهنا لابد من الإشارة إلى أن أغلبية زوجات الإرهابيين المتشددين والذين لديهم قناعات غريبة جداً بممارسات "داعش" يقمن بعد مقتل أزواجهن أو تعرضهم للإعدام على يد السلطات القضائية العراقية بتنفيذ عمليات انتحارية بحجة الثأر للزوج .
وأشار سعد إلى أن بعض النساء تعرضن إلى الخدعة من قبل القائمين عليهن من الإرهابيين المتطرفين الذين يعملون مع التنظيم، وهذه الخدعة تتمثل بما عرف من أوساط التنظيمات الإرهابية ب"نكاح الجهاد" . حيث يتم المتاجرة بأجسادهن بين الإرهابيين وهذه الممارسة بعيدة عن الفكر الإسلامي النير وكذلك لدى عموم المجتمع العراقي الذي وضع المرأة في مكانة راقية جداً حيث عرف عن العراقيين التضحية بأنفسهم وبأموالهم وبكل ما يمتلكون من أجل صيانة شرف وحصانة النساء .
وأوضح معن أن الإرهابيين مارسوا كل الوسائل القذرة في سبيل تحقيق أهدافهم المريضة ومن هذه الوسائل استخدام النساء في نقل الأسلحة ولاسيما المسدسات الكاتمة والعبوات الناسفة بين مختلف الأحياء والمدن مستغلين الاحترام الكبير للمرأة من قبل رجال الأمن العراقيين، حيث يحرص رجال الأمن على احترام المرأة وتقديرها، لأنهم أبناء مجتمع يحترم التقاليد والأعراف والعادات والأخلاقيات التي تربى عليها .
وأكد أن الأجهزة الأمنية وبعد أن شخصت ممارسات الجماعات الإرهابية بشأن تجنيد النساء قامت بتدريب طواقم نسائية لتفتيش النساء في مختلف الأماكن وتحديداً الأماكن الدينية المقدسة وكذلك دوائر الدولة المختلفة وقد نجحت هذه الطواقم في الحد من ظاهرة استخدام النساء من قبل الإرهابيين لتنفيذ بعض أعمالهم الدنيئة بحق العراقيين عموماً .

تهديد وخطف

المحلل السياسي العراقي أمير الساعدي رأى أن عملية استغلال المرأة من قبل التنظيمات الإرهابية المختلفة، خصوصاً "داعش" والقاعدة والمسميات الأخرى، لا تقتصر فقط على العراق بل توجد في سوريا وكذلك في جميع البلدان التي تتواجد فيها مثل هذه التنظيمات المتطرفة . حيث حاولت هذه التنظيمات وعبر طرق مختلفة تحويل المرأة، هذا الكائن اللطيف إلى عنصر متوحش، بربري، مستغلة الظروف الصعبة لبعض النسوة خصوصاً الأرامل أو الأمهات الثكالى لكي تجندهن تحت حجج وذرائع مختلفة، منها ما يسمى ب"الجهاد" أو عبر أغرائهن بالأموال أو إجبارهن عن طريق تهديد النساء بخطف أبنائهن أو قتلهم إذا لم تستجب .
وأبدى الساعدي استغرابه الشديد من قيام بعض النسوة العراقيات بالتطوع مع الجماعات الإرهابية، مبيناً أن سبب الاستغراب يعود إلى أن المرأة العراقية معطاءة وتحب الحياة ومخلصة ومضحية، تمكنت من تدبير أمورها تحت أشد الظروف قسوةً، فكيف يمكن لها أن تتحول إلى عنصر قتل وموت بحق أبناء جلدتها من العراقيين؟ مستدركاً أن الثغرات النفسية والاجتماعية التي مرت ببعض النسوة العراقيات خلال السنوات الأخيرة ربما أدت إلى اتجاههن نحو العمل مع التنظيمات الإرهابية التي آذت العراقيين كثيراً، لكن ذلك سيؤدي إلى تهديم الأسرة والمجتمع على اعتبار أن العراقيين بكل طوائفهم يرفضون العنف .
ودعا الساعدي وزارة حقوق الإنسان وكذلك منظمات حقوق الإنسان الدولية إلى مراعاة الضغط الذي تتعرض له المرأة قبل أن تتوجه مكرهة للعمل مع التنظيمات الإرهابية المختلفة، إذ على هذه المنظمات وكذلك الحكومة العراقية إيجاد فرص عمل جيدة للنساء حتى تكون هناك حصانة ذاتية لهن ضد الإرهاب ومطامعه القذرة . ولابد من إبعاد المرأة عن الضغوط الاجتماعية والنفسية التي يتسبب بها الوضع الراهن إذا ما عرفنا أن هناك الآن أكثر من مليون عراقي نازح نتيجة إرهاب "داعش" والمرأة النازحة تعيش المأساة بكل تفاصيلها، أما المرأة الجالسة في منزلها فتتوقع أن يشملها النزوح لاحقاً إذا ما بقيت الأوضاع على حالها .
ولفت الساعدي إلى وجود أكثر من فضاء في العراق يسهم في إنتاج نساء متطرفات وتحديداً الرجال الذين يقتنعون أو يستفيدون من المنظمات الإرهابية، فضلاً عن العوز المادي والاضطرابات النفسية والمشكلات الاجتماعية . مشدداً على أن التنظيمات الإرهابية استخدمت المرأة كبريد متنقل، لأن تحركاتها بين الخلايا الإرهابية النائمة أوتلك التي تتواجد في ما يسمى ب"المضافات" لا تثير الشكوك أو الريبة عند الأجهزة الأمنية .
وأكد أن الحاجز النفسي والاجتماعي يجعل المرأة أضعف الحلقات في المجتمع العراقي كونه مجتمعاً قبلياً، ذكورياً توجد فيه الكثير من العادات والتقاليد والأعراف إن لم تكن دينية فهي أعراف اجتماعية، وبالتالي خروج المرأة على منظومة الأخلاق والأعراف الاجتماعية العراقية يجعلها محطة سهلة للضغوط والابتزاز، خصوصاً إذا كانت المرأة مسؤولة عن أسرة لا يوجد فيها رجل يعيلها . رغم أن هذا الأمر ليس مبرراً، لأن المرأة لو أرادت أن ترفض العمل مع المجاميع الإرهابية فيمكنها ذلك .