القاهرة - أمينة خيري

&


سؤال واحد وجّهته «الحياة» إلى ثلاثة من الشباب: ما أبرز ست دوائر في حياتك؟ بداية كان الافتراض الوحيد هو أن الدوائر الست هي أبرز ست مشكلات في حياتهم، مع اتفاق غير مسبق على أن تكون الدائرة الأخيرة الموحدة للجميع هي المستقبل المظلم. الأول تحدث عن الفقر المنتشر، والتعليم المتدني، والمرور البائس، والعمل السيء، والارتباط المزري، والمستقبل المظلم. الثانية تطرقت إلى الشهادة التي لا تعمل بها، والزوج الذي لا تحظى به، والأكلات التي لا تتقن إنجازها، والثورة التي فقدت طريقها، والجيران الذين لا يتركونها في حالها، والمستقبل المظلم. أما الثالث فحدّد العمل السخيف، والراتب المتدني، والأهل المزعجين، وقاعة الرياضة البدائية، والصديقة السمجة، والمستقبل المظلم.

ظلام المستقبل المتوقّع جمع الشباب الثلاثة، كذلك مواقفهم المتشائمة على رغم اختلاف دوائر مشكلاتهم، وشعورهم العارم بأنهم مفعول بهم غير قادرين على الفعل. ثلاثتهم فاقدو القدرة على التفكير بمقدار من الشجاعة، وشيء من الإقدام، وهو ما ينعكس سلباً وتراجعاً وسوءاً وتشاؤماً على حياتهم اليومية وحياة من حولهم.

حياة شباب مصر اليومية دخلت دائرة مفرغة من التشاؤم ثم الشكوى فإلى الضجر ثم صب جام الغضب على الجميع من ظروف وأحوال وبلاد وعباد، باستثناء منبع المشكلة ومصدرها ألا وهو أنفسهم.

«كل ما نحن فيه هو من صنع أيدينا، سواء اعترفنا بذلك أم رفضنا أن نعترف. ألم يقل آينشتيان من قبل إن الجنون هو أن نستمر في عمل الأشياء نفسها بالطريقة نفسها ثم نتوقع نتائج مختلفة؟!». صدق آينشتاين في تساؤله المنطقي الفريد الذي يعيد طرحه مدرب «ذكاء المشاعر» ياسر فتحي ومبتكر الدوائر الست ومؤلف كتاب يحمل العنوان نفسه «ست دوائر» والتي يؤكد أنها قادرة على تغيير حياة 90 مليون مصري، لا سيما الشباب والشابات منهم.

الدوائر الست التي يتحدث عنها فتحي هي بالترتيب: نتائج قديمة، تصرفات قديمة، أفكار قديمة، ومنها إلى نتائج جديدة، تصرفات جديدة، وأخيراً أفكار جديدة. كل مجموعة من الدوائر الست تختص بشيء واحد محدد ومعرف في واقع صاحبه يريد أن يغيره، وذلك منعاً لاختلاط الأفكار والتصرفات والنتائج. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يشرح فتحي مشكلة «تامر» الموشك على التقدم إلى وظيفة، وتصرّف بالطريقة التي يعتقد إنها ستمكنه من النجاح في الحصول عليها، من إعداد سيرة ذاتية، واستعداد للمقابلة، إلخ.

لكن الفكرة المتمكّنة من «تامر» هي إنه من الصعب أن يحصل على الوظيفة. يقول «تامر» لنفسه: «مؤهلاتي غير كافية، وهشام صديقي يحمل مؤهلاً أفضل ومن ثم احتمال حصوله عليها أكبر، وغير هذا وذاك فإن لا أحد يحصل على وظيفة إلا بالواسطة، كما إنه من غير المعقول أن أحصل أنا على مثل هذه الوظيفة في ظل نسب البطالة المرتفعة في البلد. ثم أن الموظف المسؤول سيسألني بكل تأكيد أسئلة لن أتمكن من الرد عليها. عموماً سأعمل ما أستطيع، لكنني على يقين من فشلي».

اليقين بالفشل يجلب الفشل، كذلك اليقين بالنجاح مدعماً بالعمل يجلب النجاح. يقول ياسر فتحي إنه في حالة «تامر» سيحدث التالي: «سيتصرف خادمه المطيع بطاعة عمياء بينما ينهال عليه بكل تلك الأوامر الواضحة. ستتحرك عضلات وجهه أثناء المقابلة ليبدو عليه الارتباك. وسينسى إجابات الأسئلة التي يعرفها. وسيتلعثم بينما يتحدث، وفي حال تطلبت الوظيفة بشاشة الوجه والانطلاق في الحديث فسيكون متجهماً متلعثماً بكل تأكيد لأن هذه هي الرسائل المرسلة منه إليه».

الرسائل المرسلة من «تامر» إلى «تامر» إثنتان لا ثالث لهما. إما أن القدر ضده، والظروف تعانده، والأوضاع تعاديه، ومن ثم لا داعي لبذل الجهد لأنه مهما بُذِل من جهد فهو ضائع. أو أن القدر سينصفه، والظروف ستساعده، والأوضاع ستتحسن، ومن ثم فإن كل جهد مبذول سيؤدي إلى نجاح، إن لم يكن هذه المرة، فالمقبلة.

وحين أقبل سائق الأجرة بسيارته المزرية ومقاعده القذرة وأبوابه المتصدّعة والرائحة المنفرة، ركب ياسر فتحي وهو على يقين مما سيحدث. أمضى السائق طريقه في بكائية عن الحال المتردي والوضع المعثر والزمن الذي اختار له أن يكون ضحية. وفي شارع القصر العيني، وأمام البالوعات التي تطل برؤوسها أعلى الطريق، وصلت البكائية أقصاها، فما كان من فتحي إلا أن باغته بالسؤال الوجودي: «ما سبب هذه الرائحة النتنة في السيارة؟ لماذا لا تنظفها؟ ولماذا لا تعتني بمظهرك ونفسك وسيارتك؟ لو فعلت ذلك، سيقبل الزبائن على الركوب معك ويتحسن وضعك الاقتصادي. بالوعات الشارع لا علاقة لها برائحة السيارة. أنت السبب».

ولأن سبب تدهور الأوضاع وتدنّي الأحوال لا يعود كله إلى أصحاب المشكلات أو المعانين من التنبؤ بالمستقبل المظلم، فإنه يسهل - لا سيما للشباب - التعلق بقشة «لماذا أفعل الأشياء بالطريقة الصحيحة وغالباً تكون الصعبة إذا كان كل من حولي يفعلونها بالطريقة السهلة؟» هذه المرة تأتي الإجابة سهلة. يقول فتحي: «لأن قواعد النجاح في الحياة هي نفسها المبادئ الكونية منذ بدء الخلق، وتتلخص في أن من يجتهد ينجح». والنجاح في الحياة في مصر ملقى على عاتق شعبها وثقته في نفسه، والنسبة الأكبر فيه من الشباب. يقول ياسر فتحي إن تشويهاً مقصوداً أصاب الشخصية المصرية على مدى عقود طويلة، ومحاولات مستمرة لإفقاده ثقته في نفسه، لكن كل ما يحتاجه المصريون هو إزاحة ما علق بهم من أتربة السنين ورماد الماضي ومحاولات إفقادهم ثقتهم في أنفسهم. ويقول «نحن محتاجون إلى إعادة بناء هذه الثقة لتغيير ما في داخل دماغ كل منا عن أنفسنا ومستقبلنا. تعالوا نبدأ من الدماغ».

فسّر واقعك في أول دائرة، ثم تصرفاتك التي أدت إلى هذا الواقع في الثانية، ثم اكتب الأفكار التي جعلتك تتصرف بهده الطريقة في الثالثة، وفي الرابعة أكتب الواقع الذي ترغب فيه. أما الخامسة فاكتب فيها التصرفات الجديدة التي تستوجبها النتائج الجديدة والواقع الجديد. وفي الدائرة السادسة والأخيرة، أكتب الأفكار الجديدة لكن بعد تفكير في القديمة وتصحيحها والتخلص مما لا طائل منه، والبناء على المفيد وابتداع الجديد. هي دوائر تنقل صاحبها من المظلومية إلى المسؤولية.
&