ضد التحالف في سورية .. مع التحالف في ليبيا

فيصل العساف

مضى الحديث مع السيدة الأميركية في صالة المطار إلى حيث تنبأت، عن الإسلام السياسي والجماعات المتطرفة، حديث الساعة.

&

تقول إنها قرأت بإعجاب كتاب المستشرق الأسكتلندي السير وليام موير «حياة محمد»، الذي أسهب في الحديث عن فضائل شخصية النبي الكريم «محمد» عليه الصلاة والسلام، وكيف أنه كان صبوراً في ضعفه، حليماً حين امتلك المقدرة على أعدائه، دخل مكة فاتحاً يتقدمه العفو وسعة الصدر، وأنه لم يحصل أن أخرج اليهود من أرض العرب، بل تعايش معهم، وكانوا مواطنين تحت إمرته يحكمهم دستور المدينة، حتى نقضوا عهدهم فحكم عليهم بالنفي، حكماً قانونياً ليس ببعيد عن أحكام القرن الـ21. ثم سألتني السيدة السؤال الكبير: لماذا لستم مثل نبيكم؟ من هم «القاعدة» و«داعش» و«خراسان» و«جبهة النصرة»، و«حزب الله» و«عصائب الحق»؟

&

من السهولة معالجة مثل هذا الحرج بالمبادرة بالتبرؤ من هذه الجماعات، التي وضعتنا موضع الدفاع عن خاتم الأديان وأكملها، إنما سؤالها الذي بدا بسيطاً، يحمل الكثير من المعاني والتأويلات.

&

الجماعات المتطرفة، «داعش» وغيرها لا تمثل الإسلام فعلاً، إنما هي تعمل باسمه، تمارس الجريمة المنظمة باسمه، هي إذنْ مدَّعية وسارقة لاسم الإسلام، كمن يسافر بجواز سفر مزور، يعي كثيرون ذلك، حتى الغرب أصبح اليوم أكثر اقتناعاً أن هذا التزوير غداً مفضوحاً.

&

مذيعة شبكة «سي إن إن» الأميركية كريستيان أمانبور تقول: «إنها تستوقف العرب والمسلمين في الشارع وتسألهم هل أنتم مع داعش؟ فيسارعون بالنفي القطعي»! تقول: «هناك وعي شعبي في المجتمع المسلم يرفض هؤلاء. الوضع لا يشابه الحرب ضد القاعدة في 2001.

&

أما لماذا هذا الوعي النسبي؟ فلأن الشارع المسلم رأى مشاهد التنكيل والقتل المروعة التي مارسها التنظيم ضد المسلمين، ضد السنة تحديداً، الذي يدَّعي تمثيل مرجعيتهم، لذلك يسارع سدنة الفكر المتطرف إلى تقديم وصفة مساعدة للدواعش، بأن يمتنعوا عن نشر مقاطع الفيديو، لأن مثل هذه المشاهد المسجلة تحجب عنهم تعاطف عامة الناس الذين كانوا كذلك مع أسامة بن لادن.

&

«داعش» وخليفتها البغدادي لا يستعدون الشيعة، ولا نية لهم لدخول إيران أو إسرائيل، هم ببساطة يبحثون عن نفوذ، وكلمة نفوذ تعني ما تحصلوا عليه حتى الآن؛ الأرض، والنفط، ومن هذا النفوذ أعلن البغدادي خلافته. بل إن «داعش» لم تتعاون مع من يماثلها في آيديولوجيتها من الجماعات المسلحة كجبهة النصرة، يتصارعون على النفوذ والهيمنة. هذا التنافس هو ما جعل كل طرف منهما ينكّل بالآخر في سبيل المساحة الجغرافية، وأصبح لكل منهما مناطق نفوذ في سورية، على رغم أنهم -عقدياً- ينهلون من المشرب ذاته.

&

التحالف الدولي الذي اجتمعت بادرته في مدينة جدة، كان مكوناً بشكل رئيس من المتضررين من الإرهاب، ولكن بمرور الوقت انضم إليه الرافضون له، حتى من لم يمسسهم منه ضر. الضغط السياسي والإعلامي على الرئيس الأميركي أوباما، جعله يعيد حساباته، ولاسيما أن عشرات المواطنين الأميركيين انضموا إلى ساحات الاقتتال في سورية والعراق، وهؤلاء كالقنابل الموقوتة، لأن فور عودتهم إلى وطنهم سيشكلون مصدر خطر على الأمن القومي الأميركي، إضافة إلى أن تفشي الإرهاب في المنطقة العربية، يعني تلقائياً وصوله إلى آسيا شرقاً وإلى أفريقيا شرقاً وجنوباً، وهو وباء سريع الانتشار، ولنا في ظهور «داعش» بهذه القوة المفاجئة عبرة وعظة، حينها لن تسلم أي دولة في العالم، ولاسيما أميركا وأوروبا من مداهمة الإرهابيين.

&

هذا الواقع لا مبالغة فيه. هناك تهديدات حقيقية موجهة من الإرهابيين إلى أميركا وأوروبا، ولاسيما بريطانيا وفرنسا.

&

قد يكون مثيراً للندم في هذا الوقت المأزوم، عدم التفاعل مع فكرة السعودية لإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب، فقد كانت تظن كثير من الدول أنها بمنأى عنه، وأن الإرهاب يتمركز في بؤر محددة، إنما أثبتت «داعش» مرة أخرى خطأ تقديراتهم.

&

التحالف الدولي الذي تشكل ضد «داعش»، والجماعات المتطرفة، بمنزلة حقل ميداني لمركز مكافحة الإرهاب، وكلما قويت شوكة هذا التحالف، بالدعم السياسي والمالي، فسيكون أداة مهمة ضد تفشي التطرف. علينا ألا ننسى أو نتجاهل أن هناك قبولاً شعبياً -ولو كان نسبياً- لداعش وجبهة النصرة وخراسان ولاسيما في دول الخليج، مرده قناعتهم بأن هذه المجموعات المسلحة، هي التي وقفت ضد النظام السوري، في وقت كان العالم يتفرج فيه على المجازر اليومية لبشار الأسد، ومن ناحية أخرى، يرون أن «داعش» حجر عثرة في سبيل التمدد الإيراني في المنطقة.

&

هذه قراءات خاطئة للواقع نتناولها من الجانبين؛ فالجيش الحر، الذي يمثل المعارضة الرسمية لنظام الأسد لم يكن يعمل وحده، ولم يكن له أن يستمر ثلاثة أعوام في حربه ضد جيش الأسد وحزب الله والحرس الثوري تحت المظلة الروسية، فمن أين له هذا؟ بالتأكيد كان الدعم موجود، ولاسيما من السعودية، لكن تخلي واشنطن عن مسؤوليتها تجاه المنطقة، أسهم في تأخير ساعة الحسم.

&

من الجانب الآخر، «داعش» لم تقم بالخطوة الأخيرة، عندما وصلت إلى مشارف بغداد، التي كنا نتوقع سقوطها في أي لحظة بأيديهم، ولو فعلت ودخلت فلن يقف في وجهها أحد، والمعلوم أن الثقل السياسي الشيعي في بغداد.

&

هددت «داعش» بأنها ستسوي المراقد الشيعية بالأرض، وتفخخ المزارات، وتنهي الطقوس الشركية، بحسب النظرة السلفية، لكن ما من هذه التهديدات تحقق. والأكيد أن إسرائيل لا تمر في خاطر الخليفة البغدادي ولو للحظة. ما حصل في الواقع أن «داعش» تركت أعداء السنة وهددت السعودية؛ لتحيي آمال تنظيم القاعدة، التنظيم الأم، ومن المهم التأكيد على أنه رغم صراع النفوذ والاختلاف التكتيكي بين «داعش» و«القاعدة»، فإن لدى الطرفين الاستعداد للاتفاق مرحلياً على هدف لزعزعة أمن الخليج.

&

لا يمكن أن يكون للإرهاب هدف سامٍ، ويستحيل الاتكال عليه لدرء عدو أو نصرة مظلوم، وللإرهابيين تاريخ طويل في هذا الجانب. فقد دعمت الولايات المتحدة الأفغان، حتى تمكنوا من جيش الاتحاد السوفياتي ثاني أكبر قوة في العالم، وحينما استقرت بهم الحال، وطابت لهم الأرض، استداروا على حليفتهم ونفذوا اعتداء «11سبتمبر». نسوا الدعم الأميركي لهم، ونسوا قيادة أميركا للناتو، لنصرة المسلمين في البوسنة والهرسك وكوسوفو، هاجموها بذريعة تأييدها لإسرائيل، على رغم أن هذه الأخيرة ليست في أجندة أي فصيل منهم.

&

التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب تأخر كثيراً، وعليه أن يسدد ديونه المستحقة، التي تراكمت عليه بفعل الزمن، عليه أن يقوم بتطهير المنطقة من آفة الإرهابيين، بعد أن تركها لهم يعبثون فيها، والأهم من ذلك أن يتزامن العمل العسكري مع التنظيف المجتمعي من أرباب الفكر المتطرف، المحرضين، الذين يبثون أفكارهم ضد التحالف الدولي علانيةً، بلا حياء من رقيب ولا خشية من حسيب.

&


&