علي إبراهيم

طبيعي أن يشعر المصريون بالغضب والصدمة بعد الحادث الإرهابي الأخير في سيناء، والذي راح ضحيته نحو 30 عسكريا، وأن تكون هناك رغبة عارمة في رد فعل حاسم ضد الجماعات المسؤولة عن هذه الهجمات الإرهابية، والقضاء على هذا الإرهاب في وقت سريع، لكن الحقيقة التي قد تكون مؤلمة هي أن الحرب ضد الإرهاب، كما توضح التجربة التاريخية، لا تنتهي بسرعة، وتحتاج إلى صبر وعزيمة وقدرة على تحمل صدمات ومواجهة تأخذ وقتا زمنيا، كما حدث مع موجات إرهاب سابقة سواء محليا في مصر أو على الصعيد العالمي.


فالإرهاب ليس جديدا على مصر، وخلال العقود الثلاثة الماضية كانت هناك عدة موجات من عنف جماعات إرهابية ومتطرفة عملت تحت عباءات فكرية مختلفة، وخاضت معها الدولة مواجهات شرسة خاصة في الثمانينات وجزء من التسعينات، أوقعت مئات الضحايا، وألحقت خسائر كبيرة بالاقتصاد خاصة قطاع السياحة، بعد حادثة الأقصر التي راح ضحيتها 60 سائحا تقريبا، أو في تفجيرات شرم الشيخ في الألفية الحالية.


وكانت موجات الإرهاب تتلون وتتغير أساليبها منذ ظهورها، في السبعينات، وبعد اغتيال الرئيس السادات، مع اكتساب خبرات أو التواصل مع جماعات خارجية أخرى في مناطق أزمات، مثلما حدث مع العائدين من أفغانستان أو التزاوج الذي حدث في الأفكار والأساليب وكذلك التمويل بين بعض الجماعات المتطرفة المصرية والأخرى في الخارج مثل «الجهاد» و«القاعدة».


وفي بعض الأحيان كان المشهد يبدو مفزعا مع كل موجة إرهابية، خاصة في الثمانينات عندما كانت هناك شبه حرب حقيقية بين أجهزة الأمن والجماعتين الإسلامية و«الجهاد»، وانتهت كل موجة بالاندحار بمزيج من المواجهات الأمنية والفكرية، وكل موجة أخذت وقتا زمنيا من المواجهات والتصدي لها حتى اندحرت.


دون شك فإن الموجة الحالية تبدو الأشرس والأكثر تعقيدا والأخطر بسبب الظروف الإقليمية التي جعلت لجماعات مسلحة إرهابية، لأول مرة، سيطرة على الأرض في مناطق عديدة بدول عربية تمر بأزمات، مثلما هو حادث مع تنظيم داعش في العراق وسوريا، والذي يتحدث الآن عن أنه أصبح دولة، وتبايعه تنظيمات أخرى تحمل نفس الفكر أو تتبع «القاعدة» التي أصبحت لا تستهوي هذا الجيل الجديد من أصحاب الفكر المتشدد، وأصبحنا نرى الظواهري يصارع للحفاظ على نفوذه أمام منافسيه الجدد الذين لا يعترفون بقيادته.


ترافق ذلك مع ظاهرة أخرى موازية أسهمت بشكل كبير في هذه الحالة الإرهابية المعقدة، وهي اتساع نفوذ جماعات أو قوى سياسية لديها ميليشيات مسلحة بعباءات آيديولوجية مختلفة، على حساب كيانات الدول التي أصبحت في بعض الأحيان أضعف في مواجهتهم، وهو أمر امتد من ظاهرة «حزب الله» في لبنان الذي كان قادرا على اتخاذ قرارات الحرب والسلم في فترات نيابة عن الدولة، أو اليمن الذي تراجعت فيه قدرات الدولة أمام قدرات ميليشيا الحوثيين، أو ليبيا التي تصارع حكومتها من أجل استعادة الدولة من قبضة جماعات مسلحة تفرض إرادتها على بعض المدن الرئيسية والمناطق، وبين ما يسمى باللاعبين المسلحين خارج أجهزة الدولة وتنظيمات الإرهاب خيط مشترك هو هدم هذه الدول بمؤسساتها.


هذا هو الواقع الذي تمر به خريطة المنطقة حاليا ويجعل موجة الإرهاب هذه أخطر من كل ما سبقها في حجم التهديدات، وهو ما يحتاج إلى حسم ومواجهة بعزيمة قوية مع مصادر التهديد سواء كانت محلية أو خارجية، لكن أيضا بصبر ونفس طويل، واستراتيجية لا تقتصر على ردات الفعل. وفي الحالة المصرية، سيكون الإرهاب مثل المنغصات التي تسعى إلى إيقاف دوران العجلة السياسية والاقتصادية في خارطة الطريق، أو إبطائها، وهو ما لا يجب السماح بحدوثه.