يوسف الكويليت

أتذكر أحد أبطال روايات نجيب محفوظ، وهو يسأل آخر.. «هل تقرأ صحفنا»؟ فيرد «لا أقرأ الحقيقة إلاّ في صفحة الوفيات».. استشهدتُ بهذه المقولة وأكررها لأنها اختزال حقيقي للإعلام العربي الرسمي والأهلي، والحديث معاد ومكرور، ولكنه يبقى أحد شواهد البؤس العربي الدائم..

فالإعلام الخارجي قام بهندسته علماء من كل الاختصاصات، لإدراك أنه إحدى أخطر أدوات الحروب في التأثير وقلب الحقائق، والعربي باعتباره يفتقد الحرية، فالتصديق بالمصادر الخارجية يجدها توفر له معياراً من القياس بين ما يُرفض نشره أو الحديث عنه، أو ما تقوله الوسائل الأكثر حرية؛ ولذلك فقد المصداقية، وصار نهباً بين الواقع الذي يغرق في وسطه مأسوراً ومغلقاً عليه، وبين ما تبثه الوسائل الأخرى، وقطعاً يختلف الفرز بين نصف أمي ولو كان من عالي التعليم ولكنه غير واع، وبين مدرك وفاحص للأحداث وقراءتها بمنطق المحايد، والمتحسر على أوضاعه وحالات ما يمر به..

الوطن العربي صار موقع الحدث السلبي، جرَّب الحروب بأنواعها والتدخلات الخارجية ومرارة الهزيمة، وانكسار الذات أمام جبروت بعض السلطات، وشاهد كيف تعامل مع تلك الزلازل، إما بتبريرها كجزء من المؤامرة، أو أنها اشتباك بين مصالح تقرر مكاسبها الدولة الأقوى، وأننا مستهدفون، لأسباب حتى الآن لا نعرف متى نحل عقدة الاستهداف والمؤامرة؟!

حالياً، ومن منطق الواقع الراهن، لو قارنا بين إعلام الدول من المحيط إلى الخليج العربي، وكيف تتعامل مع اللحظة الراهنة لما وجدنا ما يربط الحدث بأسبابه ونتائجه، بل إن تكريس العداوات بين الأنظمة، أقوى من مخاطر الإرهاب ومن يديره أو يدفعه لنقطة الذهاب بعيداً إلى كل المنطقة، ولذلك عجزنا عن الاتفاق على عقد موحد، ولو إعلامياً، لصياغة بند واحد في بناء منظومة عمل مدروس وعملي لخارطة طريق إعلامي موحد، بل رأينا أن الإعلام الشخصي المدفوع من جهات عربية، يروّج أن الدولة الفلانية والعلانية هي من يدفع بالإرهاب إلى تخريب وتدمير دول أخرى، وقد يكون هذا حقيقة قد تمنع بعض الدول من التصريح بها وكشف حقائقها، ورأينا أن إعلام الإرهاب المفتوح يجد مغريات هائلة بالتأثير على مختلف الأوساط، في تجنيد ودعم مؤسساته بالطاقات البشرية والمادية، لأن الوسائل التي يستخدمونها أكثر واقعية وصدقاً من دور الإعلام الرسمي..

الإعلام الجديد، وأعني انفتاح فضاء وسائل التواصل التقني، فتح المجال لأن يكون المصدر لأي إنسان يتتبع أي حدث أو خبر أن يراه في العديد من المصادر الأخرى، وصارت أكثر صدقاً مما يراه في إعلامه أياً كان نوعه، بل وجاء التضخيم والمبالغة والتلاعب بالعقول، أسهل من التقاليد القديمة، التي تعتمد الإشاعة والدس والتشويش على عقل وعاطفة الإنسان، ولكنها في الإعلام المعاصر أجادت كيف تؤثر من خلال نفس الوسائل، ولكن بصور تقرّب الحقيقة بحرب نفسية ذات مهارة خاصة، وصار من يملك الكفاءة البشرية وأدوات الإعلام الحديث يستطيع السيطرة، والتحكم في مسار تغيير الأفكار والقناعات، وحين نحاول المقارنة بين أدواتنا وغيرنا، نجد أننا نكذب على أنفسنا ونصدق الكذبة، ومع وجود المخاطر التي تحيط بنا داخلياً وخارجياً، لا نجد التكافؤ العملي بين ما نشهده، وما تخفيه دهاليزنا المحكومة بحصار المواطن، أمام ما يخطط له وينفذه الأعداء.
&