طيب تيزيني

يا أحرار العالم العربي والعالم، اتحدوا ضد الاستبداد والاستغلال والإرهاب! قياساً على النداء الذي كان كارل ماركس يوجهه إلى عمال العالم للاتحاد في وجه الاستغلال في القرنين التاسع عشر والعشرين، يبدو أن الأمر ينطبق على عصرنا هذا، مع توسيع في النداء، بحيث ينسحب كذلك على مصطلح الإرهاب، وهذا من طبائع الأمور في التاريخ البشري، ولعله من تراث البشرية الانتباه إلى الأحداث الكبرى وإلى ما يتكرر فيها، بالصيغة العامة المشتركة.



ففي التاريخ الإسلامي كذلك يوجد ما يشير إلى ما يُحال وينسب إلى النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "على رأس كل قرن يظهر من يجدد الإسلام". ولدى شعوب أخرى نضع يدنا على مثل ذلك. ونحن الآن (بكل ما يعنيه ظرف الزمان هذا الآن) نعيش في منتصف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين؛ وهي مرحلة معقدة أشد التعقيد وخطرة إلى درجة كبرى، ومن الطرافة أن تكون انطلاقة هذه المرحلة قد خرجت من أحداث عظمى حدثت في العالم العربي، بحيث إن إجماعاً أو شبه إجماع على تحديد العمومي بين تلك الأحداث قد نشأ في وسط من الباحثين العرب وغيرهم، ويقوم على اعتبار الأحداث المذكورة مؤشراً على تحول ما في تاريخ القرن الجديد، الواحد والعشرين، باتجاه (الربيع العربي).

فإذا كان لكل قرن من القرون خصوصية، فإن قرننا الحادي والعشرين هو قرن من ذلك الثلاثي الرهيب المحدد أفقياً وعمودياً بالاستبداد والاستغلال والإرهاب. وإذا كان الإرهاب قد وجد دائماً بوجود الاستبداد والاستغلال، فإنه بذلك قد اقترن بهيمنة نظم مجتمعية تحكمها طغم ما قبل سياسية وأخرى سياسية، أي في مراحل كانت فيها السياسة تقوم «على تدبير المجتمع» على نحو عقلاني ومثمر.

إن «الإرهاب» المذكور هنا كان قد اقترن في الظروف السابقة، بوجود مؤسسات لها ضوابطها وحدودها، بنسق يتيح للمجتمع - حتى في طبيعة الاستغلالية القاسية - أن يعقلن عنفه واستغلاله، لكن الأمر يتحول إلى جعل الإرهاب (الجديد المعيشي) إلى حالة لم يكن له وجود في اثناء المجتمعات القائمة على ذلك (الإنسان العاقل).

وثمة نقطة مفصلية حاسمة تحدث بأسباب وبدون أسباب، هي المرحلة التي ينفصل فيها الإرهاب عن المؤسسة التي انتجته، والتي قد تتمثل في الدولة «الفاشية» في أوروبا، والأمنية في العالم العربي (وقد عرفنا هذه الأخيرة بأنها تلك التي تسعى إلى إفساد المجتمع كله، بحيث يصبح الأفراد كلهم فيه فاسدين ومفسدين ومن ثم، فهم يوضعون في خانة الإدانة «تحت الطلب»؛ وخصوصاً حين تكتمل هذه اللاحقة الأخيرة (تحت الطلب). وهنا، نضع يدنا على أن ذلك أريد له ويراد له كذلك أن يكون طريقاً إلى وحدة المجتمع عبر عناصر الاستبداد والفساد والإفساد.

وهناك مثلاً السجون في معظم العالم العربي، التي امتلأت بالسجناء من رجال ونساء وأولاد صغار وكبار من المعارضات العربية، بل كذلك من الشعوب العربية. لقد احتفظ بهؤلاء جميعاً للقيام بمهمتين اثنتين لا تنفصل واحدتهما عن الأخرى، المهمة الأولى تقوم على اعتقال من يرفع رأسه، وزجه في السجون، لإضعافه وشل إمكاناته وطاقاته، وعزله عن الناس دونما لجوء إلى قانون يحترم إنسانية البشر. أما المهمة الثانية فتقوم على الاحتفاظ بكل من يدخل سجون الأنظمة العربية، الشمولية القمعية، بهدف إعادة بنائهم جميعاً (أي السجناء)، كي ينيط بهم مهمة أو مهمات تفصح عن نفسها بعد وقت أو آخر، كما هو الحال الآن وبالعلاقة مع "داعش".
&