محمد الساعد

في السابع من أيار (مايو) 2008، اقتحمت مليشيا حزب الله اللبناني الأحياء السنية في بيروت، لم تكتف مليشيا الحزب «المسلحة» بذلك، بل واصلت تقدمها حتى احتلت أجزاء من جبل لبنان حيث تقيم الطائفة الدرزية الحليفة للسنة، كان يوماً أسودَ في تاريخ العالم العربي، وهدم لأهم مبادئ العيش المشترك بين اللبنانيين.

&

وقتها وقفت «قناة العربية» وحدها أمام حزب الله وجيرانه وحلفائه الإقليميين، وقنواتهم الإخبارية التي كانت تبث -وفي انحياز واضح- انتصارات «الحزب» ضد المواطنين اللبنانيين السنة والدروز من شارع لشارع ومن بيت لبيت.

&

كانت «العربية» جيشاً كاملاً، لكن من صوت وصورة، استطاعت بالتقرير فضح كل القبح الذي ارتكب باسم المقاومة مرة، وباسم غرور القوة مرات أخرى.

&

أطلقت «العربية» مدافعها في وجه الجبروت، ومن المفارقة أنها لم تكن سوى كاميرا ومذياع صغير ومراسلين عدة، وفتحت الهواء لتنقل إلى العالم استباحة الحزب الإلهي لكل القيم والأخلاق العربية.

&

صُدم حزب الله ومناصروه وأعوانه وحلفاؤه وعبيده، بعدما وجدوا أن نيران أسلحتهم تتساقط أمام شاشة «العربية»، فردوا بوصفهم لها بـ«العبرية»؛ لأنها غلبتهم وعرّتهم وفضحت واحدة من حماقاتهم.

&

لم يكن كره جماعات الإسلام السياسي سواء «الشيعية» أم «السنية» لـ«العربية» ناتجاً من موقف عابر، أو تذمر سرعان ما ينتهي، بل أصبح يعبر تماماً عن أسلوب سياسي راسخ؛ لإسقاط كل من يدافع عن السياسة السعودية، أو تلك الوسائل الإعلامية القريبة منها.

&

فعندما كانت صحيفة الشرق الأوسط أيقونة الإعلام العربي في الثمانينات والتسعينات تعبر عن الرأي السعودي، حاولوا إسقاطها ووصفوها بأنها «خضراء الدمن»، مشكلتنا أيها السادة أننا ننسى، وهم لا ينسون أهدافهم ولا فجورهم في الخصومة.

&

أما لماذا يكرهون قناة العربية.. فالجواب هو إن هذا البغض الغريب ليس بالجديد، بل يقوم على خطة تسعى لتجريد السعودية من كل وسائل مقاومتها لعداوتهم ومخططاتهم، كما أنه لا يستند إلى عيب مهني في «العربية» كما يدعون، ولا على شرف مهراق يلملمون أطرافه، فلا توجد وسيلة إعلامية في العالم كله -بما فيها العالم الغربي الذي يتغنى بالحريات- ليس لديها منهج تسير عليه أو تنحاز إليه.

&

إضافة إلى أن الإعلام بكل فروعه وتصنيفاته ليس ملائكياً ولا يدَّعي المثالية، بل إن القنوات المنافسة هي أكثر صراحة وانحيازاً من «العربية» في تبنيها القضايا التي تخدم الجماعات أو الدول أو الأحزاب التي تؤيدها.

&

السؤال السابق يعيدنا إلى منتصف السبعينات الميلادية، حينما بدأ الحركيون يتسللون كالسم إلى حياتنا شيئاً فشيئاً، عندما تحول الوعظ من دعوة لله إلى تنظيم يبحث عن الانقلاب والحكم.

&

والتاريخ سيذكر كيف كانت وسيلتهم لذلك هي إسقاط «رجال الدولة»، وتشويههم كما فعلوا مع الوزراء غازي القصيبي، ومحمد عبده يماني، وعلي الشاعر، إضافة إلى مسؤولين كبار كمحمد الطويل، وإبراهيم العواجي، وحمد المرزوقي، ومروراً بمديري الجامعات والكليات، وليس انتهاء برؤساء الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون، واتهامهم بكل سقطة من الشيوعية للبعثية، إلى الحداثة والعلمانية.

&

ما يحصل اليوم هو تماماً ما كان يحدث بالأمس القريب، فالتنظيم الحركي في السعودية وخارجها، يتبع خطة معروفة ومتكررة، تعتمد على محاولات هدم كل أدوات الحكم وإسقاطها شعبياً، وتقول بكل وضوح: «سأسقط مؤسسات الدولة ورجالها وحلفاءها حتى تسلمني زمام أمرها وتنقاد لي، لكي يتسنى لي أن أنفرد بها عندما تحين الفرصة التاريخية».

&


&