مجاهد عبدالمتعالي

في اليمن، يبادر البعض بصناعة خطاب طائفي لتجييش الداخل السعودي، وكأن من يحمي الوطن هم لفيف "القاعدة" وأشباهها، وهذا التفاف خطير على شرعية الدولة الممثلة في قرار الحرب والسلم، وفق معطى المصالح السياسية المعتبرة

&


يعمد بعض المغرضين لتضخيم خطر الشيعة بشكل عام دون تخصيص أو تفريق، والخطر الحقيقي هو الخطر الفارسي تحديداً، أما الشيعة فهم نسيج اجتماعي منتشر في الوطن العربي، وتداخله مع الطموحات الفارسية عائد للفراغ السياسي الموجود في الوطن العربي إثر الربيع العربي الذي حرك الراكد الليبي من خلال القبيلة والعشيرة، ثم تداخلت الخطوط أكثر ما بين قبيلة وأيديولوجيا دينية، فحرك الراكد السوري من خلال الطائفية ودعوى الجهاد! فكان ما نرى كل هذه السنوات، لتصبح جامعة الدول العربية هيكلاً عظمياً به مزق من اللحم ينتظر روحه أن تفيض.


اليمن في بداية ربيعه كانت خيالات المحللين ترى فيه ما نراه الآن في الواقع السوري، لأنه كما قيل (بلد المليون قطعة سلاح) لكن الواقع القَبَلي في اليمن -وعلى عكس الظنون- كان هو الضامن لعدم الانفلات الواقع كما في سورية، والآن نرى الكثير يريدون صناعة سورية أخرى من خلال تحريك الراكد اليمني من خلال لعبة الطائفية، وتلك لعمري خطيرة جداً جداً على أمننا الإقليمي أكثر من سورية، فالحوثيون رغم ما فيهم إلا أن التعاطي معهم كأقلية أسهل بألف مرة من التعاطي مع القاعدة وأشباه داعش.


مجلس التعاون الخليجي تضرر كثيراً بسبب هذه اللعبة الطائفية التي أصبحت كصندوق باندورا لم يسلم من شرها أحد، بل كأنما هي نصل ذو حدين وبلا مقبض فكلا جهتيه تقطع، فكيف تمسكه الدول العربية؟ وهذا ما تنبهت له السعودية أخيراً فحذرت منه وعاقبت عليه، لأن الاندفاع باتجاه ما تريده إيران نحو تحويل الصراع الخارجي مع طموحاتها السياسية، إلى صراع داخلي في دول المنطقة نفسها باسم الدين والطائفة، يعتبر مكسبا أوليا لا يقدر بثمن بالنسبة لها، فالوحدة الوطنية تتآكل بسبب انجراف الأغلبية لخطاب طائفي متهور لا يراعي أبعاد ارتطام الكتل الشعبية ببعضها، فكيف إذا تم ذلك تحت غطاء حكومي، يؤزم واقعها الداخلي، ويصعب عليها تبريره دولياً؟


الحوثيون مثلاً حديث الساعة اليمني، ولكنه حديث الأروقة أيضاً في السعودية، هل هم خطر أم ليسوا خطرا؟ وهم خطر بشكل ما وبنسبة ما، ولكن الخطر الأشد والأنكى هو في من يريد اختطاف مبادرة الدولة السعودية في اتخاذ القرار المناسب لسيادتها، وفق معطياتها الاستخبارية التي لا يمتلكها الفرد العادي، حيث يقوم البعض بالمبادرة لصناعة خطاب طائفي لتجييش الداخل السعودي، فكأنما من يحمي الوطن هم لفيف "القاعدة" وأشباهها في الجزيرة العربية، وفي هذا التفاف خطير على شرعية الدولة الممثلة في قرار الحرب والسلم، والتفاف على التوجيه المعنوي للشعب تجاه بوصلة التعبئة الوطنية لتحديد من هو العدو؟ ومن هو الصديق؟ وفق معطى المصالح السياسية المعتبرة، لا وفق معطى رغائبي شعبوي يصعب كبح جماحه بعد ذلك.


عند الحديث عن مصالح الوطن، فلنتحدث عنه ونحن نتذكر كل مكوناته، فمن يطرح رأياً في محاكمة نمر النمر مثلاً، ليتذكر أن نفس الرأي سينطبق على كل محاكمة أخرى على أي اسم آخر في الكفة الأخرى، ولهذا فالآراء المخلصة يجب أن تتوخى العدالة بدلاً من آراء مملوءة بعدالة الغي، والفيصل من قبل ومن بعد للقضاء النزيه، وفوق القضاء سياسة ودراية ولي الأمر بكل أبناء شعبه.


الحوثيون خطر، ولكنهم خطر أكبر إذا انجرفت فئة من السعوديين تجاه الخطاب الطائفي، فرغم ما في الحوثيين من عسكرة؛ إلا أنهم يتقنون اللعبة السياسية، بخلاف من لا يعرف سوى تفجير نفسه في الآخرين، ليمهد الطريق لرفاقه فيقتحموا مبنى حكوميا في شرورة، استجابة بزعمهم لمن يستصرخهم في الداخل.


الشعور والمزاج الشعبي يجب أن يتترس وراء قيادته الوطنية تجاه الأخطار المحيطة والمحدقة بنا من كل جانب، والقفز على القيادة الوطنية بخطابات الشحن الطائفي من هنا وهناك، هو محاولة غير بريئة للضغط على السياسي باتجاه القفز للأمام، تجنباً لأزمة المزايدة على قرارنا السياسي السيادي، التي تكررت على المستوى الديني في حرب احتلال الكويت قديما، وفي دعم السيسي حديثا، والآن تريد هذه القوى الواهمة الضغط باتجاه تحديد مصالحنا وفق المعطى الطائفي فقط، لأنه ماءها الآسن الذي تتكاثر فيه وبه، دون أي إدراك للتفاصيل الدقيقة للواقع اليمني، والمتغير السريع جداً للواقع السوري ومن ورائه تركيا ومن معها قبل إيران.


الطائفية لعبة جربتها الأحزاب السياسية في الهند لتحقيق مكاسب سياسية في الانتخابات فكانت مذابح السيخ والهندوس والمسلمين تتجاوز مئات الألوف، ولم يسلم أحد حتى الحزب الحاكم آنذاك في الهند.


الطائفية طرحها الإخوان المسلمون في مصر لمكاسب انتخابية، تحت لعبة سياسية ظاهرها مغرق في النوستالجيا، عبر شعار (الإسلام هو الحل) وخُطَب (من كان معنا فهو من أهل الإسلام ومن كان ضدنا فهو ضد الإسلام)، فكانت النتيجة ما زرعوه بأيديهم من فسطاط أهل رابعة ضد أهل مصر أجمعين، فكان الحصاد مرَّاً مرَّاً، وما زال الإخوان المسلمون يلعنون شوكهم الذي زرعوه بأيديهم، متناسين أنهم تكرار لحصاد أخطاء وقع فيها قبلهم بعض الهنود الهندوس في تشكيلهم الحزبي إذ سلكوا طريق المكسب الطائفي للأغلبية على حساب الأقلية، فكانت الاغتيالات الموجعة لتصل إلى رأس أنديرا غاندي نفسها كرئيسة للوزراء، وها هو الغنوشي قد تعلم الدرس جيداً من أجل وطنه تونس، وها هو إردوغان قد تعلم قبله من كبوات أربكان لتبقى الحقيقة الخالدة بأن (الدين لله والوطن للجميع)، إذاً فالطائفية كفانوس علاء الدين بداخله مارد يبدو وكأنه خادم طيِّع لأول وهلة، لكنه لم يكن يوماً خادماً مخلصاً، والثمن دم الشعب الغافل دائماً، وتنازع هذا الفانوس بين الأيدي يخيف العقلاء، ويحذر من عواقبه العارفون.
&