يحيى الجمل

الحرب مع الإرهاب بتعدد مصادره، هي كما قال رئيس الجمهورية حرب وجود. ومن غير المتصور ولا المقبول أن يستطيع هذا الإرهاب اللئيم أن يقضي على مصر وجيش مصر، ولكن المعقول والمقبول ـ مهما طال الأمد ـ أن تقضي مصر وجيش مصر على هذا الإرهاب بكل صوره ومصادره، سواء كانت من الداخل أو من الخارج. وهو يقيناً له مصادر في الداخل ومصادر في الخارج، وليس أقل هذه المصادر خطراً في الداخل العقول المظلمة، وليس أقلها خطراً من الخارج إسرائيل ومن وراءها، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأميركية للأسف الشديد. دعك من تركيا وغيرها، فهؤلاء مجرد أدوات تؤمر فتطيع وتنفذ.

وعبارة «حرب وجود» عبارة خطيرة في معناها ومدلولها.. هي حرب من يشنونها على مصر وعلى جيش مصر، لا يقصدون مجرد إرهاب المواطنين الأبرياء، وإنما يقصدون ما هو أبعد وأخطر من ذلك بكثير. لقد استطاعت تلك القوى، سواء من داخل بلاد الوطن العربي أو من خارجه، أن تدمر العراق وسوريا تدميراً يصعب في المدى القريب إصلاحه.

العراق الدولة العريقة ذات الحضارة الضاربة في أعماق التاريخ، تعيش بين نزاع سني وشيعي، ونزاع كردي عربي، وبنية هذا البلد الغالي العزيز تهاوت تحت هذه الضربات، وقد كتبت في هذا الأمر كثيراً، حتى غضب مني رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، وما كنت أقصد إساءة إلى أحد بشخصه ـ وليس من طبعي ذلك ـ وإنما كنت أقول ما أقول خوفاً على العراق الحبيب، وخوفاً على بغداد الغالية.

سلام على بغداد من كل غادر * ومن كل خوّان وكل فاجر

الذين يشنون الحرب الظلامية على مصر، يريدون أن تلحق مصر بشقيقتيها العراق وسوريا، ولكن هيهات لهم. إن الشعب المصري والجيش المصري أقوى ـ بعون الله وبإرادة شعب عظيم وجيش وطني متماسك ـ من ذلك كله.

ولا شك أن شعب مصر كله عاش أياماً حزينة بعد ذلك الحادث الوضيع، الذي راح ضحيته ثلاثون من أبناء القوات المسلحة الذين هم فلذات أكبادنا. لا أذكر أن عيني أدمعتا منذ وقت طويل، إلا مساء ذلك اليوم الأغبر الذي علمنا فيه بذلك الحادث الجبان، الذي لا أشك أنه من داخل سيناء ومن خارجها أيضاً، ولا أعني بعض المأجورين من الفلسطينيين ومن يسمون أنفسهم أنصار بيت المقدس، وهم في الحقيقة أنصار بيت الشيطان، وبيت المقدس الذي بورك حوله بريء منهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب. ويقيناً وراءهم جميعا إسرائيل، صاحبة المصلحة الكبرى في هزّ الكيان المصري. نعم، هي حرب وجود، وليست حرباً عارضة، ولكن رب ضارة نافعة.

إن الإجراءات التي اتخذتها السلطات المصرية عقب هذا الحادث الغادر، هي أقل ما كان يمكن أن يتخذ، والأمل في تفعيل هذه الإجراءات وعدم التهاون فيها بمرور الوقت.. إنها حرب وجود فعلاً، وحسناً فعلت السلطات المصرية بإحالة كل جرائم الإرهاب إلى القضاء العسكري، الذي أعتقد بأنه لن يستغرق وقتاً طويلاً في نظر هذه القضايا، وأنه سيكون حاسماً من حيث الوقت ومن حيث العقوبات. إن مصر تمر بظروف بالغة الخطر والصعوبة، ولا بد وأن يكون ذلك محل تقدير ومراعاة الجميع.

ورب ضارة نافعة كما يقولون، فقد أدى هذا الحادث الجبان إلى التفكير الجدي من قبل السلطات في عملية «محدودة»، لإعادة توزيع السكان المقيمين على طول خط الحدود مع قطاع غزة. وأقول هي عملية محدودة وليست عملية تهجير، وذلك حفاظاً على أرواح المدنيين.

كذلك من الإجراءات الحاسمة، إغلاق معبر رفح إلى حين استقرار الأمور، وكذلك ضرورة تدمير الأنفاق مع قطاع غزة تدميراً كاملًا.

وقد صاحب ذلك كله بدء تحرك دولي واسع لدعم مصر في مواجهة هذا الإرهاب الذي لن يترك شعباً آمناً، ومن أوضح هذه التحركات ما صرح به وزير الخارجية سامح شكري من أنه سيتم الاتصال بجميع سفراء الدول التي لها علاقات دبلوماسية مع مصر ولها سفراء في القاهرة، وذلك لدعم مصر خلال هذه المرحلة سياسياً واقتصادياً.

كذلك ومن قبيل «رب ضارة نافعة أيضاً»، أن رؤساء تحرير الصحف المصرية، سواء القومية أو غير القومية، دانوا جميعاً حادث «الشيخ زويد»، وقرروا التوقف عن نشر البيانات التي تدعو إلى التحريض ضد مؤسسات الدولة. وهذا أقل ما يجب إلى أن يكشف الله هذه الغمة، وإلى أن تنتصر مصر وجيشها العظيم في هذه الحرب التي هي حقيقة «حرب وجود ».. وستنتصر مصر بإذن الله. حفظ الله مصر ورعاها ورعى جيشها.