أحمد عبد الملك

ورد في الأنباء أنه تم الإفراج عن فارسٍ سوري بعد أن سُجن طوال 21 عاماً، بسبب فوزه على (باسل الأسد) شقيق الرئيس السوري خلال السباق. وكان الفارس السوري قد تعرّض للضرب بشكل وحشي من قبل سجّانيه دون أن يعلم سبب هذا الاعتداء الذي توافق مع وفاة (باسل الأسد) عام 1994، وقيل وقتها إنه تم اعتقاله بتهمة حيازة متفجرات ومحاولة اغتيال (باسل الأسد)، وأنه تم سجنه دون محاكمة، وقيل عند اعتقاله: «لا يحق لأحد أن يكون أفضل من (باسل الأسد)». (موقع خبّرني – 15/6/2014)

هذا نموذج لمئات الأحداث التي تقع في عالمنا العربي دون أن يعلم بها أحد أو يُفسرها أحد! تصوروا السجن لمدة 21 عاماً دون تهمة أو محاكمة، فقط لأن الرجل فاز في السباق على (باسل الأسد) أين العدل؟ وأين رجال العدالة؟ وأين قانون الدولة؟ وأين مؤسسات حقوق الإنسان. يعني حتى النجاح - نجاح المواطن - يوغر صدور البعض، ويجبرهم على الحكم ظلماً بالسجن، هكذا، ولكأن الناس يعيشون في غابة يأكل قويُهم ضعيفَهم.

ولقد تكررت مشاهد مماثلة لهذا الحكم الظالم في مناطق عدة من العالم العربي، حيث تم اتهام الشرفاء والمخلصين لأوطانهم، والمتعاملين مع الكلمة الطيبة والنية الحسنة، والمسكونين بحب أوطانهم وحرصهم على بقائها حرة آمنة ومستقرة وقوية، بسبب سوء التفسير، وحالات الاشتباه التي تعكر مزاجَ الأمنيين.

ولقد ظهرت في الأروقة الأمنية مفاهيم غريبة حول الوطنية والخيانة والاشتباه بحالة التخابر مع الخارج أو الجاسوسية أونقل معلومات. وتم تطبيق منهج «التخويف»، تخويف الجزء من أجل ردع أو إخافة الكل. وتم الاعتداء على حق المواطنة - دون محاكمة ودون وجود جريمة - وسُلبت حقوق الكثيرين في العالم، فقط لأن لهم عقلاً يفكرون به، ولأن لديهم قلماً شريفاً يرسمون به مستقبل مجتمعاتهم. وذلك يغيظ السلطة، وللأسف لم تتدخل الهيئات الحقوقية - في حالات عديدة - لوقف عسف السلطة الأمنية ضد المواطنين الشرفاء والمعروفين بحبهم لأوطانهم. فكم من صاحب قلم شريف تم الزج به في السجن دون محاكمة!؟ وكم من مدير رفض تمرير معاملة لـ(متنفذ) تم طرده من العمل ووضع في «القائمة السوداء» مدى الحياة، ولربما تم التحقيق معه بعد توقيفه دون تهمة، بل وأصبح الإقصاء ظاهرة واضحة للعيان ضد أي شخص يثبت بروزاً أو نجاحاً في تخصصه، وهنا تشحذ السيوف من أجل قطع يديه ورجليه من خلاف، ولربما يقطع رأسه في غيبة من القانون والخوف من الله.

إن السلطة في أغلب بقاع العالم العربي لا تعترف إلا بنفسها، ولا أولَ قبلها، ولا آخرَ بعدها!؟ فهي صاحبة الرقم الأول، وهي صاحبة الرصاصة الأخيرة.

ولأن العالم العربي في أغلبه مسكون بالهاجس الأمني، فإن معظم الجهود تنصّبُ على تعزيز هذا الجانب، فيما يتم التراخي في الجوانب الأخرى، مع وجود استثناءات محدودة في البلدان التي تتمتع ببعض «فتات» الدولة أو الحكم المدني، ويكون القضاء فيها مستقلاً عن السلطة.

ولأن النظرة للمواطن - في أغلب الدول العربية - نظرة ريبة وشك، وأنه متهم حتى يثبت براءته، فإن روح التشفي والانتقام و«شهوة» الإطاحة بالناس وترويعهم أو الإيقاع بهم تتزايد، ما يمكن أن يؤدي بالمواطن إلى التشكُك في براءته أو وطنيته، أو حتى صلاحيته للعيش في ذات الجغرافيا التي أوجده الله فيها.

ولأن معظم الدول العربية تنظر إلى المواطن على أنه من «الرعية»، ظهرت مقولات على شكل سخرية وتأسٍ للحال الوضيعة التي وصل إليها الإنسان العربي، بأن الدولة لا بد وأن تفرض ضريبة عليك لأنها توفر لك الهواء الذي تستنشقه!؟. كما أن النظرة الدونية تجاه المواطن تخلق مجتمعاً مرتبكاً منشقاً وغير متحد، وهذا يُنذر بتحولات عديدة في المستقبل، ويُوجد الأقليات أو «المُهمشين» الذين وإنْ نجحت الدولة في قمعهم فترة من الزمن، إلا أنها ستواجه تحركَهم في يوم من الأيام.

إن قضايا الاشتباه، وعنف التعامل معها، لا يُقرها القانون، ولا يجوز للسلطات مهما كانت «وطنية» أن تتعامل بقسوة مع المشتبه به دون محاكمة، أو أن يتلفظ أفرادها بألفاظ نابية على المشتبه به تحط من كرامته، ولا يجوز لهم أن يعاملوا المواطن معاملة تخالف القانون. لأن المتهم بريء، والمشتبه به بريء، حتى تثبت الإدانة، وما قبل ذلك لا يجوز انتقاص كرامة الإنسان والاجتراء على حقوقه الوطنية والمدنية.

إن الهاجس الأمني جعل كثيرين يُفتشون بين السطور، ويُسقطون الإسقاطات المبهمة والبعيدة عن كل كلمة في السطر، حتى لو كانوا لا يعرفون تفاسيرها أو دلالاتها، وهو ما خلق حالات التردد، أو النأي بالنفس عن مناقشة قضايا الأمة، أوعلى الأقل المطالبة بالحقوق الدنيا التي يكفلها القانون. وطبقاً لذلك، وُجدت المجتمعات «المرتخية» التي تدعم حالات الاشتباه وما يتم خلالها من ممارسات تحط من كرامة الإنسان وتجترئ على وطنيته ومواطنته.

يحتاج العالم العربي إلى أن يبذر الحُبَّ في أراضيه، دون أن يبذر الخوف وشباك الاشتباه، ويحتاج لأن يؤسس لدول تعاضدها شعوبُها، وتحنو هذه الدول على تلك الشعوب، ويحتاج لأَن يفتح المدارس والجامعات والنوادي الشبابية التي تؤهل الشباب لتطوير المجتمع، ويُقفل الإدارات التي تبث الخوف والتردد والحزن في نفوس الشعب، وكم سمعنا عن «زوار الليل» في بعض العواصم العربية إبان الحكم الفاسد الذي لا يرى إلا صورته في الإطار.