&

&

&

&

&ايليا ج. مغناير&


المعركة النهائية المتوقعة على أرض الشام بين الاثنين لا تنقصها الأسلحة المناسبة ولا الخبرات المطلوبة


يقف العالم اليوم امام عملية اعادة نظر في ترتيب أقوى المنظمات العالمية وتصنيفها من حيث قوتها مالاً وتسليحاً وعدداً وتجربة عسكرية ميدانية، فتأتي المافيا الروسية في المرتبة الاولى ومن بعدها منظمة ياماغوشي – غومي اليابانية ومن ثم الكموزا الايطالية، تليها الكارتيل المكسيكية. كل هؤلاء كانوا قبل بروز «حزب الله» وتنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش). هناك اوجه تشابه واختلاف بين الطرفين، اذ جمعتهما العقيدة الاسلامية – كل على طرف مضاد – ويلتقيان كذلك على حب الشهادة والشجاعة في المعركة وعدم التردد امام «العدو» والعداء للولايات المتحدة الاميركية واهدافها في المنطقة. الا ان اوجه الخلاف بينهما متعددة وجوهرية وتنبع من صلب العقيدة.

ولمزيد من الاضاءة على الطرفين لا بد من مقاربة اكثر عمقاً لطبيعتهما كأقوى تنظيمين في العالم، خصوصاً انه من المقدر ان يلتقيا وجهاً لوجه في بلاد الشام لتحديد مسار الحرب ونتائجها في الشرق الاوسط والتي ستغير معادلته الى غير رجعة.


«الدولة الاسلامية»


كثر الكلام عن مسببات وجود التنظيم وسيناريوات ظهوره، فاتهم بأنه صنيعة اميركا او النظام السوري او مخابرات عدة، اسلامية او عربية او غربية، غير ان الاكيد انه افاد من الخبرات الاميركية ايام حرب افغانستان ضد الاتحاد السوفياتي السابق وكذلك تعلم من الضباط العرب وغير العرب الذين التحقوا بصفوف المجاهدين في حربهم ضد الغرب وتنعم بعطاء المتبرعين في الخليج تحت عنوان «احياء العقيدة وطرد المستعمر الغربي»، غير ان التطور الاهم كان عندما دخلت الولايات المتحدة العراق العام 2003، لإزاحة صدام حسين، حينها قرر السفير بول بريمر «حاكم» بلاد الرافدين تسريح مئات الالاف من الضباط والجنود العراقيين «لانتمائهم الى حزب البعث» فبرزت «القاعدة في بلاد الرافدين» تحت قيادة ابو مصعب الزرقاوي، ثم انضوت تحت اسم «مجلس شورى المجاهدين» لتصل فيما بعد الى «الدولة الاسلامية» المعروفة اليوم بقيادة ابو بكر البغدادي بعد تغيير الاسم لمرات عدة ليصبح اكثر ملاءمة للحلفاء وللسيطرة على الارض التي يطأها المجاهدون من جنسيات مختلفة ولكن تحت راية سوداء واحدة كان يحملها آخر الانبياء محمد بن عبدالله.

وتتطلع «الدولة» اليوم الى انشاء الخلافة واستخراج الماضي القديم من المعتقدات مروراً بالمفردات ووصولاً الى الاحكام المستنبطة من فكر فقهي جامد لا ينظر الى العرف والزمان والمكان، وفرض الاسلام كما تراه «الدولة» وكذلك فرضت الجزية على غير المسلمين حتى ولو من «اهل الكتاب» وازدهرت سوق العبيد والجواري (الازيديين في العراق الذين وقعوا في قبضة «الدولة») وقطعت الرؤوس تحت انظار العالم، وجرى الذبح على الملأ وامام الاعلام المصور لمن هم ضد «الدولة» واعيدت تعابير «الخوارج» الى الضوء وكذلك «المرتدة» حتى اضطر الجميع للعودة الى معجم اللغة العربية ليبحث عن كلمات طال غيابها مثل «به..به» و«لله درك» وغيرها، وحُملت السيوف والغيت الحدود بين الدول (خط سايكس – بيكو) وفُرضت ضريبة الزكاة (بدل القيمة المضافة TVA).

ورغم هذا السلوك فإن «الدولة الاسلامية» فتحت ابواب الاستشفاء المجاني ومراقبة الاسعار بواسطة وزارة الاستهلاك وشرعت ابواب وزارة العدل التي لا تميز بين مسؤول (أمير) وفرد وانشأت مجالس المحافظات ومؤسسات تعنى بالزواج وبإيجاد المأوى وتوزيع الثروات والنفط باسعار زهيدة، الا ان هذه «الدولة» عطلت بعض الخدمات بطريقة استنسابية وحرمت اصحاب مصالح متعددة من ممارسة اعمالهم، فحكمت على بعض المهن بالانقراض لانها لا تتناسب مع الحكم الشرعي الذي يمليه الامير في المقاطعة بحسب تعاليم الفقه السلفي المتشدد (ابن تيمية، محمد بن عبد الوهاب)، وهي تناست انه لا يمكن لاي دولة ان تستمر وتحكم الا بالمعاهدات والتعاون مع دول اخرى، اقله دول الجوار، ولذلك فإن «الدولة الاسلامية» في العراق وسورية قد اقفلت افقها باعلان حالة الحرب على سورية والعراق والاردن والكويت والمملكة العربية السعودية وعلى الجمهورية الاسلامية في ايران وكلها دول تحد وجودها الحالي، فاعلان العداء يعني اطلاق الرصاصة الاولى على نفسها دون ان يمنعها ذلك من التمدد للوهلة الاولى بسبب ضعف القوى التي تشتبك معها وليس بسبب قوتها هي، فمارست السلطة من خلال حكم الترهيب لا الترغيب والذي يصح على الضعفاء وليس على اصحاب العقيدة القوية او عشاق الشهادة في سبيل احياء الدين، الذين دون شك، سيختلف عن العقيدة التي تتبعها «الدولة».

«الدولة» والبناء العسكري

استخدمت «الدولة الاسلامية» جهاز الاعلام الحربي بطريقة ناجحة تخدم التقدم العسكري الذي تحققه على ارض المعركة في العراق والشام، اذ زرعت الرعب في النفوس وفي قبائل المناطق التي توجد فيها، فانطلقت في مناطق اكثريتها من مذهب واحد وهو أمن «للدولة» بيئة حاضنة استطاعت من خلالها التغلغل بين المجتمعات لتتكاثر وتضرب كل من يعترض سبيلها، فعليل الصوارم اظهر «الاعدامات» التي قامت بها «الدولة» في المناطق ذات الغالبية السنية لتقول للجميع انه لا مكان لمن لا يقف مع «الدولة» وقد ساعدها هذا – عدا عن انتماء اكثر القادة الحاليين الى الجيش العراقي السابق البعثي – لسقوط الموصل والفلوجة والانتشار في الرمادي وابو غريب والدورة وجرف الصخر وعامرية الفلوجة واللطيفية وتكريت وغيرها من المناطق ذات اللون الطائفي الواحد.

وقد انشأت «الدولة» قوات بحرية بعد الاستيلاء على عدد كبير من القوارب السريعة في الموصل لتتنقل بين السدود وفي نهر الفرات، استحدثت سلاح الجو مستفيدة من بعض الطيارين المنشقين من الجيشين العراقي والسوري واسست خدمات الجناح الجوي (اي القسم الفني الميكانيكي، وقسم ملقم الصواريخ وقسم الفيول والرادارات، الخ...)، الا ان سرب الطائرات لديها لا يتعدى اصابع اليد الواحدة مع الطائرات دون طيار. وكذلك انشأت وحدة الامن والاستخبارات، ووحدة الاستطلاع القتالي ووحدات الدعم الناري وقوات المشاة ووحدة التدريب والوحدات الاختصاصية الخاصة و «جيش الدولة» العام و«جيش المقاطعة» ووحدات الامن الداخلي ووحدات الاسعاف الحربي، وقد نجحت في اكثر عملياتها العسكرية لانها لم تلاقِ في الميدان قوة قتالية تتمتع بعقيدة غيبية راسخة وهنا دور «حزب الله» اللبناني.


«حزب الله»


انشئ «حزب الله» اللبناني بعد انتصار الثورة الايرانية بأوامر من الامام الراحل آية الله الخميني «لاستنهاض الشعب اللبناني وتأسيس قوة تساهم في تحرير القدس».

وعلى مدى 33 عاماً تراكمت خبرات هذا الحزب من خلال التجارب العملية التي خاضها ضد احد اقوى جيوش العالم – بل الاقوى في الشرق الاوسط – لما يمتلكه هذا الجيش من قوى عسكرية تضاهي ما كان يمتلكه يومها الجيش السوفياتي في افغانستان حين هزمته «القاعدة» بعد الدعم الاميركي النوعي، وقد طَوّر «حزب الله» عقيدته ومدرسته القتالية واعتمد اساليب متنوعة من التكتيكات المبدعة في ساحة الوغى، مستفيداً من امكانات قدمتها له الجمهورية الاسلامية في ايران ليستطيع من خلالها مجابهة عدوه في البحر والبر والجو وفي المعركة الالكترونية المتطورة ايضاً.

وعند اول احتكاك مع القوى التكفيرية، تأقلم «حزب الله» مع مستلزمات محاربة هذه القوى الجديدة وواجه الكم العددي التكفيري في بابا عمرو والقصير وحمص وحلب والغوطة والقلمون ودرعا ومناطق تفوق مساحة لبنان بأضعاف مضاعفة بعدما كان مسرح عملياته العسكرية لا يتعدى الكيلومتر المربع الواحد في جنوب لبنان والبقاع ضد اسرائيل.

واظهر «حزب الله» في القصير والقلمون ان باستطاعة كل فرد من الوحدات الخاصة ان يدير عمل فصيل بأكمله من الجيوش الكلاسيكية الحليفة ويحول القيادة واسلوب القتال الى نمط حرب العصابات ليتأقلم مع عدوه التكفيري في الساحة السورية ويجابهه بأسلوب مختلف تماماً. مثالاً على ذلك ان اسلوب «حزب الله» في القتال يعتمد على المحافظة على العنصر البشري واعطاء هذا العامل الاهمية القصوى اكثر من عامل الوقت اللازم لاحتلال منطقة او مدينة، بينما تزج القوى التكفيرية بأعداد هائلة وبعمليات انتحارية متعددة دون الالتفات للمحافظة على نوعية المقاتل واهميته، مما رفع من مستوى الخسائر البشرية لدى القوى التفكيرية الى آلاف مؤلفة بينما لم يخسر «حزب الله» منذ بدأ اشتراكه بالحرب بقوة مع بداية عام 2013 اكثر من 900 مقاتل.

ويتمتع «حزب الله» كما يتمتع مقاتل «الدولة الاسلامية» بالعقيدة وحافز الاندفاع نفسه، ويتمنى الاثنان «الشهادة» في ارض المعركة الا ان «حزب الله» يراعي مسائل لا يلتفت اليها مقاتل «الدولة». مثلاً فان «العمليات الانتحارية التي تقوم بها «الدولة» مبنية على مبدأ انه من «يقتل – في السيارات المفخخة وسط المدنيين خاصة – وهو يستحق الموت فقد لاقى نصيبه ومن لا يستحق وقتل صدفة فقد عجلنا به الى الجنة»، بينما اقتصرت فلسفة «حزب الله» الانتحارية ضد الاهداف العسكرية فقط، فـ«حزب الله» اوقف عمليات عسكرية مهمة لوجود مدنيين بينما لا تمانع «الدولة» قتل عدد من الجنود العراقيين وعدد اكثر من المدنيين او بوضع سيارة مفخخة في منطقة سكنية ذات غالبية طائفية من لون واحد حتى ولو قضى خلالها آخرون من مذهب آخر.

ولدى «حزب الله» مؤسسات للعناية بالجرحى ومؤسسة الشهيد ومؤسسات للفقراء ومؤسسة المساعدات الزوجية ومستشفيات عبر علاقة عنكبوتية مرتبطة بأكثر المستشفيات اللبنانية بغض النظر عن انتمائها المذهبي او السياسي، ولديه علاقات مع روسيا والصين ويتواصل مع الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية (شارك وفد حزب الله في اليوم الوطني السعودي الاسبوع الفائت عبر وفد رسمي) وكذلك لديه علاقات سياسية مع دول غربية عدة.

اما على المستوى الاجتماعي فلا حدود لـ«حزب الله» ولا جزية تدفع لأهل الكتاب (مثل المسيحيين في الموصل والرقة تحت ظل الدولة الاسلامية) ولا يلغي اي فكر وينسج علاقة مع المسيحيين والسنة والدروز، كما لديه حلفاء من هؤلاء يعتبرون جزءاً لا يتجزأ من حركته السياسية. وقد ظهرت طريقة «حزب الله» بالمعاملة مع المذاهب الاخرى عندما انسحب الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان مخلفاً وراءه العملاء الذين لم يتعرض لهم وسمح للقضاء اللبناني بتولي الامر فلم يمارس القوة او مبدأ الاقصاء او الانتقام.

اما عسكرياً فيتمتع «حزب الله» بقوة صاروخية تقول اسرائيل بأنها تعدت الـ150 الف صاروخ من عيارات مختلفة تستطيع ان تحمل مئات الكيلوغرامات من المتفجرات وتتمتع بدقة الاصابة، كما لديه قوة صاروخية مضادة للطائرات والدبابات (مقبرة الميركافا عام 2006) ومضادة للسفن وهي متطورة جداً تستطيع اغلاق اي مرفأ بحري معادٍ وكذلك يمتلك الطائرات من دون طيار المجهزة بصواريخ دقيقة الاصابة رأيناها في سورية، وكذلك لديه ابتكارات صاروخية استخدمها كـ«البركان» وغيره من الصواريخ التي تتماشى مع حرب العصابات وحرب المدن الدائرة ضد التكفيريين في بلاد الشام.

ويتمتع «حزب الله» بخبرات واسعة في زرع العبوات المموهة ونصب الكمائن والتغلغل في ارض «العدو» والقيام بعمليات خاصة كنسف الجسور او القضاء على معدي التفجيرات بعد التوغل لكيلومترات عدة في نطاق وجود القوى التكفيرية والانسحاب منها والقدرة على المناورة والالهاء، واغتيال مسؤولين (في القلمون) اثناء المعركة والتنصت الالكتروني وقدرة بحرية لا يستهان بها.

وهنا تبقى المعركة النهائية المتوقعة على ارض الشام حيث لا بد من ان يتلاقى الجباران واقوى المنظمات عدداً وعدة، فقد استولت «الدولة الاسلامية» على معدات فرق عسكرية باكملها في العراق وسورية الا ان «حزب الله» لا تنقصه الخبرات والاسلحة المناسبة، لذلك فإن الشام مرشحة لأن تكون في المستقبل ارض الملاحم.

&