وفيق السامرائي

لم تقف الرئاسات العراقية الثلاث التي جرى تغييرها بالانتخابات الأخيرة بمفردها في التصدي لحرب «الدواعش»، فقد تشكل التحالف الدولي حتى لو كان دوره محدودا، ووقفت إيران إلى جانب الحكومة العراقية بوسائل متعددة؛ من بينها المشاركة المباشرة في المشورة وغيرها من مسائل القيادة والسيطرة ودفع مجموعات صغيرة من الوحدات، ووردت تقارير كثيرة ونشرت صور عن مشاركة الجنرال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس»، في ترتيب الدفاع عن بغداد ومعارك شمال ديالى وعمليات جنوب بغداد. وأميل إلى ترجيح صحة التقارير، فقد كانت آثار الصدمة النفسية كبيرة خلال الأيام والأسابيع الأولى التي أعقبت سقوط الموصل. كما يرجح تسليم إيران عددا من طائرات السوخوي التي أرسلت إلى قواعدها خلال حرب الخليج الثانية. ولولا الدور الإيراني لكان الوضع في بغداد مختلفا تماما، وقد تصرف الإيرانيون بهدوء كبير.


مع ذلك، لم تكن مهمة الرئاسات سهلة على كل الاتجاهات. ونظرة سريعة إلى رئاسة الجمهورية تثبت أن مهمة الجمع والتنسيق بين الأضداد من نواب الرئيس لم تكن سهلة، في ضوء التراكمات الكبيرة من المشكلات والإشكالات في العلاقات بينهم على مدى ثمانية أعوام متواصلة. إلا أن شخصية الرئيس فؤاد معصوم الوسطية المعتدلة، وثقافته العربية - كأحد أساتذة اللغة والثقافة العربية - وتاريخه السياسي الطويل، ونظرته الواقعية لمعطيات الوضع العراقي، عوامل شكلت قاعدة قوية لإضفاء نمط جديد من العلاقة بين نوابه الثلاثة، كما أن الظرف الحساس، وتلاقي المصالح عند نقاط محددة، وعدم تحمل الوضع العراقي للمزيد من الخلافات، عوامل مضافة دفعت النواب إلى الارتقاء إلى مستوى إيجابي، وإن لم يرتقِ إلى المستوى المطلوب في تحمل الأعباء الثقيلة.


ولأول مرة، تظهر رئاسة البرلمان بمظهر التماسك والتفاعل، وتتصرف بطريقة بناءة مع الحكومة في معالجة المعضلات، كما أن رئاسة الحكومة تتصرف بطريقة ديناميكية لمعالجة الملفات الساخنة، خصوصا ما يتعلق بسير العمليات القتالية، حيث استغل «الدواعش» مرحلة انتقال السلطات لمحاولة انتزاع المبادأة في أكثر من منطقة عمليات، إلا أنهم لم يستطيعوا تحقيق مكتسبات تشغل حيزا من الأهمية، فتمكن القائد العام من التفاعل الإيجابي على الرغم من أن المهمة لم تكن سهلة مع ما رافقها من تغييرات قيادية عسكرية، وفقا لما جرى التوافق السياسي حوله بين الكتل. وإذا ما أريد الإنصاف، فلا بد من القول إن الرئاسات قد تمكنت من مواكبة الأحداث، وما كان هذا ليتحقق لولا وقوف الشعب في جبهة واحدة من التعاطف والشعور بحتمية الدفاع، ولولا تغلب القوات المسلحة والحشد الشعبي على آثار مرحلة النكسة.


وإذا كانت الرئاسات تمكنت من التفاعل الإيجابي في مرحلة صعبة، فلا تزال على الدرجة الأرضية من سلم المهام، وإن مسؤولياتها القادمة يفترض أن تكون حاسمة في تأمين مستلزمات انطلاقة واسعة لاستعادة القدرة على الرد الشامل بعيدا عن الحسابات الكومبيوترية، فالمعادلة التي يفترض العمل بها هي أن «الدواعش» جسم غريب، وقد انتفت كل الأسباب التي أدت إلى تحقيقهم اندفاعات عميقة وسريعة، ولم يشهد العراقيون حالة من التوحد لمجابهة الخطر كما هي الآن، خصوصا بعد أن توحد العالم ضد الإرهاب، حتى لو بقيت ثغرات معروفة في مواقف عدد من الدول.


مطلوب من الرئاسات تجاوز السياقات الكلاسيكية، والعمل كفريق واحد من دون التجاوز على خصوصيات المسؤوليات، وإذا ما أمكن عقد اجتماعات دورية لتبادل الرؤى في معالجة المواقف التي تحتاج إلى جهد مشترك، فستترك أثرا مهما في مجال تعزيز الثقة والرد على الحرب النفسية، ومن الضروري توجيه الجهد بعيدا عن المطالب التي بقيت مثار خلاف، فتعقيد المطالب يعرقل الحلول المطلوبة للمعضلات المعروفة وهي كثيرة.


التعاون بين الرئاسات والتفاعل الإيجابي، وتخطي الإجراءات البيروقراطية، عوامل يمكن أن تسهم في توجيه الجهد لاختصار الوقت على طريق تحرير المدن، وإعادة بناء العلاقات بين الكتل السياسية، وتعزيز البنية المجتمعية، ومحاربة الفساد الذي يحتاج اقتلاعه إلى خطوات وقرارات استثنائية وتعاون بين كل مؤسسات الدولة. وليس أمام الرئاسات إلا التفاعل كفريق واحد والتصدي لـ«الدواعش» وجها لوجه، فالتغني بمصطلحات المصالحة وغيرها لم يعد يجدي نفعا، فقد أصاب الناس الملل من السياقات التقليدية ومن رفع الشعارات التي غطت كل قمصان السياسيين بلا جدوى.