حسام عبد البصير

&كل الشواهد تشير إلى أن البلد العربي الأكبر من حيث سكانه، يواجه زلازل شبه يومية، أدناها ذلك الرعب الذي بات يدق أبواب حتى أولئك الذين ناصروا النظام في حربه ضد الإخوان، خشية أن ينالهم بطشه. وأعلاها تلك الحوادث الإرهابية التي تتوالى لتسقط حماة الوطن بين قتيل وجريح في معارك وصفها الرئيس كثيراً بأنها بالنسبة للمصريين «معركة وجود»، ثم جاء الحل الأمني بتهجير أهالي المناطق الحدودية في رفح والشيخ زويد ليصب كثيرا من الزيت فوق النار، فما بين مؤيد للقرار ومعارض له تاهت الكثير من الحقائق، فهل ستنتهي المعارك ضد الإرهابيين قريباً وتنجح مصر في أن تسترد عافيتها وتستأنف مشوارها، من أجل إحراز الأهداف التي من أجلها أيد الكثيرون الرئيس السيسي في مساعيه حتى تولى سدة الرئاسة؟ أم أن الحرب على الإرهاب ستستمر لفترات طويلة مقبلة؟
بعض المتفائلين يرى أن الإرهاب يلفظ بالفعل أنفاسه الأخيرة، فيما يذهب المتشائمون إلى أن المعركة ستطول…
في صحف أمس الجمعة، تفاقمت المعارك بين الكتاب ومعظمها حول ما يجري في سيناء، كما استمرت المعارك ضد الإخوان وحزب النور والقوى المناوئة للإسلاميين.. ومما اهتمت به صحف أمس، رفض الرئيس عبدالفتاح السيسي الخوض في شأن ترشحه لدورة رئاسية ثانية، وشدد على أن مصر «أكبر من الكرسي، وأعظم من شهوة السلطة، ومستقبلها في رقبتنا». وقال ردا على سؤال من رئيس تحرير صحيفة «عكاظ» السعودية، في الجزء الرابع – والأخير- من حواره مع الصحيفة الذي نشرته أمس، حول ما إذا كان قد بدأ التفكير من الآن في الدورة الرئاسية الثانية: «شغل مصر الشاغل الآن وشعبها العظيم ومؤسسة الرئاسة وحكومتها هو كيف نحافظ على مصر قوية»، موضحا أن «مصر تستحق منا جميعا أن نصونها ونحميها ونستثمر قدراتها وإمكاناتها وطاقات شعبها الهائلة لصنع المستقبل الأفضل للإنسان المصري. وإلى التفاصيل:

غرفة عمليات في البيت الابيض لأسقاط حكم السيسي

يستشعر كثير من المصريين أن الخطر لازال يهدد بلدهم الذي يواجه مخاطر متعددة، وهو ما دفع رئيس تحرير «الأهرام» محمد عبد الهادي علام للتأكيد على أن المؤامرات التي تحاك لمصر تشارك بها جهات عدة داخلية وخارجية: «ليس سراً أن غرف العمليات التي تبارك العنف مازالت تعمل بكل قوة، ومنها غرفة عمليات تابعت ثورة 25 يناير/كانون الثاني وخططت للقفز على الانتفاضة الشعبية ضد حكم حسني مبارك. ويرى علام أن هناك دلائل على أن غرفة العمليات التي تعمل في البيت الأبيض يوجد بها حتى اليوم مصريون وهناك، على سبيل المثال، مستشارون للرئيس الأمريكي باراك أوباما، لا يروق لهم تقدم الأوضاع في مصر، والاتصالات مع جماعة الإخوان مستمرة والاجتماعات مع القيادات الفارة من الجماعة ومستشاريهم في العواصم الغربية مستمرة أيضا، من دون أن نعلم ما هو الهدف من تغذية أوهام الجماعة على حساب أمن المصريين؟ وهم بالمناسبة خرجوا إلى الشوارع بأغلبية غير مسبوقة، في مشهد لم يحدث في تاريخنا المعاصر ضد سلطة حاكمة. يضيف عبد الهادي أن ما تفعله القوى الغربية من إرسال إشارات خاطئة تقوي من شوكة الإرهابيين، تحت دعوى الدفاع عن الحريات، تتناسى أن هناك حقوقا لكل المصريين نسمي منها «الحق في البقاء»، ويرى الكاتب أن هدف البعض اليوم هو هز الثقة في الجيش المصري، ويشارك في تلك الموجة بعض الأصوات التي خرجت في 30 يونيو/حزيران بحثا عن منقذ من حكم الجماعة، ولم تجد سوى القوات المسلحة سبيلا لإنهاء الحكم الخطر للمرشد وأبنائه.. وبعد شهور من ثورة 30 يونيو لم يجد البعض مكانا لهم في المشروع الوطني الجديد فراحوا يحرضون ضد الوطن ويحرضون ضد الجيش ويحرضون ضد كل مخالف لآرائهم».

أمريكا لا تريد الخير للعرب والمسلمين

ونبقى مع المؤامرات الأمريكية التي تحاك للعالمين العرب والإسلامي وبحذر منها في «الأهرام» عبد المعطي محمد الذي يؤكد أن الحرب على «داعش» وهم تسوق له الإدارة الأمريكية، بهدف تفكيك العالمين العربي والإسلامي: «من العيب أن تصدق أمة العرب المزاعم الأمريكية أو تؤازرها أو ترحب بها بأي شكل. واشنطن مازالت تؤكد أن مواجهتها أو مواجهة التحالف الدولي لـ»داعش» سوف تطول وتستمر لعدة سنوات. كما أن القيادات العسكرية الأمريكية تشدد على أن الضربات الجوية فقط لن تهزم «داعش»، فهل أمر «داعش» يقتضي كل هذه السنوات؟ وهل «داعش» وحده الإرهابي؟ وما هو الموقف الأمريكي من الفصائل الأخرى مثل: «النصرة، وبيت المقدس، وأنصار الشريعة، فجر ليبيا»، التي تمارس الإرهاب وخرجت جميعها من عباءة الإخوان وحسن البنا، كل ما يحدث الآن من طلعات جوية أو صاروخية أو مدفعية من جانب التحالف الغربي ضد «داعش» في العراق وفي سوريا ما هو إلا عملية تأديب وتهذيب، ولن تصل أبدا إلى حد القضاء على هذا التنظيم تماما، والواقع يقول إنه ليست هناك استراتيجية أمريكية حقيقية لمواجهة «داعش»، بل هناك محاولة لاستثمار الوضع الحالي لتحقيق أهداف سياسية فشلت أمريكا في تحقيقها خلال السنوات الماضية. ويرى الكاتب أن مجرد الظن بأن الولايات المتحدة جادة في محاربة «داعش» وهم كبير، ذلك أن ما يجرى ما هو إلا «شو أمريكي» له أهداف غير تلك المعلنة، وهو في حقيقته لا يحقق إلا المصالح الصهيو أمريكية، ولاتنسوا أن «داعش» صناعة أمريكية وحصان طروادة أمريكي جديد».

التهجير بين الحلم الإسرائيلي والحل المصري

ونتحول نحو الحدث الأبرز الذي تشهده مصر على حدودها، حيث يتم تهجير العديد من العائلات التي تقطن المناطق الحدودية مع قطاع غزة. وفيما يرى البعض أن ذلك السيناريو يخدم الأمن القومي المصري، يرى آخرون من بينهم محمود الاسكندراني في «الشعب» أن إسرائيل تحقق أهم أحلامها الآن عبر سيناريو التهجير: «إن ما يحدث الآن في مصر وبالأخص في شمال سيناء يعد جريمة كبرى وخيانة عظمى لله والوطن، ويجب محاسبة من يفعل هذا وأن يحاكم محاكمة ثورية. ماذا يعني من قراره بتهجير أهل سيناء، وهل هذا هو الحل؟ بدلا من تشديد الحراسة الأمنية وتفعيلها لضبط الحدود وعدم دخول المهربين، لن يكون الحل هو عزل منطقة بالكامل، ماذا لو تم ضرب كمين في القاهرة، هل سيتم تهجير أهل القاهرة، هل لا توجد لدينا حلول، أم أن الحل الأمني هو المسيطر الآن على العقول، ونسوا أن هناك عدوا يتربص بنا، أم أن العدو الآن هو من يتحكم فينا؟ ويتساءل الكاتب: هل حاسب أحد المتسبب في هذا الإهمال والتقصير، أم أصبحت دماء الشعب المصري بكل بطوائفه رخيصة وهينة؟ أم أصبح إرضاء الغرب هو الأهم عندنا؟ هل أصبح جنود مصر هم من يدفعون ثمن أخطاء ومصالح السلطة، التي تبحث دائما عن حماية نفسها من دون النظر إلى مصالح الشعب وقدرات الوطن، هل أصبحت الأرض الآن أرض سيناء تمثل مشكلة كبيرة وأصبح من السهل التخلي عنها ببساطة، هل أصبح وجودها غير مرغوب فيه؟ ويناشد الكاتب شعب مصر أن يفيق الآن بدلا من أن تصبح مثل شعوب تبحث عن أرض؟ لك الله يا مصر والله غالب على أمره ويسقط حكم العسكر».

مصر بين الفوضى والعنف

ونبقى مع خائف آخر على مصر التي تواجهها أقدار مجهولة، السعيد الخميسي في «الشعب»: «اشعر بالحزن العميق لأنني أستشعر أن وطني تهوى به الريح في مكان سحيق. كل يوم قتلى أبرياء، سواء كانوا جنودا أبرياء أو مدنيين أو متظاهرين. فالدم المصري كله حرام ولا يجوز أبدا سفك دم امرئ مسلم أو غير مسلم بغير حق. ويجب أن يتحمل كل مسؤول في هذا الوطن مسؤوليته أمام الله وأمام الشعب. إن الدم المصري صار اليوم رخيصا أرخص من تراب الأرض في الشوارع والميادين ووسائل المواصلات، في البر والبحر والجو. أدعو كل عقلاء الوطن إلى عقد جمعية عمومية للشعب المصري في ميدان التحرير وكل ميادين مصر لمناقشة، بل ومحاسبة كل من تسبب في هذا المشهد. أدعو كل عقلاء الوطن إلى التحرك على جناح السرعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذا الوطن، لأن نار الفوضى تنتشر انتشار النار في الهشيم. إن الدم المصري كله حرام. أنقذوا مصر قبل أن تتحول إلى مستنقع للثار والانتقام وساعتها سيجد العدو الصهيوني ضالته في تفكيك هذا الوطن حتى يتحقق حلمه من النيل إلى الفرات، قول واحد: الوطن يغرق وتترنح سفينته أمام أمواج الفتن العاتية فمن يتقدم لانتشال الوطن من براثن الانقسام والانهزام والانحسار؟ أسرعوا يا عقلاء الوطن فليست النائحة كالثكلى. إن لم تتقدموا اليوم فمتى تتقدمون؟ إن لم تتحركوا اليوم فمتى تتحركون؟ إن لم تنتفضوا اليوم فمتى تنتفضون؟ إن لم تتحرك فيكم اليوم حمية الإسلام فمتى تتحرك؟ مصر في حاجة إليكم اليوم فلا تذروها وحيدة تناوشها الذئاب المسعورة والوحوش المأجورة» .

هناك من يتهم النظام بتدبير مذبحة سيناء

وليس ببعيد عن قضية التهجير نذهب للحادث المروع الذي لازالت اصداؤه ماثلة في الأذهان والذي أسفر عن مصرع ثلاثين جندياً مصريا في سيناء، وها هو محمد الشبراوي يجنح به خياله للحد الذي يتهم خلاله النظام بارتكاب المذبحة، فلنستمع لتبريراته في هذا الشأن: «أصابع الاتهام بحسب العديد من المحللين تشير إلى النظام. مصر منذ الانقلاب على الرئيس المنتخب (الدكتور محمد مرسي) تدار بعقلية مخابراتية صرفه وتوقيت تنفيذ العملية لم يأتِ اعتباطا مع بداية العام الهجري، وتأتي العملية في إطار استعادة الزخم والترويج لاستراتيجية ما يسمى مكافحة الإرهاب. ويؤكد الكاتب ان الفترة الأخيرة شهدت تآكلا متسارعا في مصداقية السيسي ونظامه، حيث بدت تجلياتها بشدة داخليا وخارجيا. على المستوى الخارجي شهد نظام السيسي هجوما من العديد من المنظمات الدولية الحقوقية والصحف الأمريكية والأوروبية ك»نيويورك تايمز» وغيرها ضد انتهاكات النظام لحقوق الإنسان، حيث تم توصيف النظام بأنه أشد المراحل استبدادا في تاريخ مصر الحديث، وكذلك الحراك الطلابي الذي أعاد الحيوية للحراك الرافض للانقلاب، الذي قابله النظام بتصعيد العنف، لاقى شجبا على المستوى الداخلي والخارجي. ومن تجليات الكاتب أيضاً حول أسباب المذبحة: التأزم الشديد في الوضع الاقتصادي الذي يتعمق يوما بعد يوم وكذلك توجه النظام لاتخاذ المزيد من الإجراءات الاقتصادية التي ستمس معاش المصريين في الصميم. تشير بعض التحليلات التي يسوقها الكاتب إلى أن هناك صراع أجنحة داخل المنظومة الحاكمة، يلقي بظلاله على المشهد، بما يعني أن مثل هذه الأحداث قد تأتي أيضا في سياق الإطاحة ببعض العناصر التي أبدت تململا ويخشى منها، ومن المبررات التي يسوقها الشبراوي وراء المذبحة: التدشين لعملية تفريغ سيناء وتسريع خطواتها وعمل منطقة عازلة وفقا للمخطط الإسرائيلي الأمريكي».

الجيش أدرى بشعاب سيناء

اتركوا سيناء وأهلها للقوات المسلحة، هي منهم وهم منها، ولو خُيّر أهل سيناء بين القوات المسلحة وغيرها.. لاختاروا مباشرة القوات المسلحة حكماً بينهم، بينهم مودة ورحمة.. الكلام لحمدي رزق في «المصري اليوم»: «لا تتكلموا بألسنتهم، فقط أتركوهم لحالهم، أهلنا في سيناء حزانى على شهداء الجيش ربما أكثر منا، ومضاربهم تحولت إلى سرادقات عزاء، بكوهم بدموع العين، لأن رجال القوات المسلحة يوقرون الكبير فيهم، ويقدرون تقاليدهم، ولا يغيرون عليهم ليلاً. يضيف رزق: فليتكلموا هم، كفوا ألسنتكم الحداد أنتم، القوات المسلحة هم من شقوا لهم الطرق، وحموا المزارع، وتلقوا المظالم، وبحثوا في المشاكل المزمنة، ليس بين القوات المسلحة وأهلنا في سيناء ضغينة، في حدقات العيون، ويدخرون لهم خيراً عميماً يبدأ من خط القنال الجديدة. ولتعلم يا هذا أن القنال الجديدة يؤمها عشرات الآلاف من أهل العريش، معروفون أهل العريش بالخبرة الهائلة والمتراكمة في أعمال الحفر والرصف وتعبيد الطرق، النسبة الغالبة من محترفي قيادة البلدوزرات العملاقة من العرايشية، يملكون جَلَداً وصبراً وتحملاً فوق طاقة العاديين، هم من يحفرون شريان الخير. ويعدد الكاتب سوابق قادة القوات المسلحة في سيناء وأنها تنبني عليها ثقة كاملة بين شعب سيناء وقواته المسلحة، وكبار العائلات يجدون في مكاتب المخابرات العسكرية استجابات فورية، وحتى في أوقات انعدام الثقة التي طرأت بين الشرطة وأهل سيناء لأسباب زالت، كانت مكاتب المخابرات العسكرية محل ثقة، ورجالها مقصد، في تقدير بالغ من القوات المسلحة لشعب خاض الحروب جميعاً جنباً إلى جنب مع القوات المسلحة، (منظمة سيناء في حرب أكتوبر/تشرين الأول خير نموذج ومثال) ويؤكد الكاتب أنه لو في فم السيناوى لقمة وهو جائع ما عزها عن جند بلده، ولو كان عليهم يبيتون في العراء، ينامون في الطل، من يعرف نبل ووطنية وشهامة أهل سيناء الأصلاء، لا يخاف منهم على قواتهم المسلحة، ولا خاف عليهم من قواتهم المسلحة، فهم في رباط إلى يوم الدين».

لهذه الأسباب يرفض البعض التهجير

ذاكرتي تمنعني ـ فطريا ـ من أن أكون إلى جانب التهجير أبدا، وأيا كانت المبررات، وأعرف أنها محنة إنسانية قاسية جدا ومؤلمة جدا على النفس، يزيد على ذلك أن يكون التهجير قسريا وليس اختياريا، كما يكون المرار أشد عندما يكون مصحوبا بتفجير بيتك الذي نشأت فيه ويحمل كل ذكرياتك وهو بصمة «الوطن» الأولى والأرسخ التي لا تنسى، ولهذه الأسباب جمال سلطان رئيس تحرير «المصريون» ضد عمليات التهجير التي بدأت في سيناء قبل أيام وهو سلوك يرى الكاتب أن الدستور يمنعه بنص واضح صريح، ولكن حتى بدون دستور، فهو سلوك مغامر وفيه استعجال وخطير وتوابعه سلبية جدا على هوية سيناء وأهلها وولائهم للدولة الوطنية، ويرى الكاتب أن تلك هي المعاني نفسها التي عبر عنها السيسي نفسه عندما كان وزيرا للدفاع وقائدا للجيش، في شريط فيديو انتشر على نطاق واسع على شبكة الإنترنت مؤخرا، يحذر فيه من التفكير في التهجير لسكان رفح وأن عواقبه خطيرة جدا ـ حسب تعبيره ـ على الوطن ووحدته على المدى الطويل، وضرب مثلا بما حدث في السودان، كما أنها المخاطر نفسها التي نبه إليها خبراء عسكريون غربيون كبار مثل آرون ريس نائب مدير الأبحاث في معهد دراسات الحرب في واشنطن في مقاله الذي نشرته «نيويورك تايمز» تعليقا على ما يحدث في سيناء وقال فيه: «إن الحملة التي يقوم بها الجيش المصري في سيناء قد تنتهي إلى نتائج عكسية على المدى البعيد لأنه لا يمكن أن تسوى منطقة بالأرض بيتا بيتا ثم تقنع الناس بأن يعملوا معك».

قيادات النور لا تقدر مصالح الوطن

ونعود للمعارك الصحافية ويقودها هذه المرة كرم جبر ضد رموز حزب النور السلفي في «اليوم السابع»: «نموذج مثل عماد عبد الغفور رئيس حزب الوطن السلفي المتطرف وأمثاله، يجب أن يختفوا تماما من الحياة السياسية، ومعهم تشكيلة الأحزاب الدينية التي خرجت من تحت الأرض في فترة حكم المعزول، فأصبحوا الاحتياطي الاستراتيجي الجاهز لدعم ومساندة الجماعة الإرهابية، لا يراعون المشاعر الوطنية الغاضبة التي انفجرت كالبركان بعد مذبحة كرم القواديس، فخرج عبد الغفور ببيان مخز يقول فيه «وينتهز الحزب الفرصة للتأكيد على موقفه الثابت ودعوته المتكررة بعودة القوات المسلحة إلى ثكناتها، وترك انشغال القادة العسكريين بالعمل السياسي، وحل مشكلات الوطن العارضة عن طريق الحوار للبناء والتوافق». يضيف كرم: إنهم لا يستحون ولا يعرفون حمرة الخجل وتفضحهم ألسنتهم وأفعالهم، ففي الوقت الذي تروي فيه دماء شباب الوطن مسلمين ومسيحيين أرض سيناء، وتعم الأحزان البلاد من أقصاها لأقصاها، وتفتت أحزان أهالي الشهداء الصخر في القلوب، أعاد عبد الغفور دعوته القبيحة بعودة الجيش لثكناته، بما يعني أن يترك سيناء فريسة للإرهابيين الذين جاء بهم المعزول من كل بقاع الأرض، وبما يمهد الطريق لمزيد من الأعمال الإرهابية، على غرار ما يحدث في سوريا واليمن وليبيا، ليرقص عبد الغفور وأمثاله على أنقاض الوطن، فلا حياة لهم إلا فوق الجثث والأشلاء ولا عودة لمجدهم الزائل إلا إذا أحرقوا مصر وقتلوا شعبها».

للأقصى رب يحميه

ومن المعارك الصحافية الداخلية إلى ما تشهده القدس الحبيبة، حيث المسجد الاقصى يتعرض للاعتداءات في ظل صمت مطبق من قبل المسلمين، وهو ما يحزن فهمي عنبة رئيس تحرير جريدة «الجمهورية»: «بالأمس قرر الصهاينة إغلاق المسجد الأقصى أمام المصلين نهائيا حتى يخلو لهم حرم المسجد ويفعلوا ما يشاءون. ولم يتحدث مسؤول واحد من «هيومان رايتس» واخواتها المنظمات التي تدعي انها تحافظ على حقوق الإنسان وتحمل لواء العدالة وتحتفظ لنفسها حصريا بحق تحقيق المساواة في العالم! ويرى منع أي طائفة في العالم من الصلاة في معبدها أو كنيستها أو صوامعها وبيعها هو أكبر انتهاك لحرمة الأديان ولحقوق الإنسان. ويحتاج إلى موقف سريع من العالم الإسلامي والمناداة بتدخل من مجلس الأمن الدولي لوقف الاعتداءات المستمرة والمتلاحقة على ثالث الحرمين الشريفين وعلى أولى القبلتين لأكثر من مليار ونصف المليار مسلم. ويشير الكاتب إلى أن العالم بأسره يعرف أن إسرائيل لا تريد السلام وهدفها ضم القدس وهدم الأقصى، ومع ذلك لا يوجد من يتحرك. وهؤلاء لهم عذرهم ولكن ما هو عذر الدول العربية والإسلامية إزاء انتهاك مقدساتها في بداية عام هجري جديد، وقبل أيام من الاحتفال بعاشوراء، ذلك اليوم الذي نجّى الله سبحانه وتعالى فيه رسوله موسى وطالبنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بصيامه والاحتفاء به، لأننا أولى بسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام من اليهود؟ وقد دأب الصهاينة على خرق القانون الدولي وكل العهود والمواثيق عبر تاريخهم، كما يؤكد عنبة، ويعتبر الاعتداء على مقدسات المسلمين وإغلاق المسجد الأقصى أمام المصلين أمس بمثابة إعلان حرب، كما قال نبيل أبوردينة المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية أمس. لذا لا بد من اتخاذ موقف عاجل تجاهه، خاصة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي حشد قواته حول حرم المسجد وطالب بزيادة تسليحهم وأمرهم بقتل من يقترب للصلاة في المسجد الأقصى».

أنفاق السياسة لا تقل خطورة عن أنفاق رفح

وليس ببعيد عما يجري في سيناء فإن حالة القمع والترهيب التي تقودها ألوية النظام ضد القوى الثورية، لا يمكن أن تسفر إلا عن مزيد من الكبت العام الذي قد ينفجر في أي لحظة، كما يشير عماد الدين حسين في جريدة «الشروق» الذي يستشهد بنماذج عدة من الشباب، حيث يرى بعضهم أنه من المهم أن ندمر أنفاق سيناء بين رفح المصرية وشقيقتها الفلسطينية، حتى نقضي على أحد مسببات الإرهاب، لكن من المهم أكثر ألا نسمح بنزول الناس إلى أنفاق اليأس إذا تعطلت السياسة. ما يجمع كل هؤلاء الشباب كما يقول الكاتب أنهم من أنصار بل وكوادر 30 يونيو/حزيران، ومن أنصار 25 يناير/كانون الثاني أيضا، هم لا يطيقون سماع كلمة إخوان وكراهيتهم للتطرف باسم الدين محسومة. كلهم أيضا صوتوا لصالح الدستور المعدل، وغالبيتهم صوت لصالح الرئيس عبدالفتاح السيسي. الخوف الأكبر لديهم أن السياسة تموت والإرهاب يتمدد، والحكومة لا تفعل أي شيء غير الحلول الأمنية، وهي رغم أهميتها لا تكفي. ويرى حسين أن بعض الشباب لديه اعتقاد راسخ بأن الحكومة غير مهتمة أو غير مكترثة بالحديث مع السياسيين، رغم أنهم بإمكانهم مساعدتها على مواجهة تحديات الإرهاب والمتطرفين معا، وأحد هؤلاء وكان ناشطا ليبراليا لا يرى مبررا للتعامل الشديد مع الشباب الصغير، ويرى أن أي عقاب يتلقاه هؤلاء المتظاهرون المدنيون لا يقارن بحجم الضرر الذي يصيب سمعة مصر بالخارج ويتلقفه الإخوان بالداخل، لضم كل الساخطين على الحكومة إلى صفوفهم. ويستشهد الكاتب بسياسى آخر ينتمى إلى التيار الناصري، قال له بوضوح إن كثرة التضييق على العمل السياسي المدني المعارض سيجعل الناس تنزل إلى الأنفاق، بعضهم للعمل السري، وبعضهم إلى أنفاق اليأس والعزلة، في حين أن الدولة ينبغي أن تفتح لهم المجال وتساعدهم».

وللشعب جيش يدافع عنه

وإلى مزيد من الاحتفاء بدور الجيش والرئيس في حماية الشعب فيكتب به محمد الهواري في جريدة «الاخبار»: «القرار الحكيم الذي أصدره الرئيس عبدالفتاح السيسي بعودة الجيش للمساهمة في تأمين المنشآت العامة والحيوية وإحالة جرائم الاعتداء على هذه المنشآت للقضاء العسكري، يستهدف الحفاظ على مكتسبات الدولة ومرافقها لخدمة المواطنين. يضيف الكاتب: لا شك أن اعتداء الإرهابيين على محطات وشبكات وأبراج الكهرباء وخطوط الغاز والقطارات ومرافق الطرق والكباري كان يستلزم مساهمة الجيش في حماية هذه المنشآت من اعمال التخريب، التي يقوم بها بعض الخارجين على القانون ومن يساعدونهم في كشف خرائط بعض هذه المنشآت.. بما يستلزم حمايتها من مثل هذه الاعتداءات والكشف عن المعتدين حتى يأخذوا جزاءهم العاجل. ويرى الهواري أن مصر تواجه حربا شرسة مع الإرهاب والجماعات المتطرفة التي تعيش في بلد تريد تحويله إلى خرابة بدون مبرر ديني أو أخلاقي أو انتماء لهذا البلد، خاصة بعض شباب الجامعات الذين تلوثت عقولهم بالأفكار الشاذة، رغم قيام الشعب بالإنفاق على تعليمهم حتى يكونوا أعضاء صالحين في هذا المجتمع. ويؤكد الكاتب أن اجهزة الأمن عليها أعباء كبيرة تحتاج لمساندة شعبية لكشف المخربين والإرهابيين حتى يمكن حماية المجتمع منهم، وتأمين واستقرار البلاد حتى تتفرغ للتنمية وجذب الاستثمارات وتوفير فرص العمل لشبابنا.. إن هؤلاء الإرهابيين ينفذون مؤامرات خارجية ضد مصر وشعبها ولا يمكن أن نطلق عليهم مصريين ويجب ألا تأخذنا بهم رحمة أو شفقة».

بتفعيل سيادة القانون نهزم الإرهاب

الحديث عن الإرهاب لا ينتهي في معظم الصحف، غير أن عمرو حمزاوي في «الشروق» يرى أن هناك أدوات مهملة في مواجهته أبرزها القانون والدستور: جميعا نرفض الإرهاب الأسود الذي يواصل إسقاط شهداء الوطن والواجب من القوات المسلحة ومن قوات الأمن ومن المدنيين. جميعا نشعر بالحزن البالغ حين يسقط شهداء ومصابون والكثير منهم في ريعان الشباب، ونثمن تضحياتهم وهم يجودون بحياتهم لكي نعيش نحن أو يتنازلون عن سلامتهم الجسدية وسعادة أهليهم لكي يتطهر الوطن من وحشية ودموية التنظيمات الإرهابية، وتعجزنا لغة الكلام التي تتعطل إزاء خرائط الدماء ومشاهد النعوش المتلحفة بالعَلم والمكلومين من الأهالي ودموع كل مصرية ومصري ليس لهم إلا هذا الوطن مكانا آمنا ولا يعرفون إلا ربوعه كمرفأ وجود الأحياء ومستقر الأموات. جميعنا نطالب بمواجهة التنظيمات الإرهابية ومموليها والمتعاونين معها، وبجلبهم إلى العدالة الناجزة، وبتخليص المواطن والوطن والمجتمع والدولة من شرورهم. ويرى الكاتب انه حين تتفاوت الآراء والتقديرات بشأن سبل المواجهة الأنجع، وطرق المزج بين الأدوات العسكرية والأمنية وبين الأدوات التنموية والمجتمعية الأخرى، وبشأن النجاحات الممكنة على المدى الزمني القصير، وتلك التي يتعين ضمانها على المدى الزمني المتوسط والطويل، والتوازن الضروري بين توظيف الأدوات العسكرية والأمنية، وبين احترام سيادة القانون والامتناع عن العصف بالحقوق والحريات، وبشأن خطورة القرارات والإجراءات الاستثنائية وجدوى سياسات كتهجير أهالي بعض المناطق في سيناء أو إخلاء بعض المناطق من السكان؛ يرى حمزاوي أن الجميع يفعل ذلك من داخل دوائر وساحات الوطنية المصرية وليس من خارجها، ويأمل في القضاء على الإرهاب وإبعاد وحشيته ودمويته عنا وليس ﻹطالة أمده أو للتهاون معه، ويؤكد على حقوق الناس وحرياتهم وعلى التنمية اللازمة في كافة الربوع المصرية، وبحرص حقيقي على حماية المواطن والوطن والمجتمع والدولة وليس ﻹخافة الأول وتهديد وجود الثاني وتجريد الثالث من السلم والأمن وفرض الضعف والهوان على الرابعة».

لماذا تراجع الطلب الشعبي على الديمقراطية؟

سؤال وجيه يتكرر على ألسنة الكثيرين ويتولى الإجابة عليه وحيد عبد المجيد في «المصري اليوم»: «النداء الذي وجهه المتظاهرون يوم 25 يناير/كانون الثاني 2011 «يا أهالينا انضموا لينا» تعبيراً عن ازدياد الطلب على الديمقراطية وحقوق الإنسان، إلى جانب التطلع إلى إنهاء المظالم الاجتماعية التي تراكمت ووضع حد للخراب الذي تفاقم. غير أن ما حدث على مدى أكثر من ثلاث سنوات لم يكن قليلاً. فقد جرت مياه كثيرة في مجرى السياسة المصرية، جعلت الطلب الشعبي على الديمقراطية وحقوق الإنسان الآن أقل مما كان عليه حتى قبل أن يتنامى الوعي العام بأهميتهما في النصف الثاني من العقد الماضي. ويمكن تفسير هذا التحول في ضوء الاضطراب الذي يعقب الثورات الشعبية كلها. الاضطراب يخلق بطابعه وبتداعياته الأمنية والاقتصادية حالة خوف عام، حدث هذا في أعقاب مختلف الثورات الشعبية عبر أجيالها كافة، وليست مصر استثناء في هذا السياق التاريخي، فقد دفعت الصدمة الناجمة عن حكم الإخوان، كما يقول عبد المجيد، حالة الخوف العام إلى الذروة، خاصة في أوساط الطبقة الوسطى الأكثر اهتماما بالديمقراطية، التي كان لها الدور الأكبر في زيادة الطلب عليها قبل الثورة، كما يساهم العنف الذي اندلع منذ إسقاط حكم «الإخوان» في إضعاف الاهتمام بحقوق الإنسان وكرامته. وأخذ هذا الاهتمام في التراجع مع تنامي خطر الإرهاب الذي يجعل الطلب على الأمن مقدماً على كل شيء. فحين يكون المجتمع مهددا من جراء إرهاب متوحش، يصبح كثير من الناس مستعدين للتضحية بحريتهم، بل بكيانهم الإنساني وما يقترن به من حقوق وحريات من أجل الحفاظ على وجودهم المادي وليست هذه سمة خاصة بالمصريين وحدهم، كما يؤكد الكاتب، فهي قاسم مشترك بين الشعوب في مراحل الانتقال الصعب إلى الديمقراطية، حين يحدث هذا الانتقال عبر مسار مضطرب تكثر فيه العوائق ويعقب كل خطوة إلى الأمام ارتداد مؤقت إلى الوراء، إلى أن تنتشر الثقافة الديمقراطية تدريجيا».
&