غازي العريضي

لا شك في أن ما جرى في تونس في الأيام الأخيرة، يشكل علامة فارقة في مسار الأحداث والتطورات السياسية في العالم العربي. جرت انتخابات، كانت مظاهرة ديمقراطية بكل ما للكلمة من معنى. أقرت القوى السياسية المختلفة بنتائجها. حركة «النهضة» التي خسرت الانتخابات بادرت إلى تهنئة الفائز حزب «نداء تونس». اليوم، تنتقل تونس من مرحلة إلى مرحلة. الشعب التونسي عبّر عن خياراته، ولابدّ من احترام إرادته، الإرادة الجماعية عبّرت عنها القوى السياسية المختلفة باعترافها بنتيجة الخيار. المهم الآن العودة إلى ما سمّاه السبسي نفسه «العقل الجماعي» و«إرادة العمل الجماعي»، هذا هو الأساس، تونس تحتاج الجميع، فإذا استمرت الإرادة على ما هي عليه اليوم ينبغي أن تكون الإدارة بمستوى هذه الإرادة لحماية هذا الانجاز الكبير الذي تحقق.


ليبيا الجار المقلق وضعها صعب، حالة من الفوضى المكلفة دموياً وأمنياً. والصراع فيها وعليها طويل وتونس تتأثر بذلك، كما كل المغرب العربي لاسيما وأن الحدود طويلة. ولا إمكانية لضبطها بالكامل خصوصاً في ظل الفوضى التي تعيشها الدول المحيطة، الوضع الاقتصادي في تونس صعب. كانت السياحة مصدراً أساسياً في الإنتاج ينبغي التركيز عليها مجدداً من خلال خطوات سياسية أمنية انفتاحية تؤكد وترسخ الاستقرار في البلاد وتعيد الحركة السياحية إلى ما كانت عليه. وأهم ما في التجربة هي : اتركوا الناس يحكمون، اللـّهم بعيداً عن العنف، ولتكن الكلمة الفصل والمحاسبة على أعمالهم، لو سلكت الأنظمة هذا الدرب واحترمت إرادة الناس لوفرنا الكثير، ولو سلك من جاء إلى الحكم على أنقاض الأنظمة الساقطة وابتعدوا عن العنف والإقصاء والإلغاء لما وصلنا إلى ما نحن عليه، من هنا أهمية التجربة التونسية وضرورة حمايتها.

تجربة العراق دمّرت العراق، خربته خربت نسيجه الاجتماعي مزقته أهدرت الثروات، وها نحن أمام كارثة، في سوريا خيار أمني اعتمده النظام انطلاقاً من إصرار على التمسك بالسلطة ورفض الاعتراف بالآخر وبالوقائع وضرورة التغيير، وتأكيد على سلوك منطق القوة على قاعدة «لو كلف الأمر مليون قتيل فلن نسلّم»، وإذا استمر الأمر على ما هو عليه قد نصل إلى المليون قتيل وملايين النازحين واللاجئين والخراب والدمار الشاملين. وقد سلم النظام السلاح الكيماوي الذي يخيف إسرائيل وبُني بدم وعرق ومال وتعب أبناء الشعب السوري !

في مصر كان تغيير، وقبل الناس النتائج، لكن السلوك لم يكن بالمستوى المطلوب، الإدارة السياسية والمؤسساتية لم تكن بمستوى التغيير وطموحات الناس، فضلاً عن إرادات خارجية أثرت في هذا الموضوع سلباً. كانت ردة فعل من الناس على خيارهم الأول، غيروا بثورة ثانية، حماية للثورة الأولى، لكن مصر تعبت، العبث بالأمن خيار مدمّر، فكيف في بلد حدوده شاسعة مع دول تعيش فوضى مرعبة مثل ليبيا، وتواجهها تحديات واستهدافات من الجار وتستغل الحدود والنزاعات والثروات المائية مثل النيل ، والجغرافيا لناحية السودان، أو لناحية فلسطين ودور إسرائيل أساسي في ذلك، ثم تطل موجات الإرهاب ضد المؤسسات والأفراد والمسؤولين وصولاً إلى آخر عملية حصدت العشرات من الشهداء والجرحى من العسكريين المصريين، وفي مصر وضع اقتصادي خطير ينوء تحته أي حكم سيدير شؤون البلاد واقعياً، فكيف إذا أضيف إليه تداعيات مثل هذه التحديات والاستهدافات الخارجية للبلاد، وفي ظل ما يعيشه الإقليم العربي كله من مغربه إلى مشرقه؟

هذه الصورة التي تؤكد أهمية التجربة التونسية، أشير إليها اليوم، وأنا لبناني. لبنان الذي يكابر أبناؤه في الحديث عن الديموقراطية بأشكالها المختلفة وعن الحرية وعن وعن .. لبنان العاجز عن إجراء انتخابات نيابية لأسباب سياسية وأمنية، وعاجز عن انتخاب رئيس للجمهورية. يعيش اللبنانيون حالة عجز سياسي، يعيشون بالمياومة، كلما تجاوزوا قطوعاً قالوا: ماشي الحال، جولة وانتهت، قطوع ومرّ، ولكن يعودون إلى مواجهة جولات جديدة من العنف والفوضى والخطف والقلق. وتضعف الدولة، الأمن والأمن والأمن هو الأساس للاستقرار والاستثمار والتنمية، ولتكريسه لا بد من السياسة والسياسة، أي التوافق، وللتوافق لا بد من العقل والعقل والعقل الجماعي لمزيد من العمل الجماعي يحمي بلادنا ويطور دولها ومؤسساتها.

تونس سبقت لبنان الديموقراطي الحر! مبروك لتونس إنجازها ووحدتها وإنجازها. إنها مسؤولية كبرى على عاتق القوى السياسية التونسية أتمنى أن تخرج منها بنجاح !! هذه عملية انتخابية من نوع آخر، انتخابات المحافظة على النجاح!
&