&&حبيب عبدالله&

أكد حمد العمّاري المشرف العام على مؤتمرات "فكر" السنوية على أن تنوع موضوعات مؤتمرات "فكر" السنوية بين العديد من القضايا الحساسة والطموحة إنما يدور في أفق ودوّامة واحدة تسعى المؤسسة من خلالها إلى تحقيق أمل وحلم النهضة العربية، وقال إن جميع المسائل التي تناولتها مؤتمرات "فكر" ترتبط إلى حد كبير ببعضها البعض، وتصب في قضايا تتعلق بالوطن العربي وتبحث مستقبله وتخدم أهداف المؤسسة.


وقال العماري في حوار مع "الوطن" قبيل انطلاق مؤتمر "فكر13" الشهر المقبل، إن المؤسسة لا تتهاون في توجيه الدعوات لشخصيات دينية شرط أن يكون لمشاركتها داعٍ وحاجة تناسب موضوع المؤتمر، لأن الدين هو المكمل للثقافة والهوية العربية.


وخلال الحوار كشف العماري اهتمام المؤسسة بالتواصل مع العلماء والخبراء العرب المهاجرين ودعوتهم للمؤتمرات وتكريمهم من أجل المساهمة في نقل تجاربهم وإنجازاتهم إلى الوطن العربي، حيث تسعى المؤسسة دائماً للقيام بدورها ضمن إمكانياتها ووسائلها.
وحول دعوة الأمين العام للأمم المتحدة لحضور مؤتمر "فكر13"، أشار العماري إلى أن الدعوة تسعى إلى إلقاء الضوء على المنطقة العربية وإعطاء المؤتمر بعداً دولياً، لأنه "كلما تفاعلنا معاً وتعاونا، كلما أصبحت مشكلاتنا قابلة للحل".


نجحت المؤسسة في تنظيم 12 مؤتمراً فكرياً، وطرحت عشرات المبادرات والمشاريع التنموية في الوطن العربي، ما سر هذا النجاح وسط منطقة عربية ملتهبة بالأحداث والمتغيرات السياسية؟


برأيي، إن أحد أسباب نجاح مؤتمر "فكر" هو عدم رفع سقف التوقعات، والواقعية في طرح ومعالجة القضايا التي يُعنى بها الفكر والثقافة العربية، فمنذ انطلاقة مؤتمرات "فكر" قبل 12 سنةً ونحن لا نخرج بتوصيات بل بمبادرات يتمّ تنفيذها على أرض الواقع، وهناك عامل آخر لنجاح مؤتمر "فكر"، يكمن في طرح مواضيع حساسة يتم تناولها بموضوعية ومناقشتها بطريقة علميّة وحضارية بناءة، ويشكل المؤتمر منصة حرة لطرح الأفكار وتبادل الآراء وتقديم الحلول بكل مسؤولية وواقعية.
- كيف يتم اختيار عناوين المؤتمرات، وهل لدى المؤسسة مستشارون ومختصون لاختيار قضايا الساعة ودراستها؟


لدينا لجنة خاصة لبرنامج المؤتمر تتألف من عدد من الخبراء والمفكرين العرب، من ضمن مهامها اختيار المحور الرئيس للمؤتمر واقتراح أسماء المتحدثين والمحاور الفرعيّة، وهي تضع اقتراحات لعناوين وتوجهات عامة، يتم عرضها على أعضاء مجلس إدارة المؤسسة، الذي يقدم توصياته بدوره والتي من شأنها صياغة التوجه العام لموضوع المؤتمر، كما لا شك أن أحداث الساحة العربية والتطورات المتسارعة، تلعب دورها في التأثير على اختيار محور المؤتمر في بعض الأحيان، نذكر على سبيل المثال مؤتمر "فكر10" الذي انعقد في2011 تحت عنوان "ماذا بعد الربيع العربي؟" وناقش حينها أحداث ما سُميّ بالربيع العربي، كما تطرّق مؤتمر "فكر8" إلى موضوع التكامل الاقتصادي تزامناً مع القمة الاقتصادية العربية التي عُقدت في الكويت حينها، و"فكر4" الذي انعقد في المغرب حول موضوع "العرب بين تغيير الثقافة وثقافة التغيير".


تنوعت موضوعات مؤتمرات "فكر" ما بين الإعلام والعولمة والتنمية والربيع العربي والاقتصاد والإبداع ومستقبل الحكومات والمواطنة وسوق العمل في الوطن العربي، انتهاءً بموضوع هذا العام "التكامل العربي: حلم الوحدة وواقع التقسيم".
كيف يمكن العمل على نتائج هذه المؤتمرات وفق هذه المستويات المتباعدة؟


نلاحظ أن جميع هذه العناوين تدور في أفق ودوامة واحدة، ألا وهي أمل أو حلم النهضة العربية والعوامل التي تؤثر فيها، فجميع المسائل التي تناولتها مؤتمرات "فكر" ترتبط إلى حد كبير ببعضها البعض، وهي تصب في قضايا تتعلق بالوطن العربي، وتُجاري أحداثه وتستشف المستقبل وتخدم أهداف المؤسسة الثقافية والفكرية. من هنا يتميز "فكر" بطرح هذه المواضيع من منظور فكري وثقافي وعلمي على نخبة من المفكرين والخبراء والمثقفين وأصحاب القرار.


- في شهر ديسمبر الماضي أطلق مؤتمر "فكر12" مبادرة لتوفير 80 مليون فرصة عمل بحلول 2020، ولا يزال أمامنا 6 سنوات فقط، والبعض يرى أن تحقيق ذلك مستحيل؟ فما رأيك؟


إن المؤسسة ومن خلال مؤتمرها السنوي "فكر"، تسعى لتسليط الضوء على أهم التحديات التي تواجه الوطن العربي، كان منها مشكلة البطالة وإيجاد فرص عمل ووظائف للشباب، والذي عملت المؤسسة على دق ناقوس الخطر حوله، وتوعية الرأي العام للعمل على محاولة إيجاد الحلول لمعالجة هذه المسألة.


واستكمالاً لهذه الأهداف والمساعي، أعلنت المؤسسة في ختام فعاليات "فكر12" عن إطلاق مبادرتين، إحداها بالتعاون مع مركز "بحوث" في دولة الإمارات العربية المتحدة، لعمل بحث استبياني ودراسة معمقة حول سوق العمل، في محاولة للإجابة عن التساؤلات ووضع خارطة طريق لمعالجة الأمر، أما المبادرة الثانية فهي لتقييم الجامعات بناءً على معايير جديدة توضع من قبل أصحاب العمل من حيث قدرة هذه الجامعات على تأهيل الطلاّب لسوق العمل مما يزيد من إمكانية إيجادهم فرص عمل، ولا يزال العمل مستمراً على المبادرتين، وسيتم الإعلان عن نتائجهما قريباً.


ومن خلال "فكر12" وهاتين المبادرتين، تكون مؤسسة الفكر العربي قد قدمت نموذجاً يُحتذى به لأخذ المبادرة وتحمل المسؤولية في المساهمة في إيجاد الحلول ومعالجة القضايا التي يُعنى بها المجتمع، علها تقدم معطيات علمية وحسية من شأنها أن تشجع أصحاب القرار والمسؤولين على القيام بدورهم لمواجهة هذا التحدي بفعالية.


من أجل تحقيق هذه الطموحات تحتاج المؤسسة إلى عقد شراكات وتنفيذ مبادرات مع المؤسسات الحكومية في الوطن العربي، سواء في مجال تقديم الدعم والتعاون أم حتى الحصول على الاستثمارات وكسب ثقة المستثمرين في القطاعين الحكومي والخاص، هل واجهت المؤسسة أي عوائق بهذا الخصوص، وكيف تجاوزتموها؟
تتميز المؤسسة بسمعة طيبة وثقة عالية في أوساط القطاعين الخاص والحكومي. وهي من هذا المنطلق تجمع نخبة من رجال الأعمال العرب ضمن مجلس أمنائها الذين يشكلون الدعم الأساس للمؤسسة بشكل عام سواء من ناحية الدعم المادي أو من خلال تنمية العلاقات.
كما تسعى المؤسسة من خلال مشاريعها المتنوعة إلى استقطاب الشركاء والشراكات مع القطاعات كافة الخاصة والعامة ومؤسسات المجتمع المدني، والتي من شأنها أن تقدم نموذجاً لتعاون هادف وبناء لما فيه خير الأمة. على سبيل المثال يرعى المؤتمر السنوي "فكر" العديد من المؤسسات الإعلامية ومؤسسات القطاع الخاص كأرامكو السعودية وهي شريك المؤتمر منذ أكثر من 10 أعوام، والمرجان وشركة مواد الإعمار القابضة، وغيرها. وكان لمشاريع التربية والتعليم شريك أساسي هو مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتكنولوجيا، كذلك مشروع ترجمة حضارة واحدة، وجائزة الإبداع العربي وغيرها. ولا ننسى الجامعات والمراكز الفكرية والبحثية والشركاء المعرفيين.


يشارك في مؤتمرات "فكر" السنوية رؤساء دول ووزراء وصناع قرار ورجال أعمال ونخبة من كبار الشخصيات العربية والدولية، فضلاً عن المفكرين والأكاديميين والمثقفين العرب.
إلى أي حد ساعدت هذه الشخصيات في تحقيق أهداف المؤسسة؟


تفخر المؤسسة بشبكة الأصدقاء الذين أسستهم منذ نشأتها من أصحاب قرار ومثقفين ومفكرين وإعلاميين وعلماء واقتصاديين وغيرهم، وهؤلاء لهم الفضل في نجاح المؤسسة.


عادة ما يتم ربط نشاط المؤسسة بدور جامعة الدول العربية، هل تلعب المؤسسة دورا مكملاً للجامعة، خصوصاً في موضوعات مستقبل التعاون والتكامل العربي؟


المؤسسة عربية مستقلة ثقافية بحثية، تُعنى بالشأن العربي، وهي تتناول مسائل تعنى بكافة جوانب المجتمع وهمومه، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الفكرية بطريقة موضوعية وعلمية.


يرى البعض أن المؤسسة تبتعد عن طرح الموضوعات الدينية في مشروعاتها أو مؤتمراتها وحواراتها، وحتى في توجيه الدعوة للدعاة والأسماء الدينية للمشاركة، الأمر الذي أدى إلى انتقادات حول طريقة اختيار ودعوة الشخصيات؟


سعت المؤسسة منذ بدايتها إلى البناء على ما يجمع العرب، وهي لهذه الغاية اتخذت مبدأً لها بعدم التطرق لأي مواضيع سياسية أو عرقية أو دينية، معتبرة أن هناك مؤسسات متخصصة تتناول هذه المسائل بعمق، إن مؤتمر "فكر" قد يطرح مواضيع تبدو في الوهلة الأولى سياسية، وإنما هو يتناولها ويعالجها بطريقة علمية وفكرية بحتة، بعيداً عن أي انتماءات أو تعصبات.


ولكن لم تتقاعس المؤسسة عن توجيه الدعوات لشخصيات دينية في حال كان لمشاركتها داعٍ وحاجة، وخصوصاً أن الدين هو مكمل للثقافة والهوية العربية، فهي لا تتعمد استبعاد رجال الدين، بل هم حاضرون.


من أهم أهداف المؤسسة تفعيل التواصل مع العقول والمؤسسات العربية المهاجرة، هل حاولتم إعادة بعض هؤلاء العلماء والخبراء إلى بلدانهم أو ساعدتم في نقل تجاربهم والاستفادة منها عربياً؟


هاجرت هذه العقول لأسباب لا تزال قائمة، وبسبب الأحداث التي عصفت بالوطن العربي. حاولت مؤسسة الفكر العربي ولا تزال الإبقاء على التواصل مع العلماء والخبراء ودعوتهم لمؤتمراتها وتكريمهم بجوائزها، حتى قبل أن يدخلوا جنة الشهرة، وهناك أمثلة كثيرة من بينها تكريم المهندسة المعمارية العراقية الأصل زها حديد التي تعيش في بريطانيا، في سنة 2002م، وأيضاً تكريم العالم المصري شريف الصفتي بجائزة الإبداع العلمي سنة 2013م، وقد أدى هذا التكريم إلى دعوته من قبل جامعات ودول عربية عدة لإلقاء محاضرات عن تكنولوجيا النانو (Nanotechnology)، وهو قد يسهم في نقل هذه التكنولوجيا إلى الوطن العربي، تسعى المؤسّسة دائماً للقيام بدورها ضمن إمكانياتها ووسائلها، إلا أن يداً واحدة لا تصفق؛ ونحن نأمل دوماً أن نكون الشمعة التي تنير الظلمة ونقدم مثالاً يُحتذى به.


إلى أين وصلت مشروعات المؤسسة فيدعم اللغة العربية ومشروع النهوض بالمحتوى الرقمي العربي على الإنترنت؟ وخصوصاً أن جيل الشباب يعتمد كلياً على الإنترنت بالمحتوى الإنجليزي؟

أطلقنا السنة الماضية مبادرة للنهوض باللغة العربية، وكانت بمثابة ميثاق عمل للعديد من المنظمات والحكومات العربية، على أمل بناء خارطة طريق للحفاظ على لغة الضاد، كما أنجزنا بحث إثراء المحتوى الرقمي العربي، وهو مشروع أطلقناه بالتعاون مع مدينة الملك عبدالعزيز للتكنولوجيا في المملكة العربية السعودية، إن استخدام اللغة الإنجليزية على الإنترنت، هو أحد القضايا التي تصدى لها هذا البحث، وهي ظاهرة عالمية لا تخص الوطن العربي وحده، نحن نراهن على أن يُسهم هذا العمل في المزيد من التوعية، والتعاون مع قطاعات مختلفة من أجل إيقاف زحف اللغة الإنجليزية، وخصوصاً في الفضاء الرقمي.


وجه صاحب السمو الأمير بندر بن خالد الفيصل دعوة رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لحضور المؤتمر المزمع عقده في المغرب في ديسمبر المقبل، ما الذي تضيفه مثل هذه الشخصية؟


هناك أكثر من سبب لدعوة بان كي مون إلى مؤتمر "فكر"، نحن لا نعيش في جزيرة، وبالتالي فإن منظمة الأمم المتحدة وجيراننا العرب لهم دور فاعل في كل ما يجري، أردنا استضافة أمين عام الأمم المتحدة لإلقاء الضوء على موضوع المؤتمر، ومن مصلحة العالم أن ينعم هذا الجزء الحيوي بمزيد من الأمن والاستقرار والنمو الاقتصادي، وتسليط الضوء على المنطقة وإعطاء المؤتمر بعداً دولياً، وإذا أصبحت منطقتنا (الوطن العربي) منطقة سلام وازدهار، فذلك سينعكس حتماً على العالم كله، وإذا ما كانت منطقتنا أرضاً خصبة للحروب والدمار، فسيؤثر ذلك على العالم أيضاً، موقعنا على خريطة العالم مهم وحساس، وكلما تفاعلنا معاً وتعاونا، كلما أصبحت مشكلاتنا قابلة للحل.
&