محمد المزيني

كان الأحد الماضي يوماً تاريخياً وحاسماً في العلاقات الخليجية، التي تأثرت في وقت مضى جراء الظروف العصيبة التي عصفت بالعالم العربي، ما أدى إلى حدوث شرخ في البناء الخليجي المتين.

&

هذه الظروف التي هزت دولاً كانت قبلاً ينظر إليها أنها مهابة الجانب، متينة الأركان، قوية البناء، فكانت قوة الزلزال الذي ضرب كيانها بدرجات أقوى من قدرتها على التحكم والسيطرة، لتسقط بين يدي الغوغائية، لذلك فمن المنطقي والمعقول جداً أن يصيب دول الخليج نفح من شوبها، وتتأثر سواحلها بتياراتها الساخنة وأمواجها المضطربة، فيما دون العمق.

&

وأثبتت قمة الرياض التي عقدت برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز سطحية هذا الشرخ، وانحساره في زاوية محددة، أمكن معها بكل بساطة ترميمه، ولم يكن ذلك بحاجة إلى خوض حوارات مطولة من شأنها تعميق هذه الخلافات، وتصديع ما بني في غضون 33 سنة، فالخليج الذي أصبح لا يرى ذاته إلا من خلال المصير الواحد والمصالح المشتركة، لم يعجز ولن تقعده عن تمثيل صيرورته المشتركة بعض الملمات التي يمكن أن يقال عنها خدوش سطحية لم تبلغ العمق، فبهذه العودة إلى وحدة الصف التي تماست مباشرة مع إرادة خادم الحرمين الشريفين واستشعاره الأبوي لضرورة إنهاء خلاف الأشقاء والأحبة، نكون أمام حقيقة صادمة لكل المناوئين لوحدة هذا الخليج، الذين سعوا وسيسعون بكل ما أوتوا من قوة لتقويضها، إما كراهية أو حقداً، أو بغية الانفراد بها على حدة، هذه الحقيقة تؤكد أنهم فشلوا بامتياز وسيفشلون متى عاودوا مؤامراتهم، فلو عقلوا وتدبروا في خصوصية الخليج العربي لأدركوا أن هذا التعاون أو لتقل الاتحاد الجزئي والذي نطمح مستقبلاً أن يتحقق اتحادنا الكلي، يعد أقوى من كل الاتحادات العالمية على الإطلاق، لأسباب من أهمها التقارب الجغرافي، والتماثل الثقافي والديني، والتواشج العرقي، والاعتبارات الاستراتيجية الأمنية، لذلك فمصيرها مرتبط بهذه الظروف، وكما عبر أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبدالخالق عبدالله في حلقة النقاش التي انعقدت الشهر الماضي في مقر أمانة مجلس التعاون الخليجي بعنوان: «سبل تعزيز مسيرة مجلس التعاون الخليجي» أنه انتقل مع كل الإنجازات التي استكملت اشتراطاتها والغايات المنتظرة للمجلس، عملياً وواقعياً من مرحلة الشك إلى مرحلة اليقين، وهذا تحديداً ما حرص القادة على تأكيده في الدورة الـ34 للمجلس الأعلى، الذي انعقد في الكويت وصدر عنه عدد من التوصيات، من أهمها: تعزيز العمل الجماعي، وحشد الطاقات المشتركة لمواجهة الأخطار والتحديات التي يواجهها المجلس، وتعزيز التعاون الاقتصادي، من أجل الوصول إلى التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي، لتتحقق السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي والنقدي، حتى يمكن توحيد العملة الخليجية، وتفعيل كل القرارات الصادرة عنه.

&

كل هذا الطموح قريب المنال، اعتمد على حقائق ماثلة للعيان، من أهمها: الدفاع الأمني الخليجي المشترك، الذي استطاع أن يجسد قوته من خلال العديد من الأزمات التي اجتاحت بعض دول الخليج العربي، لذلك فإن الدول الخليجية تدرك أهمية تمسكها بهذا المجلس، لما يمثله لها من استقرار وأمن دائمين، ومنها الإنجاز الكبير المتمثل في الربط الكهربائي الذي شهد انطلاقته في قمة الكويت عام 2009. وإن كانت ثمة طموحات أخرى، تتمثل في الإسراع بتنفيذ شبكة سكك الحديد بعدما تم الانتهاء من الدراسات المتعلقة بها، ومضاعفة الجهود لاستثمار طاقة الشباب، وتطوير البرامج التي تخدمهم، والتوسع في دائرة المشاركات الفكرية والثقافية لإيجاد أرض واحدة لرأي عام موحد، ينبذ كل الخلافات والفرقة بين شعوب المنطقة.

&

هذه الطموحات والآمال العريضة والواسعة، التي أكدوا عليها ولا يزالون في كل اجتماع ينعقد لقادة مجلس التعاون الخليجي، تجعلنا نتساءل أين مكمن الخلل إذاً؟ وكيف استطاعت رياح التغيير في محيطنا العربي أن تشرخ واجهتنا الجميلة؟

&

قد لا يحتاج ذلك إلى كثير من البحث والتقصي، ونحن في مرحلة اليقين التي جسدتها كل هذه الإنجازات، فكل ما حدث لا يعدو كونه عدوى طارئة تحملها عادة تبدل المنـاخات وتغير الفصول، لينفض الجسد عنه ما علق به لاحقاً، كي يقوي من دفاعاته، ويسد كل النوافذ الباعثة على هذه الرياح الممرضة، لذلك جاءت النتيجة الحاسمة من علاج بسيط، لكنه عميق المفعـول ومؤثر بطريقة مباشرة.

&

يعتمد أيضاً على قيم التصالح العربي الأصيلة، تلك التي يعقدها اللسان ويؤمن بها الجنان وتصدقها الجوارح، لم تكن تلك سوى كلمة طيبة تخرج من رجل طيب هو خادم الحرمين، فتكون كلمة الفصل التي لا نقاش بعدها، تنهي كل الخلافات التي أصخبت علينا وجودنا بين ضباع تتآمر ضد وحدتنا والتقائنا. لتعود المياه إلى مجاريها الواسعة، وتصب في محيطاتها المترامية، ليخرج الجميع بوجوه تعلوها البشاشة والرضا، وهذا لعمري يقدم درساً كبيراً لكل تلك الضباع مفاده: أنهم مهما حاولوا إيغار الصدور، وجهدوا في خلق الفتنة بيننا، ومهما توهموا أنهم تمكنوا من تشتيتنا، وصنعوا الفرقة بيننا فإن كلمة واحدة صادقة تخرج من قلب طيب تهدم كل مؤامراتهم وخططهم كما فعل خادم الحرمين الشريفين.

&


&