إدريس الدريس

ما يربط دول المجلس قادة وشعوبا من وشائج وروابط لا يسمح أن تتدنى العلاقة إلى حد التطاول والاستفزاز، مما يسهم في تيسير خط الرجعة بين هذه الدول عند أي أزمة عابرة

&


هل نقول إن المياه عادت لمجاريها بين الأشقاء في الخليج، وقبل ذلك فإن السؤال الواجب طرحه هل توقفت المياه - أصلاً - عن الجريان بين دول مجلس التعاون الخليجي؟ وبوضوح أكثر هل تمت القطيعة؟ هل انقطع التواصل؟ وهل ألغيت الزيارات؟ الواقع المشهود يقول إن الاتصالات قائمة والزيارات مستمرة طوال الفترة الماضية.


لنقل إن ما حدث مجرد سحابة عابرة اقتضتها ميزة الاختلاف والتنوع وشيء من استقلالية القرار الداخلي لكل دولة في هذا التجمع على ألا تتصادم هذه القرارات القطرية مع المصالح الجمعية لدول المجلس.
وأكثر ما يثير الإعجاب خلال فترة الجفوة هو كما أسلفت استمرار العلاقة الأخوية بين القادة إضافة إلى عدم انعكاس هذا الاختلاف سلباً على وسائل الإعلام الرسمية.


لقد جرت العادة - للأسف - أن يحدث بين بعض أقطار العالم العربي حالة من الجفاء تمتد لتتحول إلى حالة من التصادم والشتائم عبر وسائل الإعلام بما يوسع فجوة الخلاف ويزيد من تفاقم الأزمة شعبيا، لكن ما يربط دول المجلس قادة وشعوباً من وشائج وعلاقات تصاهر لا يسمح أن تتدنى العلاقة إلى حد التطاول والاستفزاز، وهذا هو ما يسهم في تيسير خط الرجعة بين هذه الدول عند أي حالة سوء للفهم أو عند أي أزمة عابرة لا تلبث أن تتجلى والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة.


قد ينبري أحدهم ويشير إلى بعض حالات التطاول أو التشفي التي برزت على سطح "تويتر" لكن الراسخون في علم الفتنة يدركون أن ثمة "شياطين" يتلبسون أدوار الناصحين المخلصين وهم يمارسون نفخ الكير وإعلاء وتيرة الخلاف، علاوة على وجود بعض المزايدين أو المدفوعين لتفتيت اللحمة الخليجية ممن يتم دفعهم للعب هذا الدور إلا أن هناك بعض الجهلة من الأسماء المعروفة والمحسوبة على أهل الرأي من الكتاب والمثقفين على جانبي الضفتين وهم ممن "طاروا في العجة" كما يقال شعبيا وأسرفوا في تغريداتهم المسفهة والسفيهة، لكن الحقيقة تشير إلى أن تأثير مثل هؤلاء لا يكاد يلمسه أحد وذلك بسبب أن القاعدة الشعبية العريضة من أهل الخليج مدركة لأهمية هذا الاتحاد وضرورته ومنتمية بشكل عفوي لهذا المجلس، لأنها بشكل عقلاني تغلب المصلحة الجماعية على المصلحة الفردية، خاصة وأن شعوب دول المجلس تلمس وتدرك وترى رأي العين ما يحيط بها في الجوار من تحولات وقلاقل وحروب أهلية.
ولهذا تجدها تراهن على هذه العلاقة الفريدة بين أهل المنطقة التي يجمعها التجانس في كثير من المشتركات كما تعضدها العلاقات الاجتماعية من خلال التصاهر بين كثير من الأسر في هذه المنطقة التي يتمتع أهلها بالأمن والاستقرار والرخاء، يذودون عنه بهذا التلاحم الذي تصقله الأحداث وتقويه وتجعله أكثر تماسكا وأمتن وشيجةً وأصلب عوداً على نحو مَكّنَ لهذا المجلس مواجهة الكثير من المحن والفتن وكثير من الرياح الشرقية والشمالية فيصدها بكل ثبات وتماسك.


لقد جاءت قمة الرياض الاستثنائية ونتائجها بالبشرى التي صفقت لها أكف الأهالي وتضوعت لها الأنوف وشنفت لها الآذان ورفرفت لها الأفئدة فرحاً وبهجة ثم تضرعت للمولى أن يديم على أهل هذه المنطقة ودولها أسباب الأمن والرخاء وأن يحميها من المتربصين الذين يكيدون لهذه الوحدة التي لا مثيل لها في العالم العربي، كما ويتطلعون إلى الإمعان في التلاحم والانتقال إلى مرحلة الاتحاد الخليجي الذي سبق أن دعا له خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله -.
&