يوسف الكويليت
&
المراحل التاريخية تحتاج إلى رجال حسمٍ وقوة وثبات مبادئ لا تفرق بين الإخوة والأصدقاء، والملك عبدالله نموذج للزعامة التي تقف على الحق، وتلتزم به دون تهور وانحياز، وقد تميز بالمواقف الصعبة الداخلية والخارجية ما أكسبه احتراماً عالمياً، ووضع كأحد أهم الأشخاص المؤثرين ليس في محيطه فقط، وإنما على المستوى العالمي..
&
في مجلس التعاون الخليجي، وكأي تجمع تتفاوت فيه الأفكار والسياسات، وجدناه في حالة فقدان توازن في بعض الأحيان، رغم التجارب التي مرت به بين أزمات كادت تعصف بوجوده، وأخرى تنامت من داخله مع أن الروابط التاريخية والحديثة كان من المفترض أن تكون محسومة لصالح الاتفاق على الأساسيات، وترك الفروع للاجتهادات دون التأثير على مساره الأساسي..
&
وعاصفة الشهور السابقة احتاجت للتصرف الواعي والعاقل كخيار طبيعي على المجاملات والعواطف فكان لابد من مؤتمر في الرياض يحسم الأمور ويحدد المسؤوليات، إما بالتمسك بالمجلس بصيغته التي أنشئ من أجلها، أو ذهابه للنقطة الحرجة التي ربما تنهيه ككيان موحد، فكان الحاضرون من الزعماء على مستوى المسؤولية بخيار التعاون كأساس وفعل..
&
الملك عبدالله بمثابة الأب للجميع فقد عُرف كإنسان ليست لديه أنصاف الحلول في المسائل الحاسمة والمواقف الصعبة، وقد رأيناه مع مصر في قلب المعركة حين رأى الاتجاه يذهب إلى إدخالها أنفاقاً مظلمة، وكذلك مع الأسد قبل أن تنفجر سورية بحرب أهلية، ودول أخرى وجدها خارج مسارها الطبيعي، لكن المعاملة مع الأسرة الخليجية تختلف، فرغم الخلافات كان لابد من وقفة إيجابية صادقة والتزام بالمبادئ التي قام عليها المجلس، وهي اعتبارات لا تقوم على إيقاع اللحظة الراهنة، وإنما النظر للأبعاد القادمة إذ ليس من مصلحة هذه الدول لعب دور خارجي يخالف سياساتها ومنطلقاتها في محيط عربي وإقليمي يعيدنا إلى سيرة الانقسامات التي امتدت من الدوائر الرسمية العادية، إلى القمم لنجد أن الإطار العربي برمته لا يحتمل مزيداً من النيران في أمور تُدخل دول الخليج في أزمات وإحراجات في لعبة دولية تدار بإتقان لدفع المنطقة إلى مزيد من التوترات والانقسامات..
&
وبدون تهوين من دور أي دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي، فإن المملكة تعتبر الثقل الاستراتيجي والسياسي، وليس من مبادئها أن تدخل في خصومات مع أي طرف، وقد عملت على أن يكون الخليج ودوله في منأى عن المزالق التي انحدرت لها أكثر من دولة، وهذا الأمراحتاج إلى مصارحة حقيقية في مؤتمر الرياض وبدون إملاءات على أحد، لكن كان لابد من تحديد المواقف تبعاً للمصلحة العامة، أو الذهاب لما هو أسوأ، فكان الملك عبدالله هو الفصل في القضية التي استجاب لها إخوته من باب واقعية ما طرح واتفق عليه لإغلاق أبواب الخلافات وعودة الأمور لطبيعتها..
&
فالتحديات العاصفة حولنا ليست خيارات لنا، وإنما جاءت كأمور اختلطت فيها الألوان وتداخلت فيها الصراعات الداخلية مع الإقليمية والعالمية، وهناك من حاول جر دول المجلس إليه، إما بالضغط المباشر بهدف مكافحة الإرهاب، أو الانحياز لجماعات أو دول وهي لا تخدم مصالحنا إلا في حدود ما نراه يتناسب مع سياساتنا الهادفة إلى إطفاء الحرائق لا إشعالها في منطقة مضطربة جاء إليها كل اللاعبين لتأزيمها لا بناء سلامها..